بنفسج

الأم.. أول الحب ومنبع معناه

الأربعاء 12 ابريل

يحمل الإنسان جبالًا بالحب ولا يحمل حبة قمح مكرهًا، تنشأ العلاقة بين الأم والطفل منذ تكوّن الجنين في رحم الأم، يتأثر بفرحها وحزنها ومرضها، ويحفظ صوتها قبل الولادة، ويطمأن إذا ما لمست بطنها بيدٍ حنونة.،إذن فهي علاقة فطرية بحتة أساسها الترابط والحب، حتى ما إذا خرج الطفل إلى العالم لا يعلم سوى صوت أمه، ولا يطمأن إلا بشم رائحتها.

لن يذكر أطفالنا حينما يكبرون سهرنا في الليل لراحتهم، أو ملابسهم الباهظة أو حفلات أعياد الميلاد أو الألعاب والطعام وغيره الكثير الكثير، وإنما يبقى الأثر، أثر الحب الذي يرافقهم حتى آخر يوم من حياتهم، تلك البذرة الصغيرة التي زرعناها في نفوسهم، هي التي تبقى للأبد.

جُبل الإنسان على الحب، حاجة فطرية خلقنا بها، نكبر به ومعه، يؤثر على مسار حياتنا ونظرتنا لأنفسنا ولمن حولنا، فجميعنا دون استثناء نحتاج أن نحب وأن نجد من يحبنا، وهذه الشرارة تبدأ من الأم، منبع المشاعر والعطاء، إن استطاعت ملء هذا الفراغ جيدًا فلا أحد يستطيع هزه.

لقد كان تفّهم الطفل واحتواء مشاعره واحتضانه والحديث معه، لا يقل أهمية عن توفير احتياجاته المادية، خاصة في ظل فقدان حبال التواصل الإجتماعي بوجود الإنترنت أو انشغال الآباء بالعمل خارج البيت، أو ضبط الطفل المشاغب بوضع الهاتف في يده والتلفاز أمام عينيه.

جُبل الإنسان على الحب، حاجة فطرية خلقنا بها، نكبر به ومعه، يؤثر على مسار حياتنا ونظرتنا لأنفسنا ولمن حولنا، فجميعنا دون استثناء نحتاج أن نحب وأن نجد من يحبنا، وهذه الشرارة تبدأ من الأم، منبع المشاعر والعطاء، إن استطاعت ملء هذا الفراغ جيدًا فلا أحد يستطيع هزه، وإذا ما وجدنا الحب الكافي نبقى طوال حياتنا نعبر عنه بنظرة نقص لأنفسنا أو بالبحث عمن يحبنا حتى لو كان لا يستحق ذلك الحب، وتقديم التنازلات تلو التنازلات للحصول على فتات مشاعر باهتة، وهذا ما يفسر لنا ظاهرة الاستغلال العاطفي بين المراهقين والشباب.


اقرأ أيضًا: عطاء أم تضحية...فرض أم هبة؟


ولو نظرنا إلى أنفسنا في أي إنجاز أو نجاح نحققه، أول ما نفكر به أو نذهب إليه هي الأم، ننتظر بلهفة وشوق ردة فعلها، ننظر إلى شفتيها علنا نستطيع إخراج الكلام والحصول على نظرة الرضى، ليت جميع الأمهات يدركن هذه العلاقة المقدسة.

في دراسة علمية وجدت أن الأطفال الذين يحصلون على قدر كبير من الحب والاهتمام من أمهاتهم في سنوات ما قبل الروضة أي في السنوات الثلاث الأولى من عمر الطفل، يشهدون معدلات نمو أعلى في أجزاء المخ المرتبطة بالتعلم والذاكرة والثبات الانفعالي مقارنة بالأطفال الذين لا يحصلون على نفس القدر من الاهتمام من أمهاتهم، ويرجع ذلك في كون دماغ الطفل مرنًا وحساسًا في سنواته الأولى، ما يجعله أكثر تأثرًا بالتجارب الحياتية التي يمر بها في هذه الفترة من حياته.

فالسنوات الأولى من حياة الطفل هي السنوات المفصلية في كونها الأساس لتشكيل شخصية الطفل الوجدانية والعقلية والحسية، وهي التي لها التأثير الأكبر للطفل في الجانب الإجتماعي وكيفية إيجاد الحلول للمشكلات المستقبلية، فتربية طفل مستقل ومستقر وسوي نفسيًا، لهي من أقدس المهمات التي وكل الله بها عباده في الأرض، فأنت هنا تصنع إنسان وتبنيه، وكان بناء الإنسان عند الله أعظم وأقدس من بناء الكعبة، كما العكس.

كما أن معظم المشكلات والاضطرابات النفسية المنتشرة يمكن حلها في بداياتها عن طريق الحب والتفهم والإنصات، وكلمات التشجيع والثقة السحرية، فالاضطرابات النفسية تنشأ غالبًا بسبب التراكمات المنسية والخوف المخفي، بيد أن العلاج الأولي يمكن أن يكون ضمة حانية ومسحة على الرأس من الآباء لأبنائهم، ومدهم بالثقة اللازمة التي تعين الأبناء على المضيّ بحياتهم.


اقرأ أيضًا: علم ينتفع به: لماذا علينا أن نتعلم كيف نربي أبناءنا؟


غير أننا نعلم في قرارة أنفسنا بأن حياتنا تخلو من المثالية، وحولنا من الضغوط ما يجعل المرء بصراع دائم مع نفسه، وبأن الانسان له طاقة أيضًا، فالأم تتعب من كثرة المهمات الملقاة على عاتقها داخل البيت وخارجه، وعندما تنتهي طاقة الأم تبدأ بالتصرفات المدمرة اتجاه أطفالها، لذا كان حقًا لها أن ندعمها ونقدر جهدها وسعيها الدائم، وكان حقًا على نفسها أن تظفر بوقت خاص بها؛ فالأمومة لا تعني إنتهاء الحياة السابقة، وهنا يأتي دور الأب والعائلة في تقديم المساندة للأم.

تمنيت لو أني لا أنتهي من الكلام، فلا شيء يمكن أن يصف مكانة الأم وعظمتها، هي الحبيبة الأولى، والقلب الذي لا ينضب عن العطاء، ليتنا لا نكبر ونبقى في أحضانهن، ليت أمهاتنا بجانبنا على الدوام، رضي الله عنهنّ وأرضاهنّ، ورزقهنّ الجنة غرفًا تحت أقدامهن، ولا ضيّع الله لهن تعبًا ولا تضحيةً.