حين نذهب للتقدم لعمل ما نستوثق من توافر شروطه بنا، وحين يتقدم لخطبتنا شخص ما نحاول إظهار كل الصفات الجميلة التي يرغب أهل الخاطب برؤيتها، لكن هل حرصتي على تفقد موضع نظر الله لك؟ وهل سألت نفسك يومًا ما "هل أنا امرأة صالحة تتوافر فيها الصفات التي يحبها الله ورسوله؟ وما هي تلك الصفات التي يجب أن تتسم بها المرأة الصالحة؟
رغم كل التداعيات التي تثار بحق المرأة والدعوات لتحريرها ورفع مكانتها، نرى أن الإسلام هو الدين الوحيد الذي كرم المرأة ورفع شأنها ابنة وزوجة وأمًا وأختًا، وأقرّ اشتراكها مع الرجل في أصل الخلق والمكانة الإنسانية، ولا تمييز لأحدهما على الآخر في القدر والمكانة، ولكن بلا شك هناك فروق بين المرأة الصادقة الصالحة وبين التي تدعي التقوى والصلاح، ونحن في هذا الصدد سنذكر لكم تلك الصفات التي يجب أن تتميز بها المرأة الصالحة كما وردت في القرآن الكريم.
صفات المرأة الصالحة
| تحب الله ورسوله: تأتي محبة الله ورسوله على أس الصفات التي تتوج المرأة الصالحة، ومن علامات تلك المحبة هي إقبالها على قراءة القرآن الكريم وتدبر معانيه والعمل بأوامره واجتناب نواهيه، إضافة إلى حرصها على أداء النوافل والإكثار منها، وعدم تقديمها لأي أمر على محبتها لله ورسوله، كذلك اتخاذها صحبة من الصالحات تعينها على الطاعات.
| مؤمنة، حسنة الخلق: من أهم الصفات التي تتحلى بها المرأة المسلمة هو الإيمان وحسن الخلق، فهما يأتيان لكي يكون انعكاسًا دالًا على أن جمال الظاهر يأتي من الباطن، فالمرأة الصالحة تحرص على سلامة الصدر من حمل الأذى والضغينة أو التفكير بسوء لخلق الله، وكذلك حفظ اللسان من الأذى، وحماية الجوارح من ارتكاب المعاصي التي يكرهها ونهى عنها الله، وتحقيق أركان الإيمان التي أمرها الله بها.
وتحقيق صفات القرآن التي وصفها الله بها ووعدها إذا ما اتسمت بها بالمغفرة والأجر العظيم، قال تعالى:- "إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّـهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّـهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا".
اقرأ أيضًا: أصل القوامة في الإسلام: المرأة في أيد أمينة
| معظمة لشعائر الله: يقول الله تعالى "ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ"، فالمرأة الصالحة تعلم أن أداءها لأركان الإسلام، وحفظ لسانها وقلبها، واحترامها لشعائر الله، وتقديرها وأدائها على الوجه الأكمل، دلت على تقواها وصلاح قلبها، وهي تحرص على التحلي بالتقوى من خلال تعظيم شعائر الله.
| مراقبة لله: فهي تراقب الله سبحانه وتعالى ظاهرًا وباطنًا، وتستحي من أن يطلع عليها الخالق فيراها في حال لا يرضيه، وتستحي من معصيته وتسعى لتطهير نفسها من كل رجس وتحقيقًا لقول النبي صل الله عليه وسلم: (استحيوا من الله حق الحياء. قال: قلنا: يا رسول الله، إنا نستحي والحمد لله، قال: ليس ذاك، ولكن الاستحياء من الله حق الحياء أن تحفظ الرأس وما وعى، والبطن وما حوى، ولتذكر الموت والبلى، ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا، فمن فعل ذلك استحيا من الله حق الحياء)، رواه الترمذي.
اقرأ أيضًا: مكانة المرأة المسلمة في المجتمع: في البدء كانت امرأة
| مجاهدة لنفسها: فالمرأة المسلمة في حال مجاهدة دائمة لنفسها لتغليب طاعة الله على هوى نفسها، وعدم اتباع خطوات الشيطان، وهي مدركة تمام الإدراك أن أخطر أعدائها هي النفس والدنيا والشيطان، وتعلم أن المعركة أزلية، فتقبض على دينها كالجمر، وتستعصم بحبل الله من كل كيد وفتنة، وتحتمي بالذكر والتحصين مستمسكه كذلك بكتاب الله وسنة نبيه، وملازمة صحبة الصالحين ومجالس العلم، تلك المجالس التي تحفها الملائكة وتغشها الرحمة وتتنزل فيها السكينة، فالفرد ضعيف بنفسه قوي بإخوانه، وبذلك تستطيع المجاهدة ومغالبة هواها وشيطانها وتغليب رضا الله فوق كل شيء.
| محافظة على أنوثتها: قد تستغرب بعضكن من هذه الصفة، وقد تكون هذه أول مرة تقرأ فيها مدى عناية الإسلام، بحفاظه على المرأة وتمسكها بأنوثتها، وأنها من صفات المرأة الصالحة، حيث أكد الإسلام على أن للمرأة الصالحة التزين بالذهب والحرير، وأن هذا حل لها دون الرجال، حين قال صل الله عليه وسلم: (إن هذين حرام على ذكور أمتي، حل لإناثهن). كما أن من كمال أنوثة المرأة الصالحة يكمن في عدم تشببها بالرجال سواء في الملبس والمأكل أو الحركة والسلوك، فهي تبتعد كل البعد عما حرم الله، وعما يغضب رسول الله حين قال صل الله عليه وسلم: (لعن الله النساء المتشبهات بالرجال)؛ فالإسلام ينأى بالمرأة عن مواطن الزلل، وأن تذكر سيرتها بالسوء، والمرأة الصالحة تقول سمعًا وطاعة وتمتثل لأوامر الله ورسوله وتجتنب نواهيه، لمعرفتها بأن في ذلك مصلحتها ونفعها.
| عفيفة: المرأة الصالحة هي التي تتحلى بالعفة، فتغض بصرها وتحفظ فرجها امتثالًا لقول الله تعالى: "وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ"، وذكر القرآن أيضًا امرأة هي مثال في العفة وحفظ الفرج وهي السيدة مريم، وذلك في قوله تعالى"وَمَرْيَمَ اْبْنَتَ عِمْرَآن الٌتى أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا"، والإحصان هو العفاف.
| ذات حياء: يعتبر الحياء صفة فطرية، وتزداد تلك الصفة مع كل امرأة تربت في وسط أخلاقي يحرص على التحلي بالفضيلة، وضرب لنا القرآن مثالًا للمرأة الصالحة التي تتحلى بالحياء في قصة بنات نبي الله شعيب مع سيدنا موسى عليه السلام، قال تعالى: "وَلَمٌا وَرَدَ مَآءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمٌةٍ مٌنَ اْلٌنٌاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مَن دُونِهِمُ امْرَأتَيِنِ تَذُودَانِ قَالَ مّا خَطْبُكُمَا قَالَتا لاَنَسْقي حَتٌى يُصْدِرَالرٌعَآءُ وَبُونَا شِيخُ كَبِيرُ (23) فَسَقَى لَهُمَا ثُمٌ تَوَلٌى إلى الِظٌلِ فَقَالَ رَبٌ إِنٌيِ لِمَآ أَنزَلْتَ إِلَيٌ مِنْ خَيرٍ فَقِيِر (24) فَجَآءتْهُ إِحْدَآهُمُا تَمْشِي عَلى اْسْتِحْيآءٍ قَالَتْ إِنٌ أَبِي يَدْعُوكَ لِبَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنْا فَلٌمٌا جَآءْهُ وَقَصٌ عَلَيهِ الْقَصَصَ قَالَ لاتَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَومِ الٌظالِمينَ (25) قَالَتْ إِحْدَاهُمُا يَآأَبَتِ اسْتَئجِرْهُ إِنٌ خَيْرَ مَنِ اسْتَئئئْجَرتَ الْقَوِىٌ الأمِينُ (26)".
| وقورة في مشيتها: من أهم الصفات أيضًا التي تتحلى بها المرأة الصالحة، والتي نفتقدها كثيرًا في زماننا هذا بين النساء هو الوقار في مشيتها، فقال تعالى: "وَلاَ يَضْرِبْنَهٌنٌ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينٌ مِنَ زِيِنَتِهِنٌ"، فالمرأة الصالحة لا تلبس خلخالًا في قدمها تضرب به الأرض وهي تمشي فيحدث صوتها يجذب الرجال لها.
اقرأ أيضًا: استنزاف المرأة: جري مستمر خلف السراب
| جادة في خطابها: فالصالحة من النساء لا ترقق كلامها ولا تلن به لغير محارمها، وذلك خشية أن تثير الفتن والغرائز وترتكب ما حرمه الله، قال تعالى "فَلا تَخْضَعْنٌ بِالْقْولِ فَيَطْمَعَ الْذي فَي قَلْبِهِ مَرَضُ".
| واضحة وصادقة في حديثها: فلا تختلق أحاديث غير مبررة مع رجال أجنبيين عنها، ولا تنجر للكلام المحرم أو المائع، ولا تشارك في حديث ما غير معروف هدفه وغير واضحة غايته، وإنما الصالحة هي التي تمتثل لقوله تعالى" وَقُلْنَ قَوْلاٍ مٌعْرُوفٍا"، والقول المعروف هو الواضح والمشروع غير المنكر.
| محتشمة في لباسها وزينتها: فلا تتعطر خارج بيتها، ولا تتزين إلا لمحارمها، بل تلتزم بشروط الحجاب الشرعي الذي أمرها الله به وهي راضية مسرورة، ومبتعدة عن كل ما يبغضه الله، قال تعالى" ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن"، فلا تبدى المرأة الصالحة شعرها، أو نحرها، أو ذراعيها ولا شيئًا منها إلا لمحارمها، ولا تبدي شيئًا من جسدها إلا وجهها وكفها، وتلبس لباسًا فضفاضًا ساترًا، وفي ذلك العفة والحناية لها وللمجتمع كله.
| لا تختلط بالرجال إلا لضرورة: يعامل الإسلام المرأة كأميرة ودرة مصونة، وكفل حمل هم الرزق والسعي له والاختلاط بالناس في الأسواق على أولي أمرها، ومن صفات المرأة الصالحة أنها لا تختلط بالرجال المحرمين عليها ولا تختلي بهم، ومن صور الاختلاط هو ما نشاهده اليوم من فيس بوك وواتس آب، وغيرها من تطبيقات تسهل التواصل بين الجنسين.
الصالحة هي التي تنأى بنفسها عن كل الخلوات المحرمة، وفي ذلك صيانة لنفسها وسمعتها من ألسنة السوء، كما قال صل الله عليه وسلم: "لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم". ولكن هناك ضرورات تبيح للمرأة الاختلاط، ولكن بشروط أيضًا، ويجب أن يكون الاختلاط بالقدر اللازم، وذلك درءًا للمفاسد ومنعًا للفتن، وسد لأبواب الشبهات والشهوات، ومن أبواب الاختلاط المباح مثل طلب العلم، الصلاة فالمسجد، والتعاون على البر والتقوى عند المشاركة في عمل تطوعي مثلا كي لا تحرم من خدمة وطنها، وغير متناسية حدودها.
| صابرة، ووفية لزوجها: من أروع الأمثلة التي ضربها لنا القرآن في وفاء الزوجة لزوجها، هو وفاء زوجة سيدنا أيوب عليه السلام له، وصبرها على مرضه الشديد، وتقاسمها معه الحلوة والمرة عندما أصيب بالفقر والمرض وابتلي بلاء شديدا، وهذه سمات الصالحات في كل زمان ومكان.
ختامًا، فصفات المرأة الصالحة التي ذكرها القرآن إجمالا وفصلتها السنة النبوية لا تحصى ولا تعد، ذكرنا لكم بعضًا منها، ولتعلمي أختي الحبيبة أن في تمسكك بتلك الصفات حماية وصونًا لك عن كل ما يؤذيك، وفيه تكريما لك ورفعة لمكانتك، فالإسلام لم يأمر بشيء أو ينهى عن شيء إلا لما فيه الخير والصلاح لنا، ونتمنى أن تحاسب كل امرأة مسلمة نفسها وترى هل تلك الصفات تتوافر بها أم لا، ومن تجد معظمها بها، فهنيئًا لها، ومن لا تجد معظمها، فلا تيأس أو تحبط وتسعى جاهدة للتحلي بها، فالوقت أبدًا لم ينته، ولم يفت الآوان بعد، وما تأخر من بدأ.