بنفسج

كتابة على جدار الذاكرة: أدب النساء في زمن الاحتلال

الخميس 06 نوفمبر

أدب النساء في زمن الاحتلال
أدب النساء في زمن الاحتلال

في زمن الاحتلال، تتحول الكلمة إلى وطنٍ بديل، والكتابة إلى فضاء نابض بالحياة. تسرد الكاتبات وجع الأرض والأمل، ويحوّلن التجربة الفردية إلى ذاكرة جماعية تحفظ هوية الوطن. ففي زمن يسعى فيه الاحتلال إلى طمس الذاكرة وإسكات الأصوات، تكتب النساء من عمق الخسارة لتعيد تشكيل الحكاية من جديد.

أدب النساء في زمن الاحتلال ليس مجرد روايات عن الألم، بل هو شهادة على الوجود، ومقاومة بالكلمة، واحتفاظ بالذاكرة من الاندثار. إنه فرعٌ أصيل من الأدب المقاوم، يوثّق التجربة الإنسانية تحت وطأة الاحتلال. في هذا السياق، نستعرض عددًا من الروايات التي تعبّر عن أدب النساء في زمن الاحتلال، حيث جسّدت الكاتبات من خلال أعمالهن تجارب الحصار، والفقد، والمنفى، وكشفن أثر الاحتلال على الأرض والإنسان والعلاقات والذاكرة. في هذه الأعمال، تكتب النساء ليبقين الذاكرة حيّة.

باب الساحة

باب الساحة

تحكي الكاتبة سحر خليفة في روايتها باب الساحة عن حقبة مهمة من التاريخ الفلسطيني، وقعت في مدينة نابلس أثناء الانتفاضة الأولى، وتتناول من خلالها حياة النساء تحت الاحتلال، وتأثيره على تفاصيل الحياة اليومية. تستعرض الرواية الصراعات الشخصية والاجتماعية التي تواجهها النساء في ظل الحصار، والفقر، والقيود، والعنف اليومي.

يتسم أسلوب سحر خليفة بالبساطة والعمق والسرد الواقعي. تقول في روايتها: "أنا لست الأم ولست الأرض ولست الرمز. أنا إنسانة، آكل أشرب أحلم أخطئ أضيع أموج وأتعذب وأناجي الريح.. أنا المرأة."

تتخذ من شخصية الداية زكية محورًا للسرد، لتصف من خلالها واقع المدينة والعنف الذي يطالها، وتقدّم صورة حية لمعاناة المرأة الفلسطينية في مواجهة الاحتلال ومحاولتها التوفيق بين واجباتها الأسرية ورغبتها في الحرية والمشاركة المجتمعية. تظهر الرواية بصوتٍ أنثويّ يمزج بين السرد اليومي والوصف العاطفي للحياة تحت الاحتلال، وتبرز الصراعات الداخلية للنساء بين الخضوع للتقاليد والمقاومة اليومية، وبين الخوف والأمل بمستقبل أفضل.

كوابيس بيروت

رواية باب الساحة

رواية كوابيس بيروت للكاتبة غادة السمان، كتبت عام 1976 عقب اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية، وهي توثيق أدبي لتجربة الحرب وانعكاساتها على المدينة وسكانها.

تعتمد الرواية على أسلوب اليوميات، وتقدّم مشاهد متلاحقة من الفوضى والارتباك السياسي والاجتماعي، مركّزةً على التجربة الأنثوية التي تراقب الحرب وتعيشها. يظهر صوت المرأة فيها بوضوح، من خلال التأملات النفسية والرؤى الفلسفية، ما يجعل الرواية شهادة نسوية على مرحلةٍ مفصلية من تاريخ بيروت.

تمثل الرواية صوتًا أنثويًا فريدًا يوثّق المأساة بلغة ذاتية وإنسانية، وتمنح القارئ نظرة من الداخل على التمزق والقلق والخوف الذي عايشه اللبنانيون في تلك الفترة.

تفصيل ثانوي

رواية تفصيل ثانوي
 

 

أما رواية تفصيل ثانوي للكاتبة عدنية شلبي، فتبدأ بحادثة اغتصاب جماعي لفتاة بدوية عام 1949، كاشفةً عن السياسة الممنهجة للاحتلال في استخدام الاغتصاب كوسيلة للعقاب الجماعي.

تربط الرواية بين الماضي والحاضر لتؤكد استمرار العنف الممارس على الفلسطينيين، وتوثّق آثار الاحتلال على الجسد والذاكرة والمكان. تصف الكاتبة المشهد الأخير قائلة: "فجأة أشعر بحريق حاد في يدي وصدري، يتبعه صوت إطلاق نار بعيد."

تقدّم الرواية رؤية نقدية لتعامل المجتمع مع جريمة الاغتصاب باعتبارها تفصيلًا ثانويًا ضمن سياق الاحتلال والنزاع، وتسلط الضوء على الصمت الاجتماعي تجاه معاناة النساء. كما تكشف سياسة المحو التي مارسها الاحتلال عبر تدمير القرى الفلسطينية وبناء المستوطنات على أنقاضها.

تجسّد تفصيل ثانوي شهادة أدبية على أثر الاحتلال في النساء، وتُظهر أصواتهن وتجاربهن المقموعة، لتجعل من الأدب أداة مقاومة ووسيلة لحفظ الذاكرة والكرامة.

في المحصلة، يمثّل أدب النساء في زمن الاحتلال ذاكرة حيّة للوجع والنجاة، وصوتًا يصرّ على الحضور في وجه التهميش والنسيان. إنه أدب يوثّق التجربة الفردية ليجعلها جماعية، ويحوّل الألم إلى فعل مقاومة، والكتابة إلى بيت يسكنه الوطن.