حينَ نتغيّر على أحد ونُبادر بالبُعد عنه يكون قد استهلكَ كل الفرص المُتاحة له. نحنُ لسنا بلا أصل لنترُك أحدًا عمدًا وبدون سبب، لقد سامحنا أكثر من مرّة وغضضنا البصر عن أكثر الأشياء المرهقَة، وتغابَينا في تصرّفات عِدة رغمَ أننا كنا مُدركين لكل شيء يفعله، لكننا سكَتنا منتظرين أن يعود إلى ما كان عليه ودونَ جدوى، نحنُ نعطي الكثير من الفرص حتى عندما نقرر الابتعاد، لا نحزن أبدًا، فضميرُنا مُرتاح جدًا.

نبتعِد بكل قوة ورغبة ونتجاوز رغمَ مرارة كل شيء، نحنُ لا نترُك أحد فجأة، نحنُ نغمرُه بالفرص حتى يُثبِت لنا أنه لا يستحقّها فعلًا. لا تعتقد أن كل من تسأله عن مكانٍ ما سـ يدلّك على الطريق الصحيح، بعضهم يصف لك الطريق لـ يزيد ضياعك

"ومن لم يكن نورًا لنفسه، لن تضيئه كل أنوار الكون".  أحيانًا نؤجل الحياة على أمل أن تأتي اللحظة المناسبة لأن نحيا... لا ندرك أنّ العمر ينفد، الصحة تذب، والنفس تزهد، وأنّ تلك اللحظة المناسبة لأن نحيا لن تأتي بصورتها المثالية أبدًا!

إياك أن تحزنَ على فواتِ الأشياء.. هناك أشياءُ كان ينبغي لها أن تزول إلى الأبد، كان هناك أشخاصٌ لا بدّ لهم من الرحيل بلا عودة، أن يعودوا غرباء.. هناك مواقف مريرة كان لا بدّ أن تمرّ عليك لتقوى على مواجهة غيرها في ما بعد، وهناك فرصٌ كان لا بدّ لها أن تضيعَ لكي لا تضيع أنت، وهناك أيامٌ لا بدّ أن تخلو عليك حتى تدرك قيمة الأيام التي ستحنو عليك.. لا تنظر لكل ما كان مرًّا على حقيقته، لا يمكن أن تعاني فقدًا دون أن تنال عوضًا بعده.

في مرحلةٍ ما من حياتكَ ستدرك أنك وبدون قراراتكَ الخاطئة التي ندمت عليها لأيامٍ ما كنتَ ستصل لوعيكَ الذي أنتَ به الآن، وأن هؤلاء الذين فتحتَ لهم باب قلبكَ على مِصراعَيه فدخلوه، فعبثوا براحَته وبَعثروا اطمئنانه، ثُم غادروه متهمينكَ بأبشع الكلمات، قد قدموا لكَ "بسواد قلوبهم" درسًا عظيمًا في اختيار الأقربين.

في تلك المرحلة ستتوقف عن النظر لندوبكَ بأسى، وتتحول نَظراتُكَ للفخر به، فكُل نَدبٍ ما هي إلا درسٌ مهمٌ في طريقٍ طويل قد سلكته لتكوين فلسفتك الخاصة للحياة، ووعيك بالطبيعة البشرية بخبثها ودهائها ،سيمضي بك الزمن وتُدرك يقينًا، أنَّ خير ما يظفر به الإنسان في هذه الحياة هو أثر طيب وذكر حسن أفعالنا وأقوالنا هي الريشة التي ترسمنا في قلوب الآخرين.. فلتكن رسماتنا رقيقة جميلة لا تنسى.

كن دائمًا من أهل العطاء ولو لم تملك من حطام الدنيا شيء، العفو عند المقدرة عطاء، الدعاء لأخيك بظهر الغيب عطاء، التماس العذر له وصرف سوء الظن به عطاء، الزود عن عرض أخيك في غيبته عطاء. 

يـقولــون أن المحبة والطيبة لا تليق بهذا الزمان... لڪن الحقيقة أن المحبة والطيبة تليق بڪل زمان ومڪان.. ولڪنها أبـدا لا تليق بڪل إنسان... فنحن نمضى في الحياة ونڪبر فى العمر.. تتسع دائرة المعارف، وتقل دائرة المقربين، والناس تدخل حياتنا تخرج لأسباب عديدة، والقليـل من يـمڪث فيها، أحيانًا الحياة أحداثها هي من تقوم بتصفية العلاقات تدون إرادتنا ولكن بصنيـعهم... ويبقى الود محفوظا للبعض ممن جمعتنا بهم الأيام يوما ثم فرقتنا عنهم الظروف... ولڪن القلب يأبى أن ينسى جميل صـنيـعهم.

الضُغوطات تغيّر الانسان بطريقة مُرعبة، فقد تجد فيه طباعًا ليست منه ولا تشبه، قد تراه شرسًا رغم حنيته، شريرًا وهو طيب، قد تراه ظالمًا هو مظلوم، كم من واحدٍ لطخت سود الليالي بياض قلبه وخسر نفسه الطيبة وكل من حوله لأنه كان يجاهد قساوة الأيام وقلة حيلته بالزعل والانفعال وكتمان كل شيء.

أصعب مقاومة عندما يقاوم أحدنا نفسه بين الحب والكرامة بين الـ لا والـ نعم، وبين القرار والاختيار! عندما تحتد المعركة بين الحقيقة والوهم، ثم يعافر ويتصنع اللامبالاة حتى لا يبدو ضعيفًا في عين أحد، عندما تشتد لديه رغبة قوية بالبكاء فـ يضحك كي يداري دموعا بالخفاء! ..ويقاوم جاهدًا على حساب قلبه وعقله وأحلامه.. إنها حقًا أصعب مقاومة أن تخطو ذاتك في واد وأنت في واد آخر، كُلٌ يُحارب في معركته الخاصة ،فلا تسألنَّ أحدًا لِمَ التعب.

ولا تعجبنَّ من شخص انهار بلا سبب، قد يخفي السبب عنك ويبقى الأثر واضحًا في أدمعه، محاولةِ إخفاءِ مافيه أو اضطرابهِ مابينَ حضورهِ وغيابِه، في صمتهِ وتلعثُمه، في السوادِ تحتَ عينيه.. ولا تلومنَّ جبلًا إن اهتز لعاصفة أو رياحًا غيَّر مسارُها الزمن، فوراء كُل ستارٍ سرٌّ لا يُدرِكه إلا صاحبُه، ولا يعلم ما به أحد إلا الواحدُ الأحد، فقط ادع لهُ في قلبك أن يُهدِّئَ اللهُ سِرَّه.