بنفسج

كيف تؤثر الزلازل علينا نفسيًا وطرق التعافي منها؟

الثلاثاء 21 فبراير

تخيل أن تبات آمنًا في بيتك لتصبح فتجد نفسك تحت أنقاضه، بين الجثث، أو في العراء لا مأوى لك، يحيط بك ظلمات ثلاث: الجوع، والبرد، والتشريد، هذا ما فعله الزلزال المدمر  للناس في تركيا وسوريا.

صدمة كبيرة بالطبع، أحلامك،و خططك.. أموالك، وأهم أوراقك، وبيتك الذي كلفك سنوات من عمرك  لتجمع ثمنه، كل شيء تدمر في غمضة عين! الأكثر وألهم  من كل ذلك  أحبتك، فقد قريب أو عزيز عليك، الانتظار ربما حتى يخرج من تحت الأنقاض بعد ثوان، ساعات، أو أيام وربما لن يخرج مرة أخرى!

انتظار المجهول مؤلم، خاصة وأنك تنتظر في العراء، يهاجمك البرد القارس، ربما لم يأت المدد أو هيئة الإنقاذ بعد، الأرض من تحت غاضبة لم تهدأ بعد، والعاصفة الثلجية تعصف بك، وعقلك لا يتوقف عن التفكير في كل ما حدث ولا يستطيع ترجمة ما يحدث، فهل تتخيل معي حجم الصدمة النفسية التي يعاني منها الناس هنا في الزلزال المدمر في تركيا وشمال سوريا! وهل يمكن للناجين من الزلزال أن ينجون من تبعاته النفسية ويمارسون حياتهم الطبيعية مرة أخرى؟

أنواع الناس عند الزلازل

الزلزل.jpg
عند الزلازل يدخل من تعرض للكارثة في مرحلة الصدمة ثم مرحلة الإنكار ثم يفقدون الشقف لفترة حتى يتعافون

دعونا نعرف معًا ما هي أهم الاضطرابات النفسية التي قد يعاني منها الناس إثر المرور بحدث صادم كالزلازل وكيف يمكن التغلب عليها والتعافي منها.

متعرض للكارثة، ومشاهد لها.. تعرف إلى أنواع الناس عند الزلازل:

ينقسم الناس إلى نوعين، الأول هو الذي تعرض للكارثة، والثاني هو الذي يشاهد مَن حدثت لهم الكارثة. يدخل النوع الأول من الناس في مرحلة الصدمة مباشرة ، ثم مرحلة الإنكار، يلوم ويعاتب.. ويسأل نفسه: لماذا حدث له كل ذلك؟ ويحاول التحدث مع الله لفهم ما حدث له؛ ثم يدخل في مرحلة الاكتئاب، ويشعر بالضيق والقلق والتوتر، وأنه لم يعد هناك مستقبل، وبالتالي يفقد الشغف ويتمنى الموت؛ خاصة الذين فقدوا منازلهم أو أشخاصًا عزيزين عليهم ، وبعد التعافي من الاكتئاب تأتى مرحلة التقبل، ويبدأ الشخص بتقبل ظروفه، ويحاول أن يواصل حياته مرة أخرى.

أما الذين شاهدوا الزلزال ولم يتعرضوا لخسارة أو كارثة، فتكون المراحل التي يمرون بها أقل حدة من النوع الأول المعاصر للحدث، ويتعرضون لاضطراب ما بعد الصدمة، كأنهم يعيشون ذلك الموقف مرة ثانية وثالثة، ويشعرون بالتوتر والقلق، وأحيانًا يحتاجون علاجًا دوائيًّا أو سلوكيًّا لتخطى تلك المرحلة، وذلك وفق ما ذكره الدكتور محمد الحديدي- أستاذ الطب النفسي وعلاج الإدمان.

الاضطرابات النفسية بعد الزلازل

لا بد أن نفرق بين الصدمة التي يمر بها الفرد أثناء الحدث ويمتد أثرها لما بعده، فهذا أمر طبيعي ويمر مع الوقت و الاهتمام بالصحة النفسية والتعامل مع الأفكار السلبية وامتلاك أساليب المواجهة. لكن إن استمرت تلك الأعراض لمدة ستة أشهر على الأقل وصاحبتها ردود أفعال جسدية كالشعور بالخطر بشكل دائم وصعوبة النوم والهلع والخوف وأعاقت حياته اليومية، فهنا يجب استشارة طبيب مختص لأن الفرد قد يعاني من اضطراب ما بعد الصدمة وقد يصاحبه اضطرابات أخرى كالقلق والاكتئاب، أو اضطرابات الأكل والنوم.

ما هي أهم الاضطرابات التي قد يعاني منها الناس عند الزلازل؟ وكيفية التعافي منها؟

تعد الزلازل من أحداث الحياة الكبرى الشاقة والتي يتولد عنها أشد أنواع الضغوط النفسية تأثيرا على حياة الفرد وقد يتعدى تأثيرها لتصبح ضمن نطاق الشدائد المزمنة والتي يمتد أثرها لما بعد الحدث، فتتحول لشيء ثالث يسمى منغصات الحياة اليومية والتي يظل المرء يعاني منها ويحاول التغلب عليها لاستعادة توازنه النفسي.

ولا بد أن نفرق بين الصدمة التي يمر بها الفرد أثناء الحدث ويمتد أثرها لما بعده، فهذا أمر طبيعي ويمر مع الوقت و الاهتمام بالصحة النفسية والتعامل مع الأفكار السلبية وامتلاك أساليب المواجهة. لكن إن استمرت تلك الأعراض لمدة ستة أشهر على الأقل وصاحبتها ردود أفعال جسدية كالشعور بالخطر بشكل دائم وصعوبة النوم والهلع والخوف وأعاقت حياته اليومية، فهنا يجب استشارة طبيب مختص لأن الفرد قد يعاني من اضطراب ما بعد الصدمة وقد يصاحبه اضطرابات أخرى كالقلق والاكتئاب، أو اضطرابات الأكل والنوم.

عند المرور بحدث صادم كالزلزال، فإن أثره لا ينتهي بانتهاء الحدث، بل قد يمتد أثره النفسي هذا لما بعد الحدث لتصل لاحتمالية الإصابة بكرب ما بعد الصدمة (PTSD) والذي قد تظهر أعراضه بعد شهر من حدوث الكارثة أو حتى سنوات، والإصابة به قد ترفع خطر الاضطرابات والمشكلات النفسية الأخرى مثل القلق والاكتئاب.

| اضطراب ما بعد الصدمة: عند المرور بحدث صادم كالزلزال، فإن أثره لا ينتهي بانتهاء الحدث، بل قد يمتد أثره النفسي هذا لما بعد الحدث لتصل لاحتمالية الإصابة بكرب ما بعد الصدمة (PTSD) والذي قد تظهر أعراضه بعد شهر من حدوث الكارثة أو حتى سنوات، والإصابة به قد ترفع خطر الاضطرابات والمشكلات النفسية الأخرى مثل القلق والاكتئاب، واضطرابات الأكل، والسلوكيات الانتحارية إضافة إلى الشعور بالصداع ، وجفاف الحلق، والاختناق،و اللعثمة، وتهيج القولون، واضطرابات النوم، والتعرق الشديد، وقد يصل إلى التبول اللاإرادي عند مجرد الحديث عن الأمر.

هذا وترجع أسباب الإصابة به إلى: عوامل وراثية تتمثل في وجود تاريخ عائلي مرضي، مما يزيد فرص اصابة الشخص بهذا الاضطراب عند المرور بحدث صادم كالزلزال.  وعوامل بيولوجية متمثلة في انتظام افراز الدماغ والجسم للمواد الكيميائية والهرمونات عند استجابته للحدث الصادم أو الكارثي ، فقد يحدث خلل يؤدي لعدم الاستجابة المناسبة للحدث الصادم .

اقرأ أيضًا: تحت الأنقاض وخلف الركام: نفوس هشمها الزلزال


 اضافة لقوة الحدث وشدة الكارثة وتوابعها على نفسية الفرد، فالشخص الذي فقد بيته وأسرته تحت الأنقاض أكثر عرضة للإصابة به من شخص لم يحدث له ضرر أو حدث له ضرر طفيف، وبالتالي يجب مراقبة مشاعرنا وأفكارنا وسلوكياتنا عقب الحدث، وطلب الدعم من المختصين إذا استمر الأمر مدة طويلة وأثر على حياتنا اليومية، فبالعلاج والدعم النفسي والاجتماعي المتخصص يمكن تخطي الأمر وتخفيف مدى وطأته والتقليل من خطورة تأثيراته مستقبليًا.

الزلازال.webp
يعاني الناجون من الزلزال من اليقظة المفرطة وغالبًا ما ينتهي لوحده بعد فترة من الحدث

| متلازمة دوار ما بعد الزلزال: حين يتعرض الشخص لزلزال شديد مدمر كالذي حدث في تركيا وسوريا، قد يصاب الفرد بعدها بالدوران، حيث يشعر الفرد أنه يتأرجح أو الأرض تدور به، كما يصاحبه طنين بالأذن، والشعور بالخوف، والقلق، والغثيان، والتقيؤ، ومشاكل بالنوم، ومشاكل بالمسالك البولية وكذلك الرؤية. ويمكن تخفيف حدة المشكلة من خلال محاولة فهم ما حدث لتخطيه، تناول بعض الأدوية المضادة للدوران والقلق والاكتئاب وذلك تحت اشراف طبي متخصص.

| رهاب الزلزال: قد يعاني منه الأشخاص الذين تعرضوا للزلزال أو الذين لم يتعرضوا له بشكل مباشر من خلال التعرض المكثف للصور والمشاهد المتداولة عبر التلفاز أو الإنترنت، ويعاني المصابين به من رؤية كوابيس وأحلام مزعجة،بالاضافة إلى الانشغال العقلي الدائم بالحدث، وقد يصل الأمر إلى العزلة الاجتماعية وصعوبة في التواصل مع الآخرين، والوسواس القهري وتخيل اهتزازات وزلازل تحدث، إضافة إلى الخوف من فقد عزيز أو قريب والخوف من الموت بشكل عام.

وإذا استمرت هذه الأعراض إلى عدة أسابيع فهذا يعني أن الشخص يعاني من رهاب الزلزال ويجب تلقي دعم متخصص، ويمكن علاج رهاب الزلزال بالعلاج الدوائي والنفسي معًا.


اقرأ أيضًا: تماسك قليلًا! الحياة خلقت للأقوياء فقط!


| القلق والاكتئاب: وقد يأتي ملازمًا لاضطرابات أخرى أو منفصلًا عنها، ومن أهم أعراضه التعب، عدم القدرة على التركيز، والعصبية، وقلة النوم، وفقدان الشغف وعدم الرغبة في القيام بالأنشطة اليومية ، و قد تظهر تلك الأعراض بشكل متواتر، لكن إن استمرت لفترة طويلة مع الفرد فيجب طلب المساعدة من الأخصائي أو الطبيب النفسي.

| اليقظة المفرطة: يعاني الناجون من الزلزال من اليقظة المفرطة، حيث الصراخ والخوف إذا لمسك شخصا ما دون أن تنتبه له مسبقًا، والهرب بحثًا عن مكان آمن وغطاء مناسب عند سماع ضوضاء ولو بسيطة، مما يجعل الجسد في حالة تأهب قصوى ومستمرة خشية وقوع زلزال جديد في أي لحظة، واستمرار الشعور بالقلق والخوف والتوتر، وغالبًا ما يختفي من تلقاء نفسه بعد فترة من الحدث، لكنه قد يكون سمة لاضطراب آخر أكثر خطورة إذا استمر لفترة طويلة وهو اضطراب ما بعد الصدمة.

| الحاجز العقلي: غالبًا ما يقوم الناجون من الزلزال باجترار الحدث مرارًا وتكرارًا، لذلك يجب تشجيعهم على العودة للروتين اليومي من جديد، ومساعدتهم على الشعور بالحياة الطبيعية والأمان في بيئتهم الجديدة مرة أخرى.

بعد النجاة جسديًا.. كيف نتعافى نفسيا من الزلزال؟

 معظم الأشخاص يتعافون من أثر الصدمة بمرور الوقت إلى جانب دعم الأهل والأصدقاء والمنظمات المدنية والصحية، لكن يعتمد طول أو قصر فترة التعافي على مدى الضرر والخسارة ومدى شعور الفرد بالخوف من الواقعة، ومدى تأثير تلك الصدمة النفسية عليه، وذلك يختلف من فرد لآخر، لذلك يجب السماح للفرد أن يشعر بالحزن وأن يأخذ الوقت الكافي والمناسب للتعافي.
 
تلقي الدعم النفسي وإعادة التأهيل من جديد، حيث تعد مساعدة الناجين من الزلزال على كيفية التعامل مع الآثار اللاحقة للزلزال أمر بالغ الأهمية، ولا توجد وصفة سحرية لمساعدته، حيث يتفاعل كل فرد مع الموقف الصدام بطريقته الخاصة.

| الوقت هو أعظم علاج: معظم الأشخاص يتعافون من أثر الصدمة بمرور الوقت إلى جانب دعم الأهل والأصدقاء والمنظمات المدنية والصحية، لكن يعتمد طول أو قصر فترة التعافي على مدى الضرر والخسارة ومدى شعور الفرد بالخوف من الواقعة، ومدى تأثير تلك الصدمة النفسية عليه، وذلك يختلف من فرد لآخر، لذلك يجب السماح للفرد أن يشعر بالحزن وأن يأخذ الوقت الكافي والمناسب للتعافي.

| تلقي الدعم النفسي:  وإعادة التأهيل من جديد، حيث تعد مساعدة الناجين من الزلزال على كيفية التعامل مع الآثار اللاحقة للزلزال أمر بالغ الأهمية، ولا توجد وصفة سحرية لمساعدته، حيث يتفاعل كل فرد مع الموقف الصدام بطريقته الخاصة.

| السماح بالتعبير عن الحدث الصادم: فشعور الفرد بأنه بإمكانه التعبير عما يشعر به وما مر به بكل أمان، وبأنه متقبل من الآخرين، ويتم تفهم مشاعره ويحصل على الدعم والقبول ممن حوله، كل ذلك له بالغ الأثر في سرعة تعافيه وتجاوزه لتلك التجربة القاسية بشكل أفضل.

| العودة للروتين اليومي: فيجب مساعدة الناجين من الزلازل على سرعة العودة والانخراط في الحياة اليومية، وساعدتهم أيضاً في البحث عن عمل، والانخراط في الأعمال التطوعية،و ممارسة الرياضة، والحديث مع الأقارب وغيرها من الأنشطة المختلفة بما لا يدع مجالًا لأي فراغ يجعل العقل يجتر الحدث وذكرياته الأليمة مرة أخرى.


اقرأ أيضًا: العلاج النفسي لأطفال ما بعد الصدمة


وبالنسبة للأطفال، فيجب منعهم من مشاهدة أي مشاهد متعلقة بالزلزال، أو اجترار الحدث، والإجابة عن تساؤلاته بشكل علمي بسيط، إضافة إلى تشجيعه للانخراط في أنشطة تبقي عقله مشغولًا، كما يمكنك أن تقرأ له، وتلعب معه، وتشجعه على اللعب مع الآخرين.

ومن المهم أن تسأله عما يود فعله، وقد يكون من الجميل أن تجعله يشارك في أعمال تساعد الأطفال الآخرين المتضررين وذلك وفق عمره وقدراته، ولا تنسى بناء روتين يومي له مشابه لروتينه السابق ما قبل حدوث الزلزال، وذلك بالتوازي مع تلقيه رعاية طبية ونفسية متخصصة.