في أماكن كثيرة من هذا العالم، قد يبدو الطموح أمرًا طبيعيًا، حقًّا مكفولًا لا يحتاج إلى تفسير. أما في غزة، فالأمر مختلف تمامًا؛ الطموح هنا ليس خيارًا، بل فعل بطولة، موقفًا إنسانيًا، ومقاومة ناعمة في وجه واقع قاسٍ لا يرحم.
في مدينة تُقصف من السماء وتُحاصر من الأرض، يصبح الحلم رفاهية نادرة، ويصبح الطريق إلى النجاح أشبه بمسار مليء بالحفر والركام. ومع ذلك، ترى من يمسكون كتبهم في الأقبية، ومن يواصلون تعليمهم على نور شمعة، ومن يكتبون في دفاترهم وهم يسمعون صفارات الإنذار. في غزة، الطموح لا يُؤجَّل، بل يُصرّ عليه، ويُصاغ من تفاصيل الحياة اليومية المملوءة بالتحدي.
الطموح هنا ليس فقط أن تصبح طبيبًا أو مهندسًا، بل أن تظل مؤمنًا بأنك تستطيع، أن تحافظ على شغفك في وجه ما يُطفئ كل شغف. أن تحلم وسط الحطام هو بحد ذاته إنجاز، وأن تنهض كل صباح وأنت تُخطط للغد، رغم أنك لا تعرف إن كان الغد سيأتي، هو انتصار صغير يُراكِم بداخلك طاقة النجاة.
كم من طالبة تذاكر دروسها وسط الظلام، وكم من طفل يرسم أحلامه على الجدران المتشققة، وكم من شاب يُعد مشروع تخرجه بين أصوات الطائرات. قد يظن البعض أن هذه التفاصيل لا تُذكر، لكنها في الحقيقة هي التي تصنع الفرق، وتُعيد تعريف النجاح والطموح من جديد. غزة تعلمنا أن الطموح لا يحتاج إلى بيئة مثالية، بل إلى روح لا تنهزم. تعلمنا أن الحرب تُنبت أحيانًا أقوى العقول، وأن من يعرف الألم الحقيقي يُجيد فهم قيمة الأمل. لا نطمح لأن نهرب من الواقع، بل نُصمم على تغييره… بالكلمة، بالعلم، بالفن، وحتى بالصمت الذي يحمل في داخله ألف صرخة.
في غزة، الأمر مختلف تمامًا؛ الطموح هنا ليس خيارًا، بل فعل بطولة، موقفًا إنسانيًا، ومقاومة ناعمة في وجه واقع قاسٍ لا يرحم...
في غزة، الطموح ليس حلمًا فرديًا فقط، بل هو واجب جماعي. أن تنجح هنا يعني أنك تُضيف نقطة نور لهذا الوطن المُتعب، وأنك تُعلن بأن الحياة أقوى من القصف، وأنك تُعطي من يأتي بعدك سببًا ليؤمن بأنه يستطيع أيضًا. ورغم أن الطرق ملتوية والظروف قاهرة، إلا أن الطموح باقٍ في القلوب، لا يموت. ففي كل لحظة نتمسك بها بحلم، نُعلن للعالم أننا لا نُكسر بسهولة. فليكن طموحنا دائمًا ردّنا الأقوى، ولتكن أحلامنا دليلًا على أننا أحياء، نرفض أن نعيش بنصف روح أو بنصف أمل.
ففي غزة، لا تُقاس الحياة بعدد ما نملكه، بل بما لا نتخلى عنه. نحمل الحلم على أكتافنا، ونمضي به وسط العتمة، لأننا نؤمن أن من يعرف طريق النور لا يخاف من الليل. وسنبقى نحلم، نكتب، نزرع الأمل… لا لأن الطريق سهل، بل لأننا أبناء أرض خُلقت لتنهض، مهما سقطت.

