بنفسج

تنكيل وتعذيب.. والرد: "مش متزحزح قاعد فيها"

الأربعاء 17 مايو

أثناء مروري في محيط البلدة القديمة سمعت أحد المتدينين اليهود يقول: هذه الأعداد المهولة التي تمشي وتدخل الأقصى من المسلمين، دليل مؤلم على أن القدس ليست عبرية كنا نريد لها أن تكون، فجموع المسلمين الذين يعمرون الأقصى يؤكدون مرارًا أن وجودهم الكثيف هو إحباط حقيقي لنا، وتذكير بأن القدس ليست لنا وحدنا". إذن يؤرقهم الوجود ويزعجهم وجودنا جدًا، وهذا ما يفهمه المقدسي حقًا ورأيناه بالصور المتكررة؛ فيضع أحدهم يده متكئًا تحت رأسه أمامهم، جالسًا أو متمددًا على الأرض، أو رافعًا أقدامه على الكرسي، هو ما نسميه بلهجتنا المحلية (جاعص)، فصاحب الأرض يؤرقهم حتى وهو جالس أو متمدد يا سادة.

وضعت سجادتي الخاصة بالصلاة على كتفي، وانطلقتُ مهرولةً لألتحق بركب المصلين إلى صلاة التراويح في المسجد الأقصى كعادتي كل ليلة. كان يومًا هادئًا جميلًا، فيه القدس عامرة مبتهجة كما هي في ليالي رمضان كلها، وما أن دخلت أبواب المسجد الأقصى مع أولادي متجهة إلى القبة الذهبية المشرفة حتى سمعت أصوات قنابل صوت تدوي، وأطفال صغار يبكون ويهربون.

 قنابل ورصاص مطاطي يتطاير، رغم أن جمع المصلين كانوا قد اصطفوا لأداء الصلاة، ولم يكن هناك أي مؤشر لحدوث أي اقتحام للأقصى حينها. أمسكت أولادي والكل يركضون والجند يقتربون منا. بدأ الشبان برشق الحجارة، كرد فعل وتصدٍ طبيعي.

 وكان الأقصى مليئًا على آخره. كان يوم جمعة، وهو اليوم الذي تسمح فيه سلطات الاحتلال لأهل الضفة الغربية بدخول الأقصى بدون تصاريح للنساء، ومع تصاريح للرجال، فيكون الأقصى فيه عامرًا بالمصلين والزوار من كل أنحاء فلسطين الحبيبة، كان هنالك تدافع وازدحام كبير. احتدمت الأمور جدًا، وصار الرصاص المطاطي يتطاير، حتى رأيت المسعفين ينقلون الجرحى أمامي بالعشرات.

سمعت الناس يقولون بأن الجند قد اقتحموا باحات الأقصى بزيهم المخصص لأعمال الشغب من دون أي إشارة بشكل مباغت ومفاجئ، فالناس كانوا قد اصطفوا بهدوء لأداء الصلاة. بدؤوا بإلقاء قنابل الصوت، فردّ الشبان بمواجهتهم والتصدي لهم. ركضت وأنا خائفة على أطفالي، فرأيت شابًا مصابًا أمامي بعينه يضع يده على عينه ويصيح. بعدها بثواني سقط أمامي آخر، وقد أُصيب برأسه بطلق مطاطي. كانت الإصابات التي أمامي معظمها بالرأس والجمع يهرولون ويستغيثون.

 ركضت خوفًا على أولادي، فإذا بي أقع من هول الموقف. جنودٌ في كل مكان، شبانٌ مصابون يتهافت عليهم المسعفون والمسعفات. شعرت أن التوتر والخوف سيأكلني، فأنا كنت غير مستعدة لهذه الحرب المباغتة، كنت قد دخلت المسجد بجو ٍ مليءٍ بالروحانية والهدوء.

وهذه برأيي هي العنجهية في أقسى صورها عندما يستهدف جمع المصلين المسالمين بصورة مباغتة، وتحصل إصابات عديدة للواقفين في صفوفهم المستعدين لأداء صلواتهم. كان هذا المشهد في رمضان المنصرم، عادت بي المشاهد التي حصلت في فجر الجمعة من رمضان الحالي عند صلاة الفجر إلى المشهد ذاته الذي شاهدته بشكل واقعي أمامي مرارًا في صلوات التراويح من العام الماضي، الظلم ذاته والقهر ذاته.

يتعمد الاحتلال الغاشم في الآونة الأخيرة فرض واقع جديد على المسجد الأقصى، لم يكن قد فُرض قبلًا حسب مشاهداتنا في محيط البلدة القديمة، حيث أنه كان لا يسمح لشذاذ الآفاق من المستوطنين والمتدينين، وجماعات أنصار الهيكل بدخوله طيلة الشهر الكريم. أما هذه السنة بدأ بقمع المصلين بشدة وعنف، وبدأ بالتنكيل بهم وصولًا لإفراغه بالكامل وحبس المعتكفين داخل المسجد القبلي، والمعتكفات داخل قبة الصخرة.

وهذا  من أجل تمرير دخول آمن لهم من الساعة السابعة صباحًا حتى الحادية عشرة، مكررًا ما يفعل كل يوم، محاولًا إيصال الرسالة التي مفادها أن الأقصى في فترات الصباح مخصص للصهاينة وللاقتحامات وباقي اليوم للمسلمين، وكأن التقسيم الزماني وسياسة الاقتحامات الجماعية هي أمر واقع في رمضان، وغير رمضان، تخصص لها ساعات الصباح الأولى، وأي اعتراض أو وجود من الفلسطينيين هو بمثابة تصريح مفتوح من التحدي يجابه بعنف مفرط وقاس.

أما باقي الوقت فيسود هدوء حذر في محيط المسجد الأقصى المبارك، وهذا ما نشهده هذا العام بخلاف العام الماضي؛ فالمعارك المتكررة كانت في العام الماضي تحتدم في ساعات صلاة التراويح في المساء. أما العام الحالي فتشتد في ساعات الصباح الأولى، ويليها اقتحام كبير لجموع المستوطنين، وجماعة أنصار الهيكل.

أثناء مروري في محيط البلدة القديمة سمعت أحد المتدينين اليهود يقول: هذه الأعداد المهولة التي تمشي وتدخل الأقصى من المسلمين، دليل مؤلم على أن القدس ليست عبرية كنا نريد لها أن تكون، فجموع المسلمين الذين يعمرون الأقصى يؤكدون مرارًا أن وجودهم الكثيف هو إحباط حقيقي لنا، وتذكير بأن القدس ليست لنا وحدنا".

إذن يؤرقهم الوجود ويزعجهم وجودنا جدًا، وهذا ما يفهمه المقدسي حقًا ورأيناه بالصور المتكررة؛ فيضع أحدهم يده متكئًا تحت رأسه أمامهم، جالسًا أو متمددًا على الأرض، أو رافعًا أقدامه على الكرسي، هو ما نسميه بلهجتنا المحلية (جاعص)، فصاحب الأرض يؤرقهم حتى وهو جالس أو متمدد يا سادة.