بنفسج

سندس نصار.. في محاولاتها الـ 5 لدخول عالم الطب

الخميس 11 يونيو

ليالٍ طويلة تلك التي أكلتْ من راحتها الكثير، حلمٌ يرقد أمام عينيها، كلما فتحت كتاباً أطلّ عليها ليُخبرها أنّ الوقت ينفذ، وأن تحقيق مرادها باتَ على بعدِ أيامٍ قليلة، تشحن همتها بزاد المثابرة، وتدعو الله ألا يخيّبَ عزمها.عشرون عاماً، هو رصيد عمر الشابة سندس نصّار من مدينة غزة، في حسابِ العمر قد يبدو ضيقاً لتحقيق أحلام كبيرة، لكنْ عنوانا عريضا في حياتها يروي قصة طويلة من الإصرار، كتبت فصولها بمدادٍ من التعب، والتفاصيل المرهقة.

| حلم السنين

بدأت حكاية سندس نصار في عام 2017 حين حصلت على معدلها في الثانوية العامة، الذي جاء مخالفًا لتوقعها 90.7%، وراودها شعورٌ بأن حلم العمر يتسرب من بين يديها. التحقت بتخصص الرياضيات على مضضٍ.
 
مضت أول أيام لها في تخصصها الذي لم ترَ ذاتها به مطلقًا، فحلم الطب لم يغادرها لحظة، مع بداية الفصل الثاني، اتخذت سندس قراراً حاسماً؛ توقفت عن الدراسة الجامعية، وأصرت على إعادة الثانوية العامة مرة أخرى وبدأت رحلة جديدة مع الثانوية العامة.

"ثوبٌ أبيض"، كانَ حلماً يراود سندس كلما غفت عينيها أو أطلقت لخيالها العنان، ونداء الطبيبة سندس لم يكن وليد أيام الشباب، بل كان أنيسها الذي يرافقها في كل مراحل دراستها، حتى أصبح الجميع يراها بذلك اللقب. حظيت سندس بالمرتبة الأولى على مدرستها طيلة سنوات دراستها، حتى حلّ عام 2017 حيث موعد صدور نتائج الثانوية العامة.

لحظاتْ مرت قبل صدور النتيجة، وكأنها أعوام من الانتظار الصعب، حتى جاءها الخبر يحملُ إليها معدلاً لم يكنْ في حساب العقل والجهد مسموحاً بالنسبة لها، 90.7%، كان بمثابةٍ صدمة صفعتها، اجتاحها الألم والبكاء، وراودها شعورٌ بأن حلم العمر يتسرب من بين يديها.بعدَ مُضي عدة أيام، ونصائح انهالت عليها من كل حدبٍ وصوب، ومحاولاتٌ حثيثة لإقناعها بالالتحاق بتخصص الرياضيات، رضخت سندس، والتحقتْ به على مضضٍ لم تشعر معه بلذة النجاح والحياة الجديدة.

 | قرارٌ بالإعادة

نداء الطبيبة سندس كان أنيسها الذي يرافقها في كل مراحل دراستها، حتى أصبح الجميع يراها بذلك اللقب. لذلك أصرت سندس على بلوغ مُناها. وشرعت في إعادة الثانوية العامة للمرة الثانية. الإصرار الكبير الذي أبدته، دفع عائلتها إلى العدول عن رأيهم ودعمها.
 
 ومع اقتراب امتحانات الثانوية العامة، ونفاذ الوقت من بين يديها، سجّلت في الثانوية العامة "دراسة منزلية" من أجل الإعادة. لم يكن الأمر هيّنا، خاصة وأنّ هناك مواد جديدة تدرسها سندس لأول مرة وبشكل فردي.

أمضت سندس أول أيام لها في قسم "علوم رياضيات" الذي لم ترَ ذاتها به مطلقاً، فحلم الطب لم يغادرها لحظة، تعود محملةً بكتبها الجامعية، تجلس على مكتبها وتنهال الدموع من عينيها، وهكذا أمضت فصلها الأول، والحزن يسلبُ أوقاتها.

مع بداية الفصل الثاني، اتخذت سندس قراراً حاسماً؛ توقفت عن الدراسة الجامعية، وأصرت على إعادة الثانوية العامة مرة أخرى، لم يكن الأمر مقبولاً في بادئ الأمر، وعمّت علامات الاستغراب على عائلتها، وعادت محاولات الاقناع لقبول الواقع من جديد.الإصرار الكبير الذي أبدته سندس، دفع عائلتها إلى العدول عن رأيهم، ودعمها من جديد، ومع اقتراب امتحانات الثانوية العامة، ونفاذ الوقت من بين يدي سندس، سجّلت في الثانوية العامة "دراسة منزلية" من أجل الإعادة. لم يكن الأمر هيّنا، خاصة وأنّ هناك مواد جديدة تدرسها سندس لأول مرة وبشكل فردي، وبوقتٍ قصير جداً، دون اللجوء لأيٍ مساعدة خارجية، منعاً للإحراج.

 مشاعر مختلطة

لم يحالف سندس الحظ في المرة الثانية وحصلت على معدل 92.1%، أخبرت عائلتها، بأنها ستعيد الثانوية العامة للمرة الثالثة، وذهبت لوزارة التربية والتعليم من أجل إدراج اسمها لاختبارات الدورة الثانية، قوبلت في بادئ الأمر بالرفض، كون الأمر ليس واقعياً بالنسبة لفتاة حصلت على درجة الامتياز.

"سأقلب الـ 92% إلى 96%"، كان جواب سندس لكل من حاول أن يدفعها للعدول عن رأيها، وخلال أسبوعين فقط، استطاعت أن تعيد أربع مواد دراسية، وحصلت على معدل 96.4%..

في شهر يوليو 2018، أعلنت النتيجة، 92.1%، مشاعرٌ مختلطة اجتاحت قلب سندس، كونها استطاعت الحصول على معدل أعلى من ذي قبل، وشعورٌ بالحزن لأنها لم تحصل على المعدل الذي يسمح لها بدخول كلية الطب. بعد إعادة سندس للثانوية العامة، واجهت الكثير من الانتقادات السلبية، مفادها أنها أضاعت عاما من عمرها في سبيل اللاشيء، لكن ذلك لم يُقلل من رغبتها بتكرار التجربة مرة أخرى.

أخبرت سندس عائلتها، بأنها ستعيد الثانوية العامة للمرة الثالثة، وذهبت لوزارة التربية والتعليم من أجل إدراج اسمها لاختبارات الدورة الثانية، قوبلت في بادئ الأمر بالرفض، كون الأمر ليس واقعياً بالنسبة لفتاة حصلت على درجة الامتياز. "سأقلب الـ 92% إلى 96%"، كان جواب سندس لكل من حاول أن يدفعها للعدول عن رأيها أو أن يثنيها عن الإعادة، وخلال أسبوعين فقط، استطاعت أن تعيد أربع مواد دراسية، وحصلت على معدل 96.4%.

أدهشت سندس الجميع، لينقلب انتقادهم إلى ثناء على ما فعلته وأنجزته، يوم لم تنسَ تفاصيله من شدة السعادة التي غمرت قلبها، وعمّت الأجواء، احتضنت والديها مراراً وتكراراً، وشعرتْ وكأنها بحلمٍ قد رسى أخيراً على فؤادها، وتحول إلى عالمٍ حقيقي. سارعت سندس للذهاب إلى التسجيل بكلية الطب، لكن الحظ لم يكنْ يصطف بجانب رغبتها، تفاجأت بأنها تحتاج إلى ثلاثة أعشار أخرى ليُسمح لها دخول كلية الطب، انقلب فرحها إلى حزن، لكنها أقسمت ألا تتوقف عن السير في هذا الطريق.

عقبة أخرى

40228873_540517909738433_6651000537120505856_n (1).jpg
سندس مع والدها

كُلما اجتاحها اليأس، كانت تخبر نفسها: إن الذي أعادت الثانوية العامة ثلاث مرات، لن يكون صعباً عليها المضي في هذا الدرب، أخبرتها الجامعة بأنّ عليها الالتحاق بقسم "علوم صحية" والحصول على المراتب الأولى في دفعتها، من أجل السماح لها بدخول كلية الطب. التحقت سندس بقسم "علوم صحية"، وأنهت عاماً كاملاً حصدت فيه المرتبة الثالثة، وبمعدل امتياز مع مرتبة الشرف، بحصولها على معدل 96.5 %، لتستوفي بذلك جميع الشروط اللازمة.

بعد اجتياز مشوارٍ طويل من المعاناة، وانتظار سندس لرسالة القبول من إدارة الجامعة، صدمت بعقبة أخرى وضعتْ في طريقها، كونها مسجّلة كطالبة قديمة بالجامعة، وعليها دراسة مادة معينة مع الحفاظ على معدلها وترتيبها على الدفعة، ولم يكن لديها من الوقت سوى أسبوع فقط لدراستها.

وعن تلك اللحظة تقول سندس لـ "بنفسج": "كانتْ من أصعب اللحظات التي مررت بها خلال حياتي، حيث لم يتبقَ بيني وبين حلمي سوى بضعُ خطوات قليلة وحاسمة، إلا أنني استجمعتْ كل طاقتي وجهدي من أجل دراسة المادة لوحدي، وحصلت على معدل 95%".

خمسُ محاولات من الكدّ والتعب، قضتها سندس في سبيل تحقيق حلمها، لتأتيها بعد ذلك رسالة القبول، وتُمنح معها حياة جديدة لطالما عشقتْها، ودعت خالقها أن ييسر لها السبُل لدخولها، لحظةُ فارقة أعادت لسندس بهجة الروح التي غابت عنها لعامين كاملين. كُل ما تتمناه سندس، أن تضع بصمةً فريدة في كل مكانٍ تذهب إليه، وأن تهب السعادة من خلال عملها بعد تخرجها من كلية الطب، لكُل من تتعامل معه، وتكون مصدراً للتخفيف عنه.

حتى بعد بلوغ لحظة الانتصار، لا زالت تسمع سندس لبعض الأحاديث التي تنكر عليها ضياع عامين من حياتها واتهامها بـ "الجنون"، إلا أنّ جواب سندس حاضراً في كل لحظة " لا بأس أن يضيع من عمري عامين، المهم ألا أكمل حياتي في شيء لا أرغب به، ونار الحسرة تأكل قلبي، المهم أن أسير في الطريق الذي أريد، والسعادة تغمرني".

الإيمان الدائم بأن الإنسان إن رغب بشيء ما، فستتيسر كلُ العقبات من أجله، كان ذلك حديث الروح الدائم في خلجات سندس، عدا عن حفظها لكتاب الله واستعانتها الدائمة به من أجل عونٍ يهوّن عليها مشقة الطريق، ورضا ينسابُ من بين فيه والديها، يُذلل المستحيل.

حتى بعد بلوغ لحظة الانتصار، لا زالت تسمع سندس لبعض الأحاديث التي تنكر عليها ضياع عامين من حياتها واتهامها بـ "الجنون"، إلا أنّ جواب سندس حاضراً في كل لحظة " لا بأس أن يضيع من عمري عامين، المهم ألا أكمل حياتي في شيء لا أرغب به، ونار الحسرة تأكل قلبي، المهم أن أسير في الطريق الذي أريد، والسعادة تغمرني".

طريقٌ كانَ مكللاً بالضغوطات التي عايشتها سندس، خلال تجربتها تلك؛ شح الكهرباء الذي لطالما دفعها للدراسة على ضوء هاتفها المحمول لساعاتٍ طويلة، بالإضافة للظروف الاقتصادية الصعبة التي لم يسعفها معه أن تتلقى بعض الدروس الخصوصية.آمنت سندس بأن الطريق طويل، ويحتاجُ إلى صبرٍ ومداومة على الطاعة، وفعل الخير، فاتخذت مما سبق سلاحاً في كل وقتٍ، حتى شاء القدر أن تصل لمرادها، وتهزم معها كل محاولات اليأس التي كانت تحاول النيل من حلمها وعزيمتها.