عندما يُغلق كل باب، وتضيق الأرض بما رحُبت، ويظنّ القلب أنه لن يعرف الفرج بعد اليوم، تأتي قدرة الله، في لحظةٍ لا تُنتظر، لتعلّمك أن المستحيل لا يسكن عند حدود السماء. كم من مرةٍ قلنا: “انتهى كل شيء”، فإذا بالأبواب تُفتح من حيث لم نتوقّع. وكم من دعاءٍ ظننّا أنه ضاع في السماء، لكنه عاد إلينا على هيئة فرجٍ، طفلٍ، دواءٍ، مأوى، أو حتى راحةٍ نفسيةٍ في عزّ الألم.
قدرة الله ليست فقط في المعجزات الكبرى، بل في التفاصيل التي نمرّ بها دون أن ننتبه. في تلك الصدفة التي أنقذتك من حادث، في ذاك الشخص الذي ظهر فجأةً وأعاد إليك شيئًا من نفسك، في ذاك اليوم الذي صبرتَ فيه رغم كل شيء. في الزوايدة، حيث الخيام تحاصرنا والغياب يثقل أرواحنا، نتعلّم أن الله لا يغيب. قد لا نراه، لكننا نلمس آثاره في كل شيء؛ في قلب أمٍّ تصبر على فقد ابنها وتقول: “الحمد لله”، في رجلٍ فقد بيته وما زال يوزّع الخبز على جيرانه، في طفلةٍ فقدت لعبتها وما زالت تغنّي للحياة.
قدرة الله ليست دائمًا في المنح، بل أحيانًا في المنع. حين يمنع عنك شيئًا، فربما يحفظك منه. حين يؤجّل أمنية، فربما يريد لك الأفضل. حين يُغلق بابًا، فربما ليفتح لك بابًا لا تجرؤ حتى على تخيّله. الإيمان بقدرة الله لا يعني غياب الألم، لكنه يضع الألم في حجمه الحقيقي. هو مرحلة، لا نهاية. هو امتحان، لا عقوبة. هو طريق، وليس هاوية.
نعيش اليوم ظروفًا قاسية، نُقتلع من بيوتنا، ونُحاصر من كل الجهات، لكننا حين نرفع رؤوسنا إلى السماء، نشعر أن هناك من يسمع، من يرى، من يُقدّر. الله لا يُغفل شيئًا، حتى دمعةٌ خفية، أو تنهيدةٌ صامتة، هي عنده بمقام الدعاء. وهذا اليقين هو ما يجعلنا ننهض كل صباح، نلملم بقايا الأمس، ونواجه هذا اليوم الجديد بإيمان: أن الله قادر، وأنه لا يُعجزه شيء، وأن من أخرج يوسف من الجب، قادرٌ أن يُخرجنا من هذا الظلام إلى النور.
ما أجمل أن نُربّي قلوبنا على هذه الثقة، أن نُذكّر أنفسنا أن ما من ضيقٍ إلا وله نهاية، وما من ظلمٍ إلا وله أجل، وما من حلمٍ إلا وله ربٌّ يقول له: “كن فيكون”. نكتب هذا المقال لا لنُجمّل الواقع، بل لنغرس فيه بصيصًا من نور، نورٌ نابعٌ من يقينٍ أن الله معنا، وإن كنا في الخيمة، وإن كنا بعيدين عن بيوتنا، فإننا لسنا بعيدين عن رحمته.
اقرأ أيضًا: غزة.. الجرح الذي أعاد تعريفنا
نؤمن بأن للوجع نهاية، وأن لكل صبرٍ ثمرة، وأن تحت الركام يولد الأمل، وأن ما نعيشه اليوم ليس عبثًا، بل لحكمةٍ إلهيةٍ قد لا نراها الآن، لكننا سنحمد الله عليها ذات يوم. إن قدرة الله تتجلّى حين تتبدّل الأحوال فجأة، حين يرفعك من الحضيض إلى القمة، دون أن تدري كيف، فقط لأنه قال للشيء: “كن”.
في كل خيمةٍ دعاء، وفي كل قلبٍ وجع، وفي كل عينٍ دمعة، لكن مع ذلك، في كل هذه الأماكن أيضًا: ربٌّ رحيمٌ لا ينسى عباده. ولعلّ هذا المقال، في بساطته، يحمل رسالةً لمن قرأه: لا تيأس، فربّك أقرب مما تتصوّر، وأحنّ عليك من قلبك، وأقدر على أن يُبدّل ضعفك قوة، ودمعتك بسمة.

