بنفسج

تهاني العويوي : الأسر ليس غصة قابلة للاعتياد

السبت 25 فبراير

يقع الاستقرار والشعور بالأمان على رأس قائمة الأسباب التي قد تدفع أحدهم للزواج، فالرجل يريد أن يكوّن أسرة إلى جانب زوجة مخلصة تزين حياته وتضيف عليها الاستقرار والحب والاهتمام، والزوجة تريد أن ترتبط بشريك العمر الذي تكتمل معه معاني المودة والرحمة، ويصبحان مثالًا للحب والأمان والاستقرار، ويقضيان معًا سنين العمر في بيتهم الدافئ دون أن يشوبه تهديد أو خوف.

من بين هذه البيوت يختار الله من  يمحصهم من عباده ليرفعهم درجات في الدنيا والأخرة، فرغم الرحمة والمودة الكبيرة التي قد تجمع زوجين يكتب على بعض البيوت أن تعيش حالة من عدم الاستقرار وزعزعة الأمان، وسلب طعم الراحة والاطمئنان منها قسرًا لا طوعًا على يد احتلال بغيض ظنًا منه أنه يحطم بيتًا، ويدمر علاقة وثقها الله بميثاق غليظ، لتكون بالمقابل ندًا له مهما أنكر، فبفعله هذا يزداد الحب وتشتد أوصال هذه العلاقة، وتصبح نموذجًا يسطر أسمى صور التضحية والوفاء.

اعتقالات متكررة

تروي قصتنا اليوم السيدة تهاني العويوي 42 عامًا، وهي متزوجة من الأسير الإداري رأفت ناصيف منذ 14 عامًا، ولديها منه 3 أطفال، وخلف كل رقم حكاية. 
 
تهاني ابنة مدينة طولكرم هي ذاتها مدينة رأفت ناصيف الذي بدأ طريقه في المقاومة منذ مطلع التسعينيات، أي قبل ارتباطه بتهاني بسنوات، وعندما قرر الارتباط بها عام ٢٠٠٩ كانت تهاني على دراية تامة بالشخص الذي سترتبط به وارتبطت به عن سابق اصرار. 

هذه قصة ليست جديدة، فمعظم البيوت في فلسطين لربما تجرعت من هذا الكأس وذاقت مرار البعد والحرمان، إما باستشهاد أو أسر رب الأسرة، ولكن مهما تكررت، لن تصبح هذه القصص أرقامًا، بل إن كل قصة يتوجب روايتها بتفاصيلها، خصوصًا تلك التي ما زالت مستمرة.

تروي قصتنا اليوم السيدة تهاني العويوي 42 عامًا، وهي متزوجة من الأسير الإداري رأفت ناصيف منذ 14 عامًا، ولديها منه 3 أطفال، وخلف كل رقم حكاية تحكيها السيدة تهاني لبنفسج في حوار خاص.

تهاني ابنة مدينة طولكرم التي أنهت دراستها من جامعة خضوري التقنية، تخصص أتمتة مكاتب سكرتارية، هي ذاتها مدينة رأفت ناصيف الذي بدأ طريقه في المقاومة منذ مطلع التسعينيات، أي قبل ارتباطه بتهاني بسنوات، وعندما قرر الارتباط بها عام ٢٠٠٩ كانت تهاني على دراية تامة بالشخص الذي سترتبط به وارتبطت به عن سابق إصرار، فتقول: "منذ اللحظة الأولى التي تقدم لي رأفت للزواج كنت أعلم خلفيته الجهادية، وأعلم أن طريقه لن تنتهي مع ارتباطه بي، بل ستستمر، وأنا فخورة بارتباطي بهذا الشخص، ومنذ 14 عامًا وحتى اليوم وللمستقبل سأظل الشريكة الوفية لرأفت وسنده ما دام فيِّ روح".


اقرأ أيضًا: نورا ومحمد.. 48 مؤبدًا بميثاقِ حُبٍّ وانتظار


سألنا تهاني عن الفترة التي مكثتها مع زوجها في ظل اعتقالاته المتكررة، فأجابت: "تزوجنا منذ 14عامًا، ولكن مجموع ما عشته مع زوجي تحت سقف واحد كان عامًا واحدًا فقط". كل شيء سكت في تلك اللحظة إلا صوت الساعة الذي بات أوضح، أربعة عشر عامًا استطاعت تهاني أن تهنأ بصحبة زوجها فيها  عامًا واحدًا فقط، ولم يكن عامًا متواصلًا، بل ما مجموعه عام ، تخلله اعتقالات كثيرة وزيارات وبعد واشتياق، وما زال الوقت يمضي والأسير رأفت تحت سندان الاعتقال الإداري.

 

في العرف الفلسطيني يُقال، تظل العروس عروسًا حتى تنجب طفلها الأول، سواء أنجبته في أول عام أو ما بعده، ولكن الحال مع تهاني كان مختلفًا، فلم يكن الطفل الأول هو من سلبها لقب عروس، بل احتلال غاشم نغص عليها فرحتها التي لم تدم طويلًا، حيث تخبرنا أم صهيب عن الاعتقال الأول: فلم أهنأ بفرحي، كنت في سعادة غامرة واستقرار في كنف أبو صهيب، ولم أتخيل أن تسلب مني فرحتي بهذه السرعة ليستمر غيابه عني 4 سنوات قضاها في الاعتقال الإداري".


اقرأ أيضًا: ذاكرة مؤجلة ولمسة أصبع: برواية أم أحمد مناصرة


كانت هذه البداية التي لم تنته حتى الآن، فمنذ لحظة الارتباط حتى اليوم يعتقل أبو صهيب بشكل متكرر والحكم عليه لسنوات بالاعتقال الإداري، ثم يفرج عنه لشهرين أو ثلاثة، وهكذا دواليك.

وعن الاعتقال الإداري تضيف أم صهيب: "هذا الاعتقال الأبشع والأصعب في تاريخ الحركة الأسيرة، حيث يعيش الأسير وأسرته في حالة أمل شديد يهدمه الاحتلال في لحظة الإفراج الأخيرة، مُجددًا له الاعتقال، محاولًا أن يقتل في نفسه الأمل الذي لا يملك الأسير سواه ليحتمل مرار السجن".

زوجة أسير: أم وأب في آن واحد

2-47.jpg
الأسير رأفت ناصيف وأطفاله

أنجبت تهاني 3 أطفال: جنى وعمرها 9 سنوات، يليها صهيب 5 سنوات، يليه الطفل الثالث يزن وعمره سنتان، تقول تهاني: "أنجبت جميع أبنائي ووالدهم في الأسر، وحتى اليوم لم تسمح لهم الفرصة أن يتعرفوا على والدهم كما يجب، فابنتي جنى أنجبتها ووالدها في الأسر، وعندما خرج كان عمرها سنتين، وكذلك صهيب لما خرج أبوه من سجن كان عمره 4 شهور، أما يزن، فحمله والده للمرة الأولى وهو بعمر 11 شهرًا وحاليًا عمره سنتان".

قضى كل طفل مع والده بضعة شهور لا تغني ولا تسمن من حب وحنان الأب، في المقابل تحاول تهاني أن تسد حاجتهم لوالدهم وتجعله حاضرًا رغم غيابه فتقول: "دائمًا أخبر أبنائي أن أباهم صاحب حق، ويقف في وجه ظلم اليهود، لذلك يتعرض للإعتقال وسيظل كذلك ما دام يواجه الباطل".

2-1.jpg

 

وتضيف: "للأسف أصبح الأسر في حياتنا وما يتبعه من اجراءات أمرًا روتينيًا، وكلما شعر أبنائي  بالشوق لوالدهم ، أخبرهم أنه سيتصل بهم وسوف نزوره، ويحاولون الاجتهاد دومًا في مدرستهم حتى يلتقطوا الصور له ويخبرونه عن نجاحاتهم عند زيارتهم له ،فأنا لهم الأم والأب، وأحاول دومًا أن أسد حاجاتهم النفسية والمادية، لتعويض النقص الذي أحدثته السجون في حياتنا".

كحال الكثيرات من زوجات الأسرى اللواتي يتعرض أزواجهن للاعتقال بشكل متكرر، يحاول بعض الناس، بحسن نية، أن يقدموا المواساة والدعم النفسي ضمن عبارة "خلص ما إنتوا تعودتوا"، تستنكر تهاني هذه العبارة وتقول: " إللي إيده في الميه مش زي إللي إيدو في النار، وإللي بعد العصي مش زي إللي يأكلها" ،  " الناس بتعد شهور علينا، بس أنا وأطفالي بنعد كل لحظه بشوق وحسرة وألم على غياب زوجي، وما في إنسان بتعود على الأسى والشقاء".


اقرأ أيضًا: أم الأسرى سناء سرحان: حكايا غائرة خلف نفق الحرية


وتضيف: "ما بشعر فينا إلا المجرب نفس تجربتنا نحن زوجات الأسرى وأبناؤهم، أما الناس ففوق عدم الإكتراث يغبطنا البعض على ما نحن فيه، فترى بعضهم يقول: "ما أنتو بتقبضوا مصاري" كناية عن معاش الأسرى الذي تمنحه الحكومة لذوي الأسرى، يا ويحهم أيحسد الشقي على شقائه لأجل بضع قروش، نحن بعنا الدنيا وما فيها لأجل الله لا لأجل قرش واحد، ولو كان بالإمكان أن نقدم كل ما نملك حتى نعيش لحظة استقرار لقدمنا".

أخيرًا تذكر لنا السيدة أم صهيب أن أكبر الداعمين لها، هي أسرتها التي تحتضنها هي وأبناءها طيلة فترة اعتقال زوجها، وتقول: أهلي ومعية الله تذلل كل صعب، واسترجاع النية التي بدأت بها هذه الطريق مع رأفت تزيدني قوة لأكون له نعم الشريك وكلي فخر وصبر".