بنفسج

تماسك قليلًا! الحياة خلقت للأقوياء فقط!

السبت 18 فبراير

كم لحظة مرت عليك وشعرت بأن الدنيا سواد كبير، تراودك أفكارًا سلبية بين الحين والآخر، حروب في كل مكان، أوبئة تجتاح العالم، فتن تظهر من هنا وهناك، نعم تشعر أحيانًا بأن الحياة صعبة فتنظر إلى السماء قليلا فتناجي الله بدمعة في عينيك وتقول لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، فلقد ظلمت نفسك حين حملتها فوق طاقتها حين تفكر بكل مشاكل العالم وتشعر بالذنب بأنك غير قادرًا على التغيير.

 وتنسى بأن هناك رب كبير من فوق سبع سماوات قادر على أن يقول كن فيكون، فيبعث الله آية من آياته على عباده المستضعفين، لتهتز الأرض بزلزال لم تشهد عليه تركيا منذ ألف عام، يا الله! كيف أصدق أنني نجوت من هذا الزلزال الذي ربما كان سيكون تحت الأرض التي أعيش عليها الآن، كيف أصدق أنني أشهد على لحظات من الزمن لم نشهد عليها منذ ألف عام، إنها لحظات مرعبة، بل مدمرة.

 لقد رأينا بأم أعيننا كيف أخرجت الأرض أثقالها من وراء شاشات التلفاز، فقلنا ما لها، فقالوا إن الأرض اليوم باتت تحدث أخبارها، لقد صُعقنا من مشاهد الناس وهم يصدرون أشتاتًا وكل يهرع لإنقاذ نفسه فالروح تبقى غالية، ولقد ذُهلتْ كل مرضعة عما أرضعت، كيف لا وحين شاهدنا كيف أنجبت امرأة تحت الزلزال فأنقذوا الجنين وماتت الأم.

 ولايات كاملة دمرت ومحيت من خارطة العالم، بيوت مدمرة، ألعاب فوق الأنقاض تركت أصحابها من الأطفال تحتها مستسلمة لقضاء الله، أب قضى حتفه تحت الأنقاض بينما يحتضن طفله ليحميه فيبقى الطفل حيا يرزق ليودع أباه إلى الأبد، طفلة يناديها المنقذ فيقول لها هل من أحد حولك؟ لترد فتقول: نعم أمي وأختي لكنهم ماتوا، مشاهد لن تنساها ذاكرتنا، رغم صعوبة الحدث إلا أننا أيضًا رأينا لطفًا عظيمًا من الله في هذا الزلزال.

رأينا لطف الله حين تم إنقاذ شخص بعد أربع وعشرين ساعة تحت الأنقاض وحين خرج أقسمَ بالله بأنه شعر وكأنه لبث ساعة واحدة فقط، وتلك الطفلة التي بقيت إلى ما يقارب الثلاثة أيام تحت الأنقاض وحين خرجت قالت لقد كان هنالك شخص في الداخل كان يطعمني طيلة الأيام.


اقرأ أيضًا: تحت الأنقاض وخلف الركام: نفوس هشمها الزلزال


وأما عن هذا الشاب الذي تم إنقاذه بعد أسبوع كامل، حين رأته طواقم الإنقاذ بدأ يقرأ من القرآن آية " هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئًا مذكورًا" فأنا عن شخصي عندما رأيت هذا المشهد وسمعت ما يتلو وكأنني أسمع تلك الآية لأول مرة، هو مشهد من 5 دقائق فقط لكنه أنزل على قلبي سكينة وطمأنينة لن تفعله 3 ساعات كاملة من محاضرة إيمانية.

وأما عن معادن الناس فقد ظهرت بشكل عظيم، حين أنقذوا رجلا كبير السن من تحت الأنقاض وهو يحتضن مصحفه، وتلك المرأة التي رفضت الخروج حتى يعطوها حجابًا تستر به رأسها، وتلك الطفلة التي تم إنقاذها بعد يومين خرجت تبكي وتقول: يا الله يومين كاملين ما صليت! أي تفكير هذا طوبى لأهلك أيتها الفتاة الكريمة!

لم أعش الصدمة هنا حيث لا وقت لها، إننا نعمل ليلًا ونهارًا حتى نساعد الناس الذين نجوا من الزلزال حيث نعمل على تأمين الطعام والشراب والتدفئة في هذا البرد القارس، وذكرت مثالًا قاسيًا كيف استقبلوا في هذا المركز طفلًا يبلغ من العمر سبع سنين فقد كل عائلته فوضعوه مع عائلة أخرى مؤقتًا، وقالت يجب علينا التفكير جميعا ماذا بعد أن يصحو هؤلاء الأطفال من هذه الصدمة، يجب أن نجد حلًا! ما هو مستقبلهم!

وأما عن نفسي كمشاهد من بعيد لم أكن قادرة على التعبير بكل ما يجول في نفسي إلا بعد وقت طويل من وقوع الزلزال، لقد عشنا صدمة كبيرة، لكن وكما قالت طالبة الطب والناشطة تسنيم حسون والتي تقبع الآن في إحدى مراكز الإيواء في ولاية هاتاي حين استضفناها عبر بث مباشر في اجتماع خلية الأزمة لمؤسستنا حتى نقدم مساعدات طارئة لما يحدث.

 قالت:  لم أعش الصدمة هنا حيث لا وقت لها، إننا نعمل ليلًا ونهارًا حتى نساعد الناس الذين نجوا من الزلزال حيث نعمل على تأمين الطعام والشراب والتدفئة في هذا البرد القارس، وذكرت مثالًا قاسيًا كيف استقبلوا في هذا المركز طفلًا يبلغ من العمر سبع سنين فقد كل عائلته فوضعوه مع عائلة أخرى مؤقتًا، وقالت يجب علينا التفكير جميعا ماذا بعد أن يصحو هؤلاء الأطفال من هذه الصدمة، يجب أن نجد حلًا! ما هو مستقبلهم!


اقرأ أيضًا: عملية تهريب نفسية... فمن يكون المهرب؟


لقد جاء هذا الزلزال ليزلزل معه أنفسنا من الداخل، ليعيد تركيب وترتيب أولوياتنا من جديد، وإنه من الواجب علينا اليوم بذل النفس والمال والوقت والجهد تجاه الله عزوجل، من باب شكر نعمته أولا وتلبية نداء الإنسانية ثانيًا، وهذا ما رأيناه فعلا من المؤسسات والأفراد حيث سارع كل منهم لتقديم العون كل ما استطاع إليه سبيلًا.

 نحن اليوم بحاجة إلى عمل تطوعي منظم وجهود متكاثفة وتعاون بين المؤسسات بشكل أكبر من السابق، اليوم نحن بحاجة إلى أمة واحدة حتى نكمل هذه الحياة كما يحب الله ويرضى، الاستجابة الطارئة للزلزال مهمة جدًا، ولكن أيضًا يجب أن تكون هناك مرحلة ثانية وهي الاستجابة التخصصية، نحتاج اليوم إلى مختصي الدعم النفسي، وإلى مهندسي العمارة، وإلى الاختصاص الطبي، نحتاج إلى مشاريع تسلط الضوء على الأطفال والأسر.

 نحتاج لحملات خيرية مميزة تخدم فعلا احتياج المتضررين من الزلزال، وذلك كله أيضًا يحتاج لأدوات تقنية عالية وإدارة احترافية تسهل تطبيق الأفكار السابقة بأكملها. لكن تأكد أن هذا العمل كله لن يكون له قائمة إلا بيقين كبير وصبر عظيم وتضحية جميلة لا مقطوعة ولا ممنوعة، وبتغيير ثقافة الأسرة عن فكرة التطوع والعمل، وأنها أولوية وليس حسب زيادة وقتك، نحتاج لمسؤولية مجتمعية كبيرة من الشركات حول العالم ومن رواد الأعمال. 

نحتاج اليوم  لتقوى سيدنا علي بن أبي طالب حين قال: (التقوى هي الخوف من الجليل والعمل بالتنزيل والرضا بالقليل والاستعداد ليوم الرحيل)، نعم نحن اليوم بحاجة إلى أن نرضى بقليل من الرفاهية في سبيل سد احتياج الآخرين، فبعد فترة الثورات العربية كان الإنسان يستحي من نشر صورة مائدة طعامه حتى لا يجرح إنسانًا جائعًا يتابعه.

 اليوم نستحي من نشر صورة تدل على الرخاء في ظل كارثة منكوبي الزلزال، هؤلاء من حرموا طعم الاستقرار. فيا أيها الإنسان مرحبا بك في مرحلة جديدة من الحياة، مرحلة المشمرين عن أيديهم والشادين لمئزرهم ذو القلوب القوية بالله، فحي على الفلاح، حي على الجهاد.


اقرأ أيضًا: العلاج النفسي لأطفال ما بعد الصدمة


 وأما عن نفسك يا من تقرأ هذه الكلمات وأنت خائفًا تترقب زلزالًا قادمًا أقول لك كما قال الله:" قال لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى"، فالله يسمع ما يجول في خاطرك وهو أرحم بالإنسان من رحمة الأم على طفلها، فلا تجعل همك الأكبر بالتفكير في كيفيات وحيثيات الزلزال.

 لا بد للإنسان أن يكون حذرًا بأن يتبع تعليمات إدارة الكوارث والطوارئ، ولكن قدر الله مكتوب لك مذ كنت جنينا في بطن أمك، لا تهلك نفسك في التفكير في قدرك، كما حدث مع ذلك الشخص الذي ظل خائفًا من إعصار قادم على مدينته فخرج يومًا ما من منزله فدهسته سيارة مسرعة.

إنني ذكرت هذه القصة حتى توقن بأننا نفر من قدر الله إلى قدر الله، نحن في عالم يكثر بسهام الفتن والمعاصي والكوارث، فكن بجوار الرامي تسلم وراقب تحركاتك وأعمالك واجعلها لله وحده، فعلى ما تعيش عليه اليوم، سيتوفاك الله غدا!