بنفسج

كيف نتهيأ لاستقبال رمضان.. وكيف نستقبله بسكينة؟

الخميس 09 مارس

في كل عام يبحث الناس عن المقالات والبرامج التي ترشده لاستقبال رمضان وكيفية اغتنامه، وغالبًا ما تكون جميع الوصايا متشابهة، تنظيرية بعيدة عن الواقع الفردي للمسلم، ولذلك قررنا في مقالنا لرمضان هذا العام أن يكون كلامنا من قلب الواقع، عمليًا، بسيطًا قابلًا للتحقيق وللقياس والمحاسبة، وأيضًا للترفيه والمكافأة. ولكي نستقبل رمضان ونشعر فيه بالسكينة، سنفهم معًا ما الأسباب التي تشتتنا وتجعلنا نشعر بالتوتر والضغط، وأن الوقت برمضان لا يكفي لصنع كل شيء، هذا العام سنعيش رمضان بسكينة وطمأنينة معًا، بشرط أن نطبق ما سنوصيكم به في مقالنا من الآن، فهيا بنا نبدأ جولة استعدادنا الرمضانية.

رمضان يقربنا.. لكن كيف؟

قف! نحتاج في يومنا عبارة كتلك التي تستخدم في قواعد المرور تخبرك أن تتوقف، وقفتنا هنا ستكون مع النفس وإعمال العقل، فقبل أن تبدأ بالاستعداد، لا بد أن تدرك خطر"الصناعات الرمضانية" التي هدفها هو تضييع فرصة اغتنامك لأهم شهر بالعام، والصناعات الرمضانية مختلفة، فكما أن هناك الحلوى والمكسرات والياميش والزينة، هناك أيضًا مسلسلات، أفلام، تحتاج أن تقول لنفسك "قف واستغنى عما لا ينفعك".

مع اقتراب شهر رمضان المبارك تطل علينا الشاشات، وتتنافس في تقديم أكبر عدد من المسلسلات الرمضانية التي لا علاقة لها برمضان سوى توقيت بثها، متخذين شعارات براقة مثل: رمضان يجمعنا، رمضان يقربنا، ولكن السؤال هنا بمن يجمعنا رمضان؟ وإلام يقربنا؟

قف! نحتاج في يومنا عبارة كتلك التي تستخدم في قواعد المرور تخبرك أن تتوقف، وقفتنا هنا ستكون مع النفس وإعمال العقل، فقبل أن تبدأ بالاستعداد، لا بد أن تدرك خطر"الصناعات الرمضانية" التي هدفها هو تضييع فرصة اغتنامك لأهم شهر بالعام، والصناعات الرمضانية مختلفة، فكما أن هناك الحلوى والمكسرات والياميش والزينة، هناك أيضًا مسلسلات، أفلام، فوايزر رمضان واحكي يا شهر زاد وضيعي الشهر على العباد!

تحتاج أن تقول لنفسك "قف واستغنى عما لا ينفعك"، من لغو بالحديث ولهو وتضييع لأعظم الأوقات، كثرة الطعام والشراب والتسوق قبل رمضان وأثناءه، قف وانتبه لعظم الأوقات التي تضيعها، وأدرك الشهر المبارك من الآن. لنتعاهد.. كما أن لكل عمل عقد شراكة واتفاق، فنحن أيضًا نودّ أن تمضي عقد شراكة وتعهد واتفاق مع رمضان لمدة ثلاثين يومًا، ستتعهد فيهم على:

| استغلال الوقت: ألا تضيع الأوقات وتنتبه لنفسك؛ فرمضان فرصة ذهبية للتعرف على نفسك وإدارتها، بل وترويضها.

| التدرج في العبادات: فمن رحمة الله بنا أنه جعل العشر الآواخر من رمضان أعظم أجرًا من العشر الأوائل كي تكون لنا فرصة للفوز بأجر أكبر، فكذلك أنت يا مسكين ستتدرج مع نفسك في أخذها وترويضها على الطاعات، ولن تشتد عليها فتمل وتنفر من السباق والطاعات تمامًا.

رمضانن.jpg

| اجتهد في ما أقامك: أمًا كنت أم بنتًا، زوجة أم أختًا، موظفة أم طالبة، وفوق كل ذلك مسلمة، ستحرصين على الاجتهاد في مقامك هذا الذي أقامك الله فيه، ولتعلمي أنك مكلفة في سياقك هذا فقط، فابتعدي عن وهم المثالية، ووهم التوازن بين الأعمال، وتكليف نفسك ما لا تستطع حمله باعتقاد واهم منك أنك تستطيعين أداءه، أنت مأمورة من الله أن تعبديه فقط على قدر طاقتك، وأنت تعلمين حدود تلك الطاقة، فأنت لست خارقة ولا يريدك الله خارقة، يريد منك الطاعة فقط حسب استطاعتك، وأن يرى منك اجتهادًا في ذلك، وأن تداومي على العمل وإن قلّ، خير عنده من الاشتداد على نفسك في أعمال كثيرة وكبيرة ثم تنقطعي عنها.

| الأجر على قدر المشقة: خيرًا تعمل أجرًا تلقى؛ فالأجر على قدر المشقة، وكل عمل تقوم به، وحتى مجرد سعيك له تنال عليه أجرًا، فيجب أن تستشعري أنك تأجرين على قدر المشقة، ويجب أن تستشعري معية الله لك، تدعيه أن يوفقك للطاعة ويزدك إقبالًا عليها، وإن فشلت لا تظني أنه غاضب عليك، فهذا يعد سوء ظن بالله، أحسني الظن به فهو الرحيم، واجعلي ذلك وفقرك لله تعالى، وأحسني اللجوء له والتوكل عليه وخاطبيه بقلب محب مقبل عليه، حينها يغمرك الرضا وتغشى السكينة قلبك.


اقرأ أيضًا: رمضان الصيام: كيف يكون هذا الزمان مبـــاركًا؟


| لا تعبد الله على حرف: بمعنى عندما أستشعر حلاوة الصلاة أصلي، وإن لم أجد من نفسي خشوعا ولذة فيها أتوقف! فهؤلاء هم من يعبدون الله على حرف، وهذا منهي عنه، نحن نعبد الله على كل حال وفي كل وقت، ومطالبون بالتركيز والحضور في العبادة، وأما الشعور بلذة العبادة وحلاوتها فهو فضل من الله ومنة علينا، إن رزقنا إياها كان بها، وإلا فنحن مستمرون في العبادة دون انقطاع ولا شرط أو قيد، فلا تربطي استمرارك في العبادة بالشعور باللذة فيها.

كيف أخصص وقتًا للعبادة؟

 
ليكن لك محرابك الخاص: أي مكان خاص للعبادة فيه، وكوني بسيطة قدر المستطاع كي تشعري بالانبساط، بمعنى ليس شرطًا تخصيص غرفة كاملة بالمنزل، وإنما يكفيك ركن بالبيت أو بغرفتك، تخصصينه للصلاة والعبادة، بحيث يكون نظيفًا دائمًا هادئًا، مريحًا، فيه سجادتك.
 
إضافة لـ مسبحتك، ملابس الصلاة، بخور أو عطر لتعطير السجادة والملابس -بالطبع إن كنت من محبي العطور- فتخصيص مكان محدد ثابت للعبادة، معد مسبقًا، وجاهز دائمًا سيشعرك بالراحة والسكينة والاطمئنان، ويسهل عليك عملية الشروع في العبادة متى ما أردت، بل ويرغبك فيها أيضًا.

أعمل كثيرًا، اليوم قصير، ولا أدري كيف أخصص وقتًا للعبادة في رمضان؟ إذا كان لدي امتحان مهم، مخصص بوقت محدد، فلا بد أن أضع له خطة، وأهيئ مكانا للمذاكرة، وحدد الأوقات المناسبة للمذاكرة فيها، وكذلك الأمر؛ فالعبادة، نحتاج لنتعامل معها بعقليات مختلفة، وهنا سأقترح عليك بعض الأفكار العملية التي ستساعدك على تخصيص وقت للعبادة في رمضان وبعده، إن شاء الله.

| أولًا: ليكن لك محرابك الخاص: أي مكان خاص للعبادة فيه، وكوني بسيطة قدر المستطاع كي تشعري بالانبساط، بمعنى ليس شرطًا تخصيص غرفة كاملة بالمنزل، وإنما يكفيك ركن بالبيت أو بغرفتك، تخصصينه للصلاة والعبادة، بحيث يكون نظيفًا دائمًا هادئًا، مريحًا، فيه سجادتك، مسبحتك، ملابس الصلاة، بخور أو عطر لتعطير السجادة والملابس -بالطبع إن كنت من محبي العطور- فتخصيص مكان محدد ثابت للعبادة، معد مسبقًا، وجاهز دائمًا سيشعرك بالراحة والسكينة والاطمئنان، ويسهل عليك عملية الشروع في العبادة متى ما أردت، بل ويرغبك فيها أيضًا.

| ثانيًا: عبادات تناسب الأوقات: فعندما تطبخين الطعام يمكنك اختيار عبادة ملائمة، كالاستماع لدرس ديني أو عالم تفضلينه، وعبادة الدعاء يمكن تخصيص وقت ما قبل الإفطار لها، القيام يمكنك أدائه بعد صلاة العشاء أو قبل الفجر، وهكذا تحددين العبادات المناسبة لوقتك ويومك.


اقرأ أيضًا: ما لا نريده في رمضان


| ثالثًا: أوقات يمكنك اغتنامها: لدينا في اليوم ساعات محددة يمكن تخصيصها للعبادة، سأذكرها لك ويمكنك اختيار المناسب لك منها، ساعة قبل الفجر أو المغرب، ساعة بعد التراويح أو بعد صلاة الفجر حتى شروق الشمس، ربع ساعة بعد الظهر أو العصر، أوقات التنقل؛ فالمواصلات يمكن استغلالها بتخصيصها لسماع درس ديني، أو تفسير بعض الآيات، أو الأحاديث، أو قراءة كتاب، أو وردك القرآني، أو حتى الاستغفار فيه والذكر بشكل عام.

كذلك لديك وقت الأعمال المنزلية، يمكنك تحويلها لعبادات إذا ما قمتي بتجديد نيتك بها، يمكنك الاستماع لبرنامج ديني أو علمي أثناء العمل، نيتك في كل عمل تقومين به يشعرك بالرضا والسكينة وأن وقتك تقضينه في عبادة وذكر حتى أثناء عمل منزلي معتاد، وستشعرين أن وقتك لم يذهب سدى، مما يقلل لديك الشعور بالتوتر والضغط، ويحل محلها السكينة والراحة القلبية والبدنية، وبالتالي سيقل صراخك على الأولاد ومن بالبيت، وسينعم الجميع بالسكينة في رمضان.

 كيف أدير وقتي في رمضان؟

رمضان.webp
أعدي قائمة بالأدعية التي ستحرصين عليها طوال الشهر ونظمي وقتك في العبادات

يوجد في يومنا الكثير من النشاطات التي يقسم الوقت بينها، لكنني سأركز هنا على أهم النشاطات التي ستعيننا على اغتنام رمضان بشكل فعّال، وهي:

| المشتتات ومضيعات الوقت: ويأتي على رأسها تطبيقات الهاتف ووسائل التواصل الاجتماعي، إضافة إلى التلفاز، والتسوق للمهووسين به، وقبل أن نقترح الحلول، فيجب أن نتحدث حول سبب تعلقنا بها، سنجد أنها صمتت بعناية فائقة لتجعلنا ندمنها، وإذا بحثتي عن السبب الذي يجعلك تتعلقين بهم، ستصدمين بأن كل الأعذار واهية للأسف، بل ستجدين أننا نلجأ لهم لشعورنا بالفراغ والملل بشكل كبير، ويمكننا الاستغناء عنهم بشكل نهائي على الأقل خلال هذا الشهر.

 وإذا لم تستطيعي فيمكنك توقيف عمل الإشعارات بها، بحيث لا تأتيك الإشعارات دون أن تدخلي بنفسك على التطبيق، وهذا يمكن ضبطه من إعدادات التطبيق، وتخصيص مكان محدد للموبيل وتركه فيه، وعدم الانشغال به طوال الوقت، كذلك يمكنك استبدال قراءة الأذكار من الهاتف بطباعتها وقراءتها من كتيب الأذكار، واستبدال قراءة القرآن من الهاتف بالمصحف.


اقرأ أيضًا: إني أتاجر في النوايا.. وربحي غزير لو تعلمون


بالنسبة للتلفاز، فيمكن الاستغناء عنه تمامًا أيضًا، أو تخصيص وقت واحد، لبرنامج واحد تتابعينه خلال رمضان، وكذلك الأطفال، يمكن السماح لهم ببرنامج واحد فقط. وأما التسوق فيمكنك شراء الضروريات قبل رمضان، كذلك ملابس العيد وغيرها، والحرص على عدم تضييع وقت رمضان في التسوق أبدًا. يجب أن تعلمي أنك صاحبة القرار والكلمة، وتتأكدي أن بإمكانك السيطرة على تلك التطبيقات والآلات ولا تسمحي لهم بالسيطرة عليك.

| لإدارة العبادات: أعدي قائمة بالأدعية التي ستحرصين عليها طوال الشهر؛ فهي تساعدك على الذكر والدعاء خاصة وقت الفتور، كذلك قائمة بالنوايا التي تريدينها في كل عمل أو عبادة، ونواياك من الشهر بشكل عام، فهي تساعدك على استذكارها بشكل سريع قبل القيام بالعمل أو العبادة، ويفضل أن تكون مكتوبة بخط واضح ومعلقة في مكان يمكنك رؤيتها وقراءتها فيه بسهولة ويسر.

كيف نتجنب الملل في العبادات؟

 

كثيرًا ما نشعر بالإقبال على العبادة في رمضان، وأن لدينا طاقة كبيرة في العبادة، فنصيحتي أن تستمري في العبادة واستغلال طاقة الإقبال عليها، ولا تستمعي للأصوات الداخلية التي تخبرك، بادخار بعض منها لوقت آخر، فلكل وقت وعبادة رزقها وبركتها.

ولتجنب الملل في العبادات، أنصحك بالتنويع فيها ما بين عبادة تحتاج لقراءة وأخرى لاستماع، واحدة تريد الحركة، وثانية يمكن أدائها دون أدنى مجهود كالذكر، ولا ننسى تخصيص مكان للعبادة كما ذكرنا سابقًا.

أحيانًا ما، نشعر بالملل أثناء القيام ببعض العبادات، مما يدفعنا لتركها والانشغال بشيء آخر، ونصيحتي لك عند الملل من عبادة ما، أن تستمري فيها حتى تنتهي من وردك، أو تستبدليها بعبادة أخرى، ولا تتركيها نهائيًا بأي حال من الأحوال.

على النقيض، كثيرًا ما نشعر بالإقبال على العبادة في رمضان، وأن لدينا طاقة كبيرة في العبادة، فنصيحتي أن تستمري في العبادة واستغلال طاقة الإقبال عليها، ولا تستمعي للأصوات الداخلية التي تخبرك، بادخار بعض منها لوقت آخر، فلكل وقت وعبادة رزقها وبركتها.

ولتجنب الملل في العبادات، أنصحك بالتنويع فيها ما بين عبادة تحتاج لقراءة وأخرى لاستماع، واحدة تريد الحركة، وثانية يمكن أدائها دون أدنى مجهود كالذكر، ولا ننسى تخصيص مكان للعبادة كما ذكرنا سابقًا.


اقرأ أيضًا: طقوس تصنع معنى: رمضاني الذي أفتقد


|المرح والترفيه: وهو مطلوب ومهم جدًا للنفس، فهي تمل كما يمل البدن، ويمكن تجديد نيتنا فيها بحيث تكون استعانة بها على الطاعة، وأن يكون ترفيهنا مباحًا يرضي الله، مثل عمل مسابقات رمضانية بين أفراد الأسرة، زيارة الأيتام واللعب معهم، وكذلك زيارة دار المسنين- خاصة وقت الحيض للنساء- فلديها متسع من الوقت، صنع الحلوى للأسرة، ويمكن مشاركة الأطفال لك في صنعها.

 الذهاب للصلاة في مسجد خلف إمام حسن الصوت، الذهاب للصلاة مع صديقة لك والسمر معها- في ما لا يغضب الله- ويمكن ممارسة هواياتك المفضلة، كالرسم والتلوين، كروشيه وغيره، أو التطوع في عمل خدمي تطوعي، مثل تعبئة شنطة رمضان، مساعدة متضرري الزلازل وغيرها.

ختامًا أحبتي، فرمضان فرصة ذهبية، والفطن من يحسن استغلالها ويستعين على ذلك بالتخطيط والإعداد الجيد؛ فالتخطيط يكسبنا وضوح حول الرؤية والهدف، والوضوح يكسبنا السكينة في رمضان، وكل عام وأنتم بخير.