تشير تقارير المنظمات الحقوقية الفلسطينية والدولية إلى أنّ منظومة الاحتلال الإسرائيلي بجيشها النازي ودولته البربرية تنتهج منذ سنوات طويلة سياسة ممنهجة تقوم على اعتقال النساء من ذوي الأسرى، بهدف الضغط عليهم أثناء التحقيق أو معاقبتهم أو التأثير على معنوياتهم داخل السجن. وتُعدّ هذه السياسة شكلاً من أشكال العقاب الجماعي المحظور بموجب القانون الدولي الإنساني، كما أنها تمثل انتهاكًا صارخًا لمبادئ حماية المدنيين وخاصة النساء في أوقات النزاعات.
وهناك العديد من الأمثلة التي وردت في التقارير الحقوقية وفي تقارير المحامين أو على لسان الأسرى وذويهم ممن أدلوا بشهاداتهم بعد التحقيق ممن تعرضوا للتعذيب، وأحد أقسى أشكاله التهديد باعتقال الأهل أو تعذيبهم أو نفيهم وأشكال أخرى لا تمت للأخلاق البشرية بأي صلة.
تقول المنظمات الحقوقية مثل الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، ومؤسسة الضمير، ونادي الأسير الفلسطيني، والمركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، والمركز الفلسطيني للدفاع عن الأسرى، على أنّ الاحتلال يستخدم اعتقال زوجات وأمهات وأخوات الأسرى وسيلة لكسر إرادة الأسير أثناء التحقيق، وابتزازه للحصول على اعترافات، والمساس بمعنوياته من خلال استغلال تعلقه بعائلته، وتوليد ضغط نفسي شديد حين يرى الأسير قريبة له تُستدعى أو تُعتقل أو تُنقل إلى غرف التحقيق.
وقد ورد في شهادات أسرى محررين أنّ المحققين يستخدمون جملة صريحة: "سنحضر زوجتك أو أمك أو ابنتك إلى التحقيق إن لم تعترف." وتشير تقارير حقوقية إلى أنّ هذا الأسلوب يشكّل انتهاكًا واضحًا للمادة (31) من اتفاقية جنيف الرابعة التي تحظر استخدام الإكراه والتهديد لانتزاع معلومات.
حالات موثّقة من اعتقال النساء لهذا الغرض

أولاً: قضية الممرضة آلاء الهمص: كشف المركز الفلسطيني للدفاع عن الأسرى في أحد تقاريره الأخيرة أنّ الاحتلال يحتجز الممرضة آلاء الهمص لاستخدامها ورقة ضغط على والدها الطبيب مروان الهمص، لإجباره على الإدلاء بأقوال تخدم الرواية الإسرائيلية في ملفات معينة. وأكدت المؤسسة أن اعتقالها لا يستند إلى أي مبرر قانوني واضح، بل يندرج في إطار الابتزاز العائلي، وهو نمط اعتبرته المنظمات الحقوقية شكلاً من أشكال التعذيب النفسي.
ثانيًا: أسماء حامد، للضغط على زوجها الأسير إبراهيم حامد: تُعدّ قضية أسماء حامد من أبرز الأمثلة التي وثّقها الحقوقيون حول استخدام النساء كورقة ضغط. فقد اعتُقلت أسماء عدة مرات، وذكرت عائلتها ومحاموها أنّ التحقيق كان يتركز على زوجها إبراهيم حامد القابع في العزل حتى يومنا هذا، وأن الهدف المباشر كان الضغط عليه وإيصال رسالة تهديد واضحة.
أسماء أبو الهيجا – الضغط على زوجها الأسير جمال أبو الهيجاء

وثّقت منظمات عديدة اعتقال أسماء أبو الهيجا أكثر من مرة، في سياق الضغط على زوجها جمال أبو الهيجا المحكوم بالسجن المؤبد. وتشير الشهادات إلى أنّ اعتقالها لم يكن مرتبطًا بأي نشاط شخصي، وإنما جاء في ظروف تؤكد أنه عقابٌ عائليٌّ مقصود.ويذكر أن أسماء أبو الهيجا أم عبد السلام اعتقلت في فبراير/ شباط 2003 وقضت 9 أشهر في الاعتقال الإداري، كما حرمت من السفر للعلاج في الخارج بعد إصابتها بمرض السرطان، وأفرجت عنها في نوفمبر/ تشرين الثاني من ذات العام. وهي أم للأرى والشهداء، وقد توفيت حزنًا وكمدًا عندما اعتقلت ابنتها المحامية بنان أبو الهيجاء.
رابعًا: الصحافية شيرين العيساوي – الضغط على شقيقها سامر العيساوي: في واحدة من أكثر الحالات تداولًا إعلاميًا، اعتُقلت الصحافية شيرين العيساوي في الفترة التي خاض فيها شقيقها الأسير سامر العيساوي إضرابًا طويلًا عن الطعام. ووفق منظمات حقوقية عديدة، جاء اعتقالها في سياق الضغط على سامر وثنيه عن مواصلة معركته، وهو ما صرّحت به عائلتها ومحاموها في أكثر من مناسبة.
تؤكد التقارير الحقوقية أنّ هذه السياسة تخالف اتفاقية جنيف الرابعة التي تحظر العقاب الجماعي وتهديد المدنيين. والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي يمنع الاعتقال التعسفي. واتفاقية مناهضة التعذيب التي تعتبر الضغط النفسي عبر تهديد الأقارب شكلاً من أشكال التعذيب. كما تشير شهادات محامين إلى أن السلطات الإسرائيلية لا تقدم لوائح اتهام جدّية في كثير من هذه الحالات، بل تمدد الاعتقال الإداري أو التحقيق دون أدلة، ما يدل على استخدام الاعتقال كأداة ابتزاز وليس بناءً على شبهات حقيقية.
اقرأ أيضًا: زغاريد مؤجلة... أمهات رحلن قبل لقاء أبنائهن الأسرى
انعكاسات هذه السياسة على الأسرى وعائلاتهم، تسببت هذه الممارسات في: انهيارات نفسية للأسرى نتيجة الخوف على سلامة زوجاتهم أو أمهاتهم أو بناتهم. اضطرابات اجتماعية داخل العائلات بسبب الاعتقالات المتكررة. تفاقم المعاناة الإنسانية للنساء اللواتي يتعرضن للتحقيق والاحتجاز التعسفي. مسّ مباشر بحقوق الأطفال في حال تغييب الأم أو القريبة المسؤولة عن الأسرة.
وتصف مؤسسات حقوق المرأة هذه السياسة بأنها ضربة مزدوجة تستهدف الأسير من جهة، وأسْرَته من جهة أخرى. وإذ تُعدّ سياسة اعتقال زوجات الأسرى وابتزاز عائلاتهم ممارسة ممنهجة داخل منظومة الاعتقال الإسرائيلية، وليست حوادث فردية. بل جريمة قانونية وفق المعايير الدولية، وانتهاكًا أخلاقيًا وإنسانيًا بحق النساء والأسرى، وأداة ضغط غير مشروعة تهدف لانتزاع اعترافات أو للانتقام من الحركة الأسيرة.
ويطالب الحقوقيون بضرورة توثيق هذه الممارسات وتقديمها للجهات الدولية المختصة، لما تحمله من مخاطر على حماية النساء في سياق الحالة الفلسطينية التي يهدف فيها المحتل إلى استهداف النساء بشتى الطرق واختلافها.

