بنفسج

صفاء بكر.. أمي زوجة الأسير الشهيد

السبت 11 مارس

كانت أمي مثالًا للقوة والثبات دومًا! في أحلك المواقف تمسك دموعها ولا تنهمر منها إلا على سجادتها، حتى يوم وفاة أبي تقول: "عندما اقتربت منه لأودعه شعرت أنني سأنهار، فتماسكت سريعًا بنّية أن يتقبله الله شهيدًا كما كان يتمنى دائمًا". على الرغم من أن أبي أخرج الأنفاس الأخيرة بين يديها، لكنها لطالما كانت متماسكة وقوية حتى ظننت أنها متبلدة الشعور. 

كانت أمي مثالًا للقوة والثبات دومًا! في أحلك المواقف تمسك دموعها ولا تنهمر منها إلا على سجادتها، حتى يوم وفاة أبي تقول: "عندما اقتربت منه لأودعه شعرت أنني سأنهار، فتماسكت سريعًا بنّية أن يتقبله الله شهيدًا كما كان يتمنى دائمًا". على الرغم من أن أبي أخرج الأنفاس الأخيرة بين يديها، لكنها لطالما كانت متماسكة وقوية حتى ظننت أنها متبلدة الشعور. 

حتى جاء اليوم الذي أجلس أمامها كصحفية أطرح عليها أسئلة تنبش الماضي بعد أن حاولت إخماد لهيبه كثيرًا، لتبكي أمامي وهي تسرد الأحداث والإجابات، طفلًا صغيرًا متأرجحًا بين كل مشاعره. أقص لكم اليوم جزءًا من حكاية أو جزءًا من حياة تقاسمتها زوجات الأسرى في فلسطين، فشملت جميع الأسرى الفلسطينيون أهلهم. 

أمي "غادة محمد (55 عامًا)"، تزوجت أبي المتوفى حاليًا "بكر بلال" لـ 29 عامًا، ولكن لم تمض معه إلا بضع سنوات، فقد كان في حالة اعتقال مستمر، متنقلًا بين سجون الاحتلال تارة، أسيرًا، يمضي سنوات، ثم يخرج بعدها بضع شهور يمضيها بيننا، أو على جبال فلسطين، لعامين مطاردًا، تارة أخرى، فقد كان مطلوبًا لهم خلال اجتياح نابلس عام 2002، أمي كانت إحدى النساء التي نعرفهن ويعرفهم الفلسطينيون، إنهم زوجات الأسرى، يشتركن في ظروف متشابهة، وحياوات متشابة، ومعاناة متشابهة!

كان أبي يذهب ويعود قسرًا تاركًا لأمي أربع أطفال متفاوتي الأعمار؛ الأكبر سعيد "31 عامًا"، تلحقه صفاء بثلاث أعوام، وبعد ست سنوات رُزقت بعز الدين، ومن بعدها بعام محمد "عشرون عامًا".


اقرأ أيضًا: قاسم وإيناس عصافرة: زوجان في زنزانتين


تقول أمي: "مع كل طفل جديد يأتي كان هناك اعتقال جديد لزوجي بكر؛ فالاعتقال الأول كان في بداية التسعينيات بعد ولادة الابن الأكبر سعيد، ليغيب ما يقارب العامين عن المنزل ويخرج بعدها من السجن، فتنجب أمي الطفل الثاني "صفاء"، ليعود للسجن قبل إتمامها ال 40 يومًا". 

تضيف: " كانت صفاء في حضن والدها وانتزعوها في الوقت الذي كان يحاول فيه أن تنام، وما لبثت أن غفوت حتى طرقوا الباب، ولا أنسى يومها أنه لم يأبه بشيء سوى أن لا ينتزع نومها، وهكذا يتشابه وضع زوجات الأسرى في فلسطين".

كانت السيدة غادة، كما تصف، قادرة على إدارة الموقف، ولكن كان التحدي والصعوبة مع كون الابن الرابع والأخير مصابًا بالتوحد، ومن الدرجة الصعبة، فتقول: "غياب زوجي والشح المادي وبداية مراهقة ابني الأكبر في ظل وجود طفل مريض كاد أن يصيبني بالجنون، كانت الأمور صعبة جدًا لولا معية الله".

ربتنا أمي، زوجة الأسير، على مدار السنين وحيدة؛ فكانت الأب والأم وتقول: "لطالما حاولت أن أشبعكم عاطفيًا، ولكني كنت أعلم أني مهما حاولت لم أستطيع ملء فراغ الحاجة إلى الأب بداخلكم، فلطالما كنتم تستيقظون وأنتم أطفالًا، تبكون، تريدون والدكم وتسألون متى سيأتي، ولكن مع الوقت تشكل لديكم إطار مرجعي يجيبكم عن السؤال بعد محاولات الحديث الدائم معكم أنه معتقل، وأنه يدافع عن الوطن وأننا تحت احتلال يريد سرقة وطننا".

كانت السيدة غادة، كما تصف، قادرة على إدارة الموقف، ولكن كان التحدي والصعوبة مع كون الابن الرابع والأخير مصابًا بالتوحد، ومن الدرجة الصعبة، فتقول: "غياب زوجي والشح المادي وبداية مراهقة ابني الأكبر في ظل وجود طفل مريض كاد أن يصيبني بالجنون، كانت الأمور صعبة جدًا لولا معية الله".


اقرأ أيضًا: بيسان وصفي قبها: زهرة "نصير الأسرى" وغرسه


تكمل: "️لن أنكر الدعم المادي، خصوصًا من أهل زوجي، ولكن لم يكن في البيت رجلًا، كان حماي رجلًا كبيرًا، وأسلافي جميعهم في السجن وبأحكام عالية، وأنا أمام ضغط ومسؤولية كبيرة. ابن كبير بدأ يأخذ قراره من رأسه ويتفلت كونه في مرحلة المراهقة، وابن صغير يعاني من مرض ذهني لم أكن أدري ما هو في أول 5 سنوات، سوا أنه كان شقيًا وعنيفًا جدًا، ولا أسلوب تربوي محدد أتبعه معه سوا الحنان".

الحوار كاملًا، من هنا.