في تاريخ الحروب الطويل، يهتم المؤرخ بالأرقام والمعارك، لكنه لن يكتب عن حرقة المواطن الذي يرزح تحت وطأة الرصاص والقنابل، ولن يصف دمعة الأم التي فقدت طفلها، ولا الصمت المطبق للطفل الذي فقد أهله، ولن ينقل كيف يصارع الإنسان نفسه كل ليلة، نائمًا على أمل الخلاص الأبدي.
هذه هي مدينة الفاشر، حيث ينهش الجحيم كل زاوية من زواياها على يد قوات الدعم السريع، التي لم تفرق بين سيدة وطفل ورجل؛ الكل أصبح في مرمى النيران.
النساء والفتيات هنا لا يلقين الرحمة، يحملن عبء الخوف والموت معًا، يحاولن حماية أنفسهن وأطفالهن من القصف والاعتداء، ويقمن بما يستطعن لتأمين ما يلزم للبقاء وسط الخراب المستمر، المدينة كلها تتشح بسواد الموت والدمار، والهواء نفسه يئن تحت وطأة العنف الذي لا يفرق بين أحد.
بعد ما يزيد عن 600 يوم، سيطرت قوات الدعم السريع على مدينة الفاشر في السودان، ومن هنا بدأ وحش الموت يلف المدينة، القصف المدفعي، الرصاص المتطاير، الموت بالجوع، التعذيب والعنف الجنسي والاغتصاب، هذه عناوين رئيسية تظهر في الإعلام عن ما يحدث في الفاشر، ووفقًا لموقع المفوضية الأممية السامية لحقوق الإنسان، التي حملت قوات الدعم السريع ما يجري في السودان، مؤكدة أنهم هم المسؤولين الأوائل عن العنف الحنسي والاغتصاب الجماعي، وعمليات الخطف الممنهجة، في ظل حصار مطبق على المدينة بالكامل.
هناك النساء في الفاشر والسودان كله يعشن تحت وطأة العنف والفقر بشكل يومي، الحرب والنزاعات لم تكتفِ بإزهاق الأرواح، بل فرضت على النساء عبئًا مزدوجًا: حماية أنفسهن وأطفالهن، وتوفير ما يمكن من طعام وماء ودواء وسط نقص الموارد وانقطاع الخدمات الأساسية.
من يود الهروب من الفاشر لن يهرب بسهولة بل سيتعرض لشتى أنواع التعذيب، كثيرون من النازحون الذين كانوا يرغبون فقط في نجاة، تعرضوا لسرقة مقتنياتهم، بعدما فشلوا في حماية أنفسهم من مقابلة عناصر قوات الدعم السريع، وعدد آخر كانوا يعيشون المجاعة هناك يأكلون طعام الماشية، خرجوا فقط بما يرتدون.
وبحسب شهادة إحدى النساء التي خرجت في مقابلة صحافية: "إنهم لا يترددون عن إطلاق الرصاص علينا أبدًا، المدينة أضحت ثكنة عسكرية". لم تكن تلك شهادة وحيدة بل رافقتها آلاف الشهادات التي تبين مدى العنف الذي ترتكبه قوات الدعم السريع ضد سكان السودان وخصوصًا النساء. هناك النساء في الفاشر والسودان كله يعشن تحت وطأة العنف والفقر بشكل يومي، الحرب والنزاعات لم تكتفِ بإزهاق الأرواح، بل فرضت على النساء عبئًا مزدوجًا: حماية أنفسهن وأطفالهن، وتوفير ما يمكن من طعام وماء ودواء وسط نقص الموارد وانقطاع الخدمات الأساسية.
كثيرات فقدن أزواجهن أو أقاربهن، واضطررن للعمل في ظروف قاسية للبقاء على قيد الحياة، في حين تظل تهديدات العنف الجنسي والاعتداءات المستمرة تلاحقهن، الفتيات فقدن فرصة التعليم، والأسر تفتقر للحماية، فتصبح النساء بمثابة الدرع الأخير أمام الموت واليأس. واقعهن اليوم صورة صادمة لمعاناة إنسانية عميقة، حيث يتداخل الخوف مع المسؤولية، ويصبح البقاء مجرد معركة يومية لا تعرف الرحمة.
الكل في الفاشر مستهدف من قوات الدعم السريع المدعومة من جهات خارجية دخيلة للنيل من استقرار السودان، الطبيب في مقر عمله مستهدف، والطالب، وأمهات فقدن أزواجهن بعدما خرجوا للبحث عن طعام، وحتى الصحافيين معرضين للقتل إذ يمنع فضح ما يجري، متعمدين التكتيم على ما يحدث من انتهاكات بحق الإنسان.
في الفاشر، النساء ليست مجرد ضحايا، هنّ الظل الذي يتحرك بين أنقاض المدينة، يحملن أوزار الموت والخوف على أكتافهن، كل يوم، يبحثن عن بقايا حياة قطعة خبز، ماء عكر، أو مأوى للطفل الذي يصرخ بلا مأمن، الأزواج والأقارب رحلوا أو قُتلوا، والتهديدات تحاصرهن من كل اتجاه، لكنهن يبقين في الشوارع والمنازل المدمرة، يتنقلن بين الحطام والرصاص.
طُمست مدينة الفاشر التي كانت تُعرف باسم مدينة "فاشر السلطان"، التي كانت يومًا ما مقر السلطان علي دينار الذي تكفل بإرسال كسوة الكعبة إلى مكة كل عام، تغير حالها لتصبح عاصمة الجوع والتعذيب، فمن أرض ينعم أهلها بالاستقرار إلى عاصمة للموت المحقق. الكلمات عاجزة عن وصف ما يجري في السودان، إذ الواقع أصعب من الرواية عنه فحسب، يقول الأمين العام الأممي أنطونيو غوتيريش: "في السودان، يُذبح المدنيون ويُجوّعون، وتُكمم أفواههم، وتواجه النساء والفتيات عنفًا لا يوصف.
إن الحرب التي اندلعت في 15 أبريل/نيسان 2023، دمرت كل الدولية، إذ يحتاج السودان إلى 700 مليار دولار لإعادة الإعمار، لكن من سيطيب الجراح التي فُتحت ولن تغلق، من سيعوض طفل عن مستقبله الذي دُمر، من سيطوي عامين من النزاع والتعذيب، من سيعيد للنساء كرامتهن في دولة سُحقت بها الكرامة.
في الفاشر، النساء ليست مجرد ضحايا، هنّ الظل الذي يتحرك بين أنقاض المدينة، يحملن أوزار الموت والخوف على أكتافهن، كل يوم، يبحثن عن بقايا حياة قطعة خبز، ماء عكر، أو مأوى للطفل الذي يصرخ بلا مأمن، الأزواج والأقارب رحلوا أو قُتلوا، والتهديدات تحاصرهن من كل اتجاه، لكنهن يبقين في الشوارع والمنازل المدمرة، يتنقلن بين الحطام والرصاص، صامتات إلا من دمعة أو صرخة خافتة، حياتهن أصبحت نصًا من الألم، مكتوبًا على جدران البيوت المحترقة وعلى وجوه الأطفال الذين يصرخون من دون أن يسمعهم أحد.

