بنفسج

زينة أبو عون: الارتباط بالأسرى قرار بالوقوف في خندق النضال

الأحد 05 مارس

لم تكن الحياة تسير بمجراها الطبيعي أبدًا عند زينة ـ كما حلمت وخططت -  فباغتتها الدنيا باختبار مفاجئ في بداية حياتها مع شريك الدرب، صُدمت ، ولكنها صبرت كحال كل زوجات الأسرى اللواتي سطرن حكايات الصمود والأمل، وأقسمت أن تقف بشموخ في وجه كل عثرة وأن تبقى على العهد ، دون تراجع ، تقدم الدعم وتسهل الطريق.

 اُعتقل شريكها خلال فترة خطوبتهما قبل أيام من العرس الموعود، فلم يستطع الأحبة أن يغنوا له من تراثنا الشعبي الفلسطيني "هاتوا الحنا للعريس والشمعات المضوية.. هالعريس شو بهمه .. كل أحبابه بيلتموا"، حتى أنها لم تودعه حتى حين اعتقلته قوات الإحتلال الإسرائيلي بشكل مفاجيء، فلم يكن منها إلا أن تردد: "كله فدا هالبلاد"

هنا زوجة الأسير المحرر إسلام أبو عون السيدة زينة باسم الحاج سعيد تخبرنا عن رحلتها مع زوجها التي نغصها الإحتلال باعتقالاته المتكررة طوال السنوات الماضية.

مع سبق الاصرار

 

لم تبدأ رحلة إسلام مع الاعتقالات منذ ارتباطه بزوجته، فقد اُعتقل عدة مرات قبل الزواج ولهذا كانت تعلم زينة جيدًا عندما تقدم لها أنه معرض للإعتقال في أي وقت، تقول لــ "بنفسج": "نعم قبلت الارتباط به وآمنت أنه لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا فارتاح قلبي، عاهدت نفسي على الصبر، وكنت ميقنة أن الحياة معه ستكون طريقًا للجنة بإذن الله تعالى".

 

لم تبدأ رحلة إسلام مع الإعتقالات منذ ارتباطه بزوجته، فقد أعتقل عدة مرات قبل الزواج ولهذا كانت تعلم زينة جيدًا عندما تقدم لها أنه معرض للإعتقال في أي وقت، تقول لــ "بنفسج": "نعم قبلت الارتباط به وآمنت أنه لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا فارتاح قلبي، عاهدت نفسي على الصبر، وكنت ميقنة أن الحياة معه ستكون طريقًا للجنة بإذن الله تعالى".

ارتبط كل من إسلام وزينة وفي غمرة الفرح ومع اقتراب زفافهم، والعريس مشغول بالتجهيزات التي كان آخرها اختيار بدلة زفافه وبعدما نسق لموعد الذهاب لشرائها مع صديقه في صباح اليوم التالي، اعتقلته قوات الإحتلال الإسرائيلي، فانقبلت الحياة رأسًا على عقب وتحول الفرح إلى غصة في القلب لا يداويها أطباء الدنيا، لكننا نحن الفلسطينيون "يا جبل ما يهزك ريح"، وعلى الرغم من ألم الفراق وقفت زينة ببسالة فكان هذا درسها الأول في حياة الصبر والكفاح.


اقرأ أيضًا: ساجدة أبو الهيجا: سفيرة العائلة وأم أبيها وأمها


تضيف زينة: "أول مرة اُعتقل فيها كانت التجربة الأولى والصدمة الأولى، خاصة أنه كنا نحضر للعرس، وكما تعلمون فترة الخطوبة تكون حساسة خصوصًا أننا في مجتمع يشعر المعتقل وأهله أنهم مذنبون وأن الشخص هو من يذهب للإعتقال بنفسه وكما يقولون: "اليهود بوخذوش حدا من فراغ".

زوجة وأم وأب

11-1.jpg

اُعتقل إسلام منذ ارتباطه بزينة عام 2014 خمس مرات وأثمر زواجهم عن بنتين وولد :  فرح ومحمد وأصغرهم لين التي لا تعرف والدها إلا من خلال الصور، فهو الآن يقضي حكماً إداريا ً بالسجن  منذ ١١ شهرًا.

تصف لنا زينة كيف تكون حياة زوجة الأسير في ظل غياب زوجها المتكرر: "عندنا يغيب الزوج تصبح خيارات الزوجة محدودة وتضطر أن تكون الأم والأب معًا، ومهما حاولت الأم أن تسد فراغ الأب إلا أن هذه المهمة غاية في الصعوبة والألم ، وإنما هي محاولات لتخفيف حدة البعد، والمحاولة بكل الطرق ليعيش الأطفال حياة أفضل ".

في مخيلة زينة لحظات لا يمكن أن تُنسى، فحتى في الوقت الذي يكون فيه زوجها خارج السجن تبقى هي وأطفالها في ترقب وخوف، أما وهو في السجن فيتضاعف لديها شعور الألم، تارة على زوجها وأخرى على أطفالها المشتاقين لوالدهم، تقول لــ"بنفسج": " كان عمر محمد سنة ونصف عندما اُعتقل والده وحينما أفرج عنه تعلق فيه جدًا لدرجة أنه كان يستيقظ في الليل يبحث عنه هل ما زال ينام في مكانه أم أنه اُعتقل من جديد".

تكمل: "أما فرح، فرحتنا الأولى عمرها الآن ٧ سنوات قضت الأيام ما بين اعتقال والدها والإفراج عنه، ولين أخر العنقود كان عمرها ثلاثة شهور عند اعتقال زوجي الأخير، ويوم اعتقاله هو ذاته اليوم الذي قالت فيه أول كلمة وكانت "بابا"، ظلت تناديه طوال فترة الغياب كأنه أمامها إلى أن أُفرج عنه مؤخرًا فصار حلم الطفلة حقيقة".

خلال فترة غيابه كانت الأسئلة تتوالى على زينة وهي تحرص على أن تجيب كل طفل من أطفالها على حدة ... وفقًا لعمره وقدرته الاستيعابية: "بابا قوي وبخافوا منه عشان هيك اخذوه، ورح يرجع في هذا التاريخ". حتى عاد أخيرًا بعد أيام طويلة من الانتظار.

حاضر رغم الغياب

IMG-20230227-WA0021.jpg
الأسير المحرر إسلام أبو عون مع أطفاله

قد يبدو للناس أن الأسير حين يُعتقل يغيب معه حضوره بين أهله ، ولكن واقع الحال يختلف تمامًا كما وصفت زينة: "إسلام حاضر معنا دائمًا في كل تفاصيل حياتنا، لو أبعدوه جسديًا فهو حاضر بروحه في أدق تفاصلينا، لم تنقطع كلمة بابا من منزلنا طوال فترة غيابه، نعلق الصور في كل مكان، ندعو له ونرسل الأمنيات والدعوات إلى  الله ليفرج كربنا، وبفضل الله اجتمعنا من جديد".

تعود زينة بذاكراتها قليلًا للوراء إلى ما قبل الإفراج عن زوجها ، وتستذكر بعض الكلمات التي قيلت لها: "اتعودتي أكيد على غيابه.. هيك مدبرة حالك بدونه" ، تمتعض هي من ذكر هكذا عبارات على سبيل المواساة وتقول: "لا يوجد شيء اسمه اعتياد البعد ولا اعتياد الشوق وغياب السند، كل اعتقال له آلامه وأشواقه ومواقفه اللامتناهية، قد تتشابه الاعتقالات بشيء واحد وهو القهر المستمر والمتعمد من احتلال بغيض .


اقرأ أيضًا: رائد وأسماء الحوتري: زوجان يفصلهما 22 مؤبدًا!


وعن أصعب المواقف التي مرت على زينة أثناء اعتقال إسلام: " كل لحظات الغياب صعبة، وكل ثانية تمر مع الغياب تؤلم، ولكن اللحظة الأصعب على الإطلاق عشتها خلال الإعتقال الأخير عندما وقع ابني محمد وهو يلعب، ورأيت الدماء تسيل من وجهه على رقبته وملابسه، شعرت أن الكون توقف، حملته بين يدي وهرعت إلى المستشفى، وأثناء تواجد محمد على السرير صار يبكي وينادي بابا .. بابا ،  شعرت كلمة "بابا" يومها سكيناًغرست في قلبي، شعرت أنه لا صوت في تلك اللحظة في العالم أجمع غير صوت محمد وهو ينادي والده".

الداعم والسند

 
لا يفل الحديد إلا الحديد ولن يفهم الجراح إلا جريح مثله ذاق من ذات الكأس وتجرع ذات الألم، السيدة أم أيسر التي عانت الألم ذاته، ساندت زينة في محنتها.
 
 تكمل: "خالتي أم أيسر هي أم زوجي .. هي أم أسير وزوجة أسير ... خبرت الأسر وعلقمه .. ألمه وأمله .. فوالد زوجي نزيه أبو عون دائم الترحال بين السجون على الرغم من كبر سنه، وعلى الرغم من أنها تحتاج إلى من يدعمها ويساندها، ولكن في غياب إسلام تكون دائمًا نعم السند والداعم لنا".
لا يفل الحديد إلا الحديد ولن يفهم الجراح إلا جريح مثله ذاق من ذات الكأس وتجرع ذات الألم، السيدة أم أيسر التي عانت الألم ذاته، ساندت زينة في محنتها.
 تكمل: "خالتي أم أيسر هي أم زوجي .. هي أم أسير وزوجة أسير ... خبرت الأسر وعلقمه .. ألمه وأمله .. فوالد زوجي نزيه أبو عون دائم الترحال بين السجون على الرغم من كبر سنه، وعلى الرغم من أنها تحتاج إلى من يدعمها ويساندها، ولكن في غياب إسلام تكون دائمًا نعم السند والداعم لنا".
حين تُسأل زينة ما سر صبرك وجلدك ؟ تجيب: "دافعي للتحمل الدائم أولًا هوالغاية الأجلّ والأسمى، وهي الطمع في الأجر والثواب، وأن هذه الطريق هي نفسها طريق الصحابة والصالحين".
وتكمل بصوت هادئ: "الأمر الثاني الذي يقويني، هوإسلام لشخصه بكل ما فيه من علم ودين ومشاعر، أشهد الله أنني مذ عرفته ما رأيت منه إلا الخير، دائمًا ما أخبره أنه دعوةً صادقة  وصلت السماء ثم عادت به الحياة كهدية لي وليس أثمن منها هدية ".

اقرأ أيضًا: السيدة حسنية أبو عون: خليفة الغازي على الأهل والبنون


 

حرية محفوقة بالخوف

22-1.jpg

اُعتقل إسلام أبو عون عدة مرات، وكان معظمها اعتقالات إدارية ، ومن بينها الإعتقال الأخير له الذي كان في تاريخ 23 فبراير لعام 2022 والذي انتهى بتاريخ 20 فبراير من العام الحالي، وبذلك يكون قضى إسلام عاماً كاملاً في الأسر الإداري البغيض ، فالأسير الإداري يعيش في حاله متقطعة من الأمل ، ففي كل مرة توشك محكوميته على الانتهاء ويبدأ يتسلل له الأمل بالفرج يأتي الاحتلال في اللحظة الأخيرة ويجدد له محكوميته.

هذا العذاب يعيشه أهل الأسير أيضًا، ففي كل مرة يبدأون بتجهيز أنفسهم لاستقباله بشوق وحماس ، يطفئ الاحتلال وجه الفرح في قلوبهم في اللحظات الأخيرة. تقول أم محمد: " في الأيام الأخيرة لانتهاء محكومية زوجي يبدأ الأمل باللقاء يتسلل إلى قلوبنا ممزوج بخوف دوامة التجديد " 

 وهذا ما جرى في هذه المرة قبيل الإفراج عنه كسابقاتها ، ظلت زينة وأطفالها في حاله من الخوف والتأهب بين أن يزينون البيت أم يتيرثون في ذلك ، أيجهزون الحلوى أم لا، وهكذا حتى تم الإفراج عنه، تقول أم محمد: "ظل حالنا معلق حتى الساعة الثانية ظهرًا، لم يعطوه أمرًا بالإفراج ولا حتى بالتمديد، شعرت أن أعصابي تحترق من شدة التوتر والخوف حتى جاء الأمر بالإفراج، وقتها كان لا بد من تجهيز المنزل وتزينيه سريعًا وتجهيز الأطفال لاستقبال والدهم .. لحظات كانت فارقة بين خوف إلى فرح شديد لاقتراب اللقاء".


اقرأ أيضًا: منى منصور: سيرة ممتدة لشهي.د جبل النار


وصل إسلام مع حلول المساء إلى "قرية جبع" بموكب غفير من الأحباب والأقارب وما أن نزل من السيارة حتى التف حوله أطفاله، وعلى هذا المشهد تعلق زينة: "أجمل شيء كان في لقاء إسلام أن ابنته الصغيره لين التي لا تعرفه في الحقيقة صاحت من بعيد "  بابا .. بابا  " ،  وعندما رأته ركضت نحوه، فتأكدت حينها أن الإحتلال مهما حاول تفريقنا سيظل إسلام حاضرا بيننا مهما ابتعد".

تختم زينة حديثها شاكرة الله على فضله بلم شمل العائلة بعد غياب طويل وتسأل الله أن يديم على عائلتها الاستقرار والأمن.