بنفسج

مُنتهى أمارة: شعلة الرباط في المسجد الأقصى

الثلاثاء 17 يناير

التفت حولها مجموعة من شرطة الاحتلال الإسرائيلي، وهي تؤدي صلاتها في باحات المسجد الأقصى، وتحديدًا عند باب الرحمة، "احنا من الشرطة وبنطلب منك تخلي المكان فورًا"، هكذا حذرها الشرطي الذي أنغص عليها صلاتها، ثم ما لبثت وهي ساجدة في ركعتها الأخيرة حتى سحبوها من يداها قبل أن تُسلم وتُنهي صلاتها، لكنها بقيت ثابتة على الأرض، رافعةً أصبع سبابتها حتى أنهت التشهد والصلاة الإبراهيمية. 

قاموا بسحبها واعتقالها، وبقوتها وثباتها الذي يعرفه القاصي والداني، صرخت في وجوههم قائلةً: "لن ننحي، لن ننكسر، الأقصى لنا، ستنهزمون، سترحلون، وسننتصر، يلا زي العروس زفوني". إنها المرابطة منتهى أمارة التي ستكون ضيفتنا في هذا الحوار لتعرفنا عن رحلتها في الرباط في المسجد الأقصى.

 منتهى أمارة "رباط في المسجد الأقصى

المرابطة منتهى أمارة
 
المرابطة مُنتهى أمارة "أبو شقرة" (49عامًا)،  إحدى أيقونات الرباط في المسجد الأقصى، تقطن في قرية "زلفة" إحدى قرى أم الفحم. نمى حب الأقصى في داخلها منذ الصغر، كيف لا وهي امتداد عائلة ملتزمة.
 
 نهجها الأول والأخير حب الدين والجهاد في سبيل الله، والانتماء للأرض، وقول الحق في وجه أهل الباطل، بيتها النواة الأولى لانطلاق الدعوة الإسلامية في الداخل الفلسطيني، يجتمع فيه الشباب والفتيات من الضفة الغربية والداخل، لتثقيفهم دينيًا وتعليمهم أسس الدين الإسلامي.

المرابطة مُنتهى أمارة "أبو شقرة"  (49عامًا)، إحدى أيقونات الرباط في المسجد الأقصى، تقطن في قرية "زلفة" إحدى قرى أم الفحم. نمى حب الأقصى في داخلها منذ الصغر، كيف لا وهي امتداد عائلة ملتزمة، نهجها الأول والأخير حب الدين والجهاد في سبيل الله، والانتماء للأرض، وقول الحق في وجه أهل الباطل، بيتها النواة الأولى لانطلاق الدعوة الإسلامية في الداخل الفلسطيني، يجتمع فيه الشباب والفتيات من الضفة الغربية والداخل، لتثقيفهم دينيًا وتعليمهم أسس الدين الإسلامي.

كل ذلك أثمر في قلب المرابطة منتهى، تقول: "في بداية السبعينات انطلق والدي وخالي الشيخ رائد صلاح بالدعوة، وكان الجهل الديني يعم أرجاء البلد، فمن النادر أن تجد أحدًا يُصلي، فكان والدي يستقي العلم من الكتب الدينية ويزود الجميع بالمعلومات الدينية، وأحضر المشايخ الرموز أمثال همام سعيد والواعظات من الضفة لإلقاء الخطب في بيتنا والمساجد، لثقيف الشباب والنساء على حد سواء، كما وانطلقت من بيتنا المهرجانات والفعاليات، ففي الثمانينات أُقيم أول عرس إسلامي بالداخل المحتل بحضور الشيخ أحمد ياسين".

وريثة أبيها وشبيهته بشخصيتها القوية، كانت في التاسعة من العمر حين اقتحم جنود الاحتلال منزل عائلتها، ورأت بعينيها كيف تم اعتقاله وزجِه في السجن  لمدة ثلاث سنوات، لم يضعف ذلك من عزيمتها، على العكس تمامًا زادت قوة تحديها للاحتلال، أما عن أمها فهي أول امرأة من الداخل الفلسطيني التزمت باللباس الشرعي  بعد أن أصبح اللباس القصير أمرًا عاديًا.

وريثة أبيها وشبيهته بشخصيتها القوية، كانت بالتاسعة من العمر حين اقتحم جنود الاحتلال منزل عائلتها، ورأت بعينيها كيف تم اعتقاله وزجِه في السجن لمدة ثلاث سنوات، لم يضعف ذلك من عزيمتها، على العكس تمامًا زادت قوة تحديها للاحتلال، أما عن أمها فهي أول امرأة من الداخل الفلسطيني التزمت باللباس الشرعي  بعد أن أصبح اللباس القصير أمرًا عاديًا، حبيبة الأقصى والتي أبعدها الاحتلال عنه مرات عديدة وتعرضت في سبيله للضرب والسجن، تصفها منتهى بقولها: "هي الرمز والقوة".

لم تكمل المرابطة منتهى أمارة دراستها التعليمية لظروف قاهرة، تزوجت وهي في عمر (17عامًا)، لكن ذلك لم يثنيها عن الالتحاق بالدورات الدينية وتعليم الأطفال القرآن الكريم والمشاركة في المهرجات والفعاليات حتى يومنا هذا، وأن تكون ناشطة مؤثرة بين جموع النساء".


اقرأ أيضًا: نهلة صيام: ابنة أبيها ووريثته في الرباط


عندما تزوجت في سن السابعة عشر، كيف تم النصيب؟ تجيب: "تزوجت من محمد أمارة، كان زواجًا تقليديًا، أما عن الاختيار، فكان رجلًا خلوقًا وملتزمًا، يعرف حق الله في أسرته، يساندني في الرباط في المسجد الأقصى والدفاع عنه. وبالفعل قد أنعم الله وأكرم، هو إمام منذ أن كان عمره (16عامًا) وداعيًا وخطيبًا، وفي طريقه لإكمال الدكتواره في  الشريعة الإسلامية، ولا زال يعمل لأجل دينه ومقدساته، له الفضل الكبير فيما أنا عليه، في حين أن هناك الكثير من الرجال لا يقبلون هذا الطريق لنسائهم".

 اعتقال المرابطات في القدس

IMG-20221122-WA0009.jpg
صورة تجمع المرابطة منتهى أمارة بالمرابطة هنادي الحلواني وشيخ الأقصى رائد صلاح وأخريات

قبل ثلاثين عامًا بدأت المرابطة منتهى أمارة مشوارها الأبدي مع الرباط في المسجد الأقصى، فكلما ذهبت إلى المسجد تشارك المرابطات في صد الاحتلال ومستوطنيه، فرغم بُعد المسافة التي تبلغ 150 كلم من بيتها إلى الأقصى، إلا أنها عاهدته أن ترابط فيه يومًا في الأسبوع، فاقتحام الاحتلال وتدنيس المستوطنين ومنع المسلمين من الدخول إلى المكان المقدس، كل ذلك أشعل روح التصدي، ورغبة الرباط في قلبها.

يوميًا وعلى مدار الأسبوع يشهد المسجد الأقصى اقتحام وتدنيس المستوطنين تحت حماية شرطة الاحتلال، منذ ساعات الصباح الأولى وحتى قبيل صلاة الظهر، فماذا تفعلن عند رؤيتكن هذا المشهد البغيض؟ تجيب: "نقف أمامهم كالبنيان المرصوص، نهتف بصدورنا العارية وأجسادنا مكبرين، مهللين مكبرين، فصيحة التكبير وحدها تزلزل وتدب الرعب في قلوبهم، فيعتقل على إثرها كل من يُعلي صوته".

"الاعتقال بكل حالاته قاسٍ ومؤلم، فلا تعرف ما التهم التي يلاحقونك بها ظلمًا وعدوانًا كي يرهبونا، وكلما زادت عدد مرات الاعتقال تزيد المدة التي ستبعد فيها عن المسجد الأقصى، حتى يومنا هذا أنا مبعدة عن الأقصى لمدة 6 أشهر، وهي  المرة الرابعة التي أبعد فيها هذه المدة".

فماذا عن الاقتحام الأشد على قلبك؟ تُجيب منتهى: "كل اقتحامات المستوطنين شديدة على النفس، لكن الاقتحام الأشد حين يحشدون أكبر عددٍ ممكن، كاقتحام صبيحة يوم 28 رمضان من عام 2021 حين كنا معتكفين داخل الأقصى، وقام الاحتلال بإطلاق الرصاص الحي وقنابل الغاز، وأصيب العشرات من المعتكفين، ناهيك عن الاعتداءات والضرب للنساء والشيوخ، وعلى إثر هذا الإجرام اندلعت معركة سيف القدس والعدوان على غزة الحبيبة ".

اُعتقلت منتهى أكثر من 15 مرة، فكل أمر اعتقال ينتج عنه إبعاد عن الأقصى لفترة، في البداية تراوحت مدة الإبعاد بين أسبوعين إلى 3 أشهر، تقول: "الاعتقال بكل حالاته قاسٍ ومؤلم، فلا تعرف ما التهم التي يلاحقونك بها ظلمًا وعدوانًا كي يرهبونا، وكلما زادت عدد مرات الاعتقال تزيد المدة التي ستبعد فيها عن المسجد الأقصى، حتى يومنا هذا أنا مبعدة عن الأقصى لمدة 6 أشهر، وهي  المرة الرابعة التي أبعد فيها هذه المدة".


اقرأ أيضًا: سماح محاميد: مرابطة مقدسية برتبة "العنيدة"


"ليلة من ليالي العمر"، هكذا وصفت منتهى ليلة مبيتها في السجن برفقة أمها ومجموعة من صديقاتها، أراد الاحتلال كسر عزيمتهن وتخويفهن من خلال ذلك، لكنه فشل، تقول وصوتها يتعالى فخرًا: "منذ ساعة دخولنا سيارة الاعتقال إلى أن وضعنا داخل غرفة السجن، ونحن نهتف ونكبر وننشد الأناشيد الوطنية ونعلو بأصواتنا بالأهازيج القومية، والصلاة على الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم-، وكأننا في احتفال". 

 الإبعاد عن المسجد الأقصى

 
أما عن أشد المواقف السيئة التي حدثت معها في فترة الإبعاد، تقول: "حين هاجمتني الشرطة الإسرائيلية وحاولت دفعي إلى الأرض لكنهم لم يفلحوا بذلك، فقاموا بدفعي حتى وصلت القشلة وهي "مكان الاعتقال والتحقيق عند باب الخليل يستخدمه الاحتلال كمركز شرطة في القدس"، وأزال الجندي غطاء وجهي، اعتصرني ألم كبير وقتها أستطيع استعاره الآن أيضًا ".
 
حين ينتهي أمر الإبعاد وتعودين للرباط في المسجد الأقصى، كيف يكون شعورك حينها؟ تجيب : "كمن يُخلق في الحياة من جديد، وكأنني سألتقي حبيبًا وأحتضنه، فرحة عارمة ينغصها تراود تساؤلات  هل يا تُرى سيتم إبعادي مجددًا؟

خلال فترة الإبعاد، لم يهنأ للاحتلال أن تزور منتهى القدس وتشتم هواءها وتجول بين حاراتها، فمنع شركات الحافلات من التعامل معها وأخذها للقدس، بعد تهديدهم بمصادرة حافلاهم ودفع غرامة مالية باهظة جدًا، إلى جانب تعرضهم للاعتقال والتحقيق، كل ذلك أساليب تخويف لثني المرابطات من الوصول للأقصى، لكن منتهى لم تستسلم للأمر الواقع، فقامت باستئجار سيارة واستقلت مجموعة الفتيات اللواتي منعن من الركوب بالحافلات مثلها، وذهبن للرباط في المسجد الأقصى بعزيمة لا تلين.

طالما وُضعتِ ضمن قائمة المرابطات المبعدات عن المسجد الأقصى، فماذا عن الإبعاد الأقسى على قلبك؟ تُجيب منتهى: "كل الإبعادات قاسية جدًا على قلبي، لكن أشدها قسوة حين تكون مدة الإبعاد طويلة جدًا وخاصة في شهر رمضان والأعياد، لكن إبعادهم لا يمنعني من زيارة القدس، فأقوم بجولة داخل البلدة القديمة والتعرف على أهلها وأجتمع وأخواتي المبعدات عند باب الأسباط ونرابط بجواره".


اقرأ أيضًا: مرابطات عن بعد: هنا القدس بتوقيت النساء


لماذا اخترتِ الرباط عند باب الأسباط تحديدًا؟ تقول: "هو الباب الأكثر سِعة للمرابطات المبعدات، يحتوينا جميعًا، ونأخذ راحتنا في الصلاة ونقوم بفعاليات ونقلب المقلوبة على أعتابه". أما عن أشد المواقف  التي حدثت معها في فترة الإبعاد، تقول: "حين هاجمتني الشرطة الإسرائيلية وحاولت دفعي إلى الأرض لكنهم لم يفلحوا بذلك، فقاموا بدفعي حتى وصلت إلى القشلة وهي "مكان الاعتقال والتحقيق عند باب الخليل يستخدمه الاحتلال كمركز شرطة في القدس"، وأزال الجندي غطاء وجهي، آلمني هذا جدًا".

حين ينتهي أمر الإبعاد وتعودين للرباط في المسجد الأقصى، كيف يكون شعورك حينها؟ تجيب ضيفتنا : "كمن يُخلق على الحياة من جديد، وكأنني سألتقي حبيبًا وأحتضنه، فرحة عارمة ينغصها تراود تساؤلات  هل يا تُرى سيتم إبعادي مجددًا؟، ولكن مع كل إبعاد أزداد تمسكًا بالأقصى والرباط فيه، لما له من تأثير مهم  على الاحتلال".

 منتهى أمارة وصديقاتها المرابطات

1-21.jpg
المرابطة منتهى أمارة مع صديقاتها المرابطات في القدس

ماذا عن علاقتك بالمرابطات المقدسيات؟ تُجيب: "علاقة أخوية نسند بعضنا بعضًا، ونستمد القوة من وجودنا معًا، نكون كالجسد الواحد في وجه الاحتلال، يجمعنا حب الله والدين وحب الأقصى ورغبة الرباط فيه".

كان لمنتهى دور بارز في هبة باب الأسباط عام 2017، تقول: "كنا نرابط خارج أبواب المسجد الأقصى، لأننا ممنوعون من دخوله وتحديدًا عند باب الأسباط، وعندما أرادوا وضع البوابات الإلكترونية هبّ جميع المرابطين والمقدسيين رافضين ذلك، واجتمعنا بالآلاف في الشوارع وصلينا حتى هزمنا الجيش الذي لا يقهر، فكان لرباطنا قوة وتأثير كبيرلكسر أنف الاحتلال".

كما وشاركت في هبة باب الرحمة عام 2019 عندما هب الناس لفتح المصلى الذي كان مغلقًا منذ 16 عامًا، وفي تلك الأثناء كانت منتهى تلازم اعتكافها، وتحضر الإفطار وتقرأ القرآن وتنقل الصورة والأحداث من اقتحامات واعتداءات داخل الأقصى وخارجه للعالم الخارجي، حتى وصفها أحد الضباط الإسرائيليين بقوله: "أنت كشعلة نار إذا لم نمنعها سوف تُشعل المنطقة بأكملها".


اقرأ أيضًا: المرابطة زينة عمرو: عن الحياة في كنف المسجد الأقصى


تختم المرابطة منتهى أمارة قصتها برسالة للمرأة المسلمة فتقول: "إن لك في حماية العقيدة والدين والمقدسات كما الرجل، فلتكن نسيبة أم عمارة قدوتك، فلو كانت النساء مكانها البيوت فقط، لأنكر رسول الله للصحابية نسيبة فعلتها، والتي كانت في موقف يقفه الرجال حينما دافعت عن الرسول في معركة أحد، فجهاد المرأة ورباطها في المسجد الأقصى، كالرجل تمامًا وخاصة في زمننا هذا".