بنفسج

الحج وعيد الأضحى: العودة لأصل الحكاية

الأحد 25 يونيو

كلّنا نتشوّق لعيد الفطر، العيد القادم بعد سنةٍ كاملةٍ من انتظار المناسبات التي تخصنا نحن المسلمون، ثم إن عيد الفطر يكتسب ميزته ومكانته في قلوبنا لارتباطه مباشرة بأحَب الشهور إلى القلوب، ولأنّ الفاصل بين عيد الفطر والأضحى هما شهران فقط فلعلّنا نحتاجُ تذكيرًا ينعِش شوقَنا لعيدِنا الثاني والمرتبط بأعظم شعائرنا وعباداتنا: شريعة الحج، فإن ارتبط عيد الفطر بالصيام والانقطاع عن الطعام لمدة شهر، يرتبطُ عيد الأضحى بالحجّ والأضاحي وتوزيع اللحم على الأقارب والأحبة والمحتاجين. فلنتعرف على ميزات خاصّة بعيد الأضحى.

ارتباط عيد الأضحى بالحجّ

الحج.webp
المسلمون من كل أنحاء العالم يطوفون حول الكعبة في موسم الحج

قُبيل عيد الأضحى تتزين الكعبة بثياب إحرامها وتتهيأ البقاع المقدسة لاستقبال المشتاقين من المسلمين، فقبل هذا العيد وخلاله نعودُ ببوصلة قلوبنا لنوجّهها إلى المنبع الأول لحكايةِ الإسلام الحبيبة، ورغم أن ديننا لا يرتبط بالمكان إلّا أنه يقدِّره، ويتيح لنا حين نزور مكة والمدينة المنورة وجبل عرفات أن نستردّ مشاهدَ السيرةِ الأثيرة ونتخيلها ونحسها في قلوبنا وداخلنا في أرضِ حدوثِها وحيث وقعَت تماماً مما يمكّننا من استشعارها بدقّة أكبر.

 ولعلّ البعيدَ عن البقاعِ العزيزة وفي غمرة مشاغل ومتاعب وأطماع الدنيا قد تفترُ همّته ويخفت صوت شوقِه، لكنه إن وُفِق لهذه الزيارة فسعى بين الصفا والمروة، وطاف حول الكعبة ليتذكر أن محور دورانه يجب أن يكون حول الكعبة (في الحج)، وحول قواعد دينه الإسلامي (طيلة العمر)، ورجمَ الشيطان ليتذكر عدوّه الأول، وابتهل إلى الله ودعاه على جبل عرفات، إن وُفِق لفعل ذلك فسيشتعل ما انطفأ ويرتوي الشوق الذي خفَت وتعود الروح لتطوف حول المحور الصحيح بعد أن أبصر صاحبها بكل جوارحِه قصص السيرة واستشعر كم تعب سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ومن ثم أصحابه ليؤدوا الأمانة ويوصلوا إلينا تعاليم الدين القويم.


اقرأ أيضًا: طفلي وعيد الأضحى: هل أسمح لطفلي أن يشهد الذبح؟


الحجّ وعيد الأضحى يذكّراننا أن الأفضلية للتقوى

كما أن الحجّ يلقّننا درسَ التواضع وإن خامرنا غرورٌ بعربيّتنا وأفضليّتنا يعود ليذكّرنا أن الأفضل هو التقي، وأن ديننا في حقيقته يجمعُ الناس من مختلف مشاربهم ليكونوا إخوةً لا ليتنازعوا أو ينشغلوا عن الهدف الأسمى بالعنصرية والانتصار للذات، في الحجّ لا وجود للأنا إلا في ما يخص العبادةَ والخشوع، في الحجّ يرتفع صوت "نحن" ودون التعاون والمسايرة والصبر والحلم قد يصعب أداء الشعائر المُعتمِدة على تناغم مؤديها وتلاحمهم وشعورهم أن حاضري الحج معهم هم أقرب المقربين إليهم رغم أنهم يلتقون للمرة الأولى، فجمع الناس للطواف والصلاة والسعي والعمل بروح الفريق لا أحسبنا نجده في غير الحجّ الذي فرضَه الله تعالى على المسلمين، وحتى الهدف العميق الكامن وراء الطواف والسعي يوضِح أن ما يهتم به هذا الدين أعمق بكثير من التمحور حول الذات ومن الأنانية والنجاة بالنفس بمفردها، بل إنه يحثّنا لنكون معًا ونعيش أهمّ لحظاتنا التعبّدية معًا، كالحج مثلًا.

يوم عرفة.. صندوق أمنيات المسلم

نعرف الكثير من المشاهد التي يتمنى فيها المحتفل بعيد ميلاده أمنيات قبل إطفاء الشموع، أو عندما يقصد مكانًا معينًا ليتمنى هناك ما يرغبه، وصادفنا مشاهد إغماض العينين لتمني أمنية عند مرور مذنب أو ظهور نجمة محددة، فهل نحن المسلمون محرومون من لحظة مشابهة؟

في الحقيقة، صندوق أمنيات المسلم موجود بالفعل، حتى وإن اختلفت الطريقة، يوم عرفة هو اليوم الذي نوعَد به بتحقيق أدعيتنا، وكم من قائمة أمنيات ورغبات وضعناها قبل عام كامل لنبتهل ونرجو تحققها في ذلك اليوم العظيم يوم عرفة.

نعرف الكثير من المشاهد التي يتمنى فيها المحتفل بعيد ميلاده أمنيات قبل إطفاء الشموع، أو عندما يقصد مكانًا معينًا ليتمنى هناك ما يرغبه، وصادفنا مشاهد إغماض العينين لتمني أمنية عند مرور مذنب أو ظهور نجمة محددة، فهل نحن المسلمون محرومون من لحظة مشابهة؟

في الحقيقة، صندوق أمنيات المسلم موجود بالفعل، حتى وإن اختلفت الطريقة، يوم عرفة هو اليوم الذي نوعَد به بتحقيق أدعيتنا، وكم من قائمة أمنيات ورغبات وضعناها قبل عام كامل لنبتهل ونرجو تحققها في ذلك اليوم العظيم يوم عرفة، وهذا اليوم الذي يسبق أول أيام عيد الأضحى يزيدُ العيدَ معنىً ويثبّت غلاه وقيمته في القلوب.

عيد الأضحى ونشيدُه المميز

لا تكرار ولا إمكانية للملل مع عيدينا، فلكلّ عيد مشاعره ولازماته المتعلقة به، والتلبية من أحلى تفاصيل عيد الأضحى، تضيفُ للعيد بكامله صوتًا أخاذًا ينافس الموسيقى التصويرية في جماله ويتردد بحناجر الحجيج ومن لم يتسنّ لهم حضور الحجّ أيضًا ليعلن الاستجابة والتسليم والإيمان بخالقنا وحده فيسمَع الصوت الدافئ من الشبابيك وشاشات التلفزة والمساجد ويصبح للعالم كله لسان واحد يردد: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك.


اقرأ أيضًا: لماذا أُمِرنا نحن " معشر النساء" بصلاة العيدين؟


عيد الأضحى وذبح الأضاحي (هدفها ومعناها)

 يقول متحذلقون بأننا عنيفون ومسيئون للحيوان ويدعون الناس ليكونوا نباتيين رغم أن للنبات أيضًا روح لو تناولنا الأمر من منظورهم، والمثير للسخرية أنهم لو نظروا لتعليمات ذبح الأضحية لوجدوا فيها حرصًا كبيرًا على مشاعر الذبائح في الوقت الذي يقيم فيه أمثالهم مهرجانات لتحريض الثيران على بعضها والإساءة للحيوانات دون أي هدف إنساني أو مجتمعي.

تدور جدالات كثيرة لا معنى لها حول موضوع الأضحية، ونحن إن فنّدناها للرد عليها فليس ذلك لأهميتها بل لتوضيح أنه ما من شعيرة في ديننا إلا ولها حكمة. يقول متحذلقون بأننا عنيفون ومسيئون للحيوان ويدعون الناس ليكونوا نباتيين رغم أن للنبات أيضًا روح لو تناولنا الأمر من منظورهم، والمثير للسخرية أنهم لو نظروا لتعليمات ذبح الأضحية لوجدوا فيها حرصًا كبيرًا على مشاعر الذبائح في الوقت الذي يقيم فيه أمثالهم مهرجانات لتحريض الثيران على بعضها والإساءة للحيوانات دون أي هدف إنساني أو مجتمعي.

 ونحن لا ننكر أن البعض قد لا يلتزمون بتعليمات ذبح الأضاحي وذلك بالطبع مرفوض إلا أنه لا يعني سوى خطأ أصحابه ومن عادة وطبيعة البشر أن يحرّفوا القواعد ويضيفوا إليها ولو من غير عمد، فالصحيح أن نذكّر بضرورة الرأفة والرحمة بالأضحية لا أن ننكر الأمر برمّته.

هناك آخرون لا يرفضون تناول اللحم أو ما شابه لكنهم يثيرون الجدل بأفكار من مثل: "لماذا لا توزعون ثمنها على الفقراء ليقرروا بأنفسهم ماذا يلزمهم وماذا سيشترون؟" والحقيقة أن هذا الكلام مردود على أصحابه، فديننا يوجب الزكاة والصدقة في أوقات عديدة وكثيرة ويجعل من الصدقة سبيلًا لدفع البلاء، فإن أوجب الأضحية فهي صدقة لها نوع خاص ومن المضحك أن نطالب بتحويلها إلى مال.

هناك آخرون لا يرفضون تناول اللحم أو ما شابه لكنهم يثيرون الجدل بأفكار من مثل: "لماذا لا توزعون ثمنها على الفقراء ليقرروا بأنفسهم ماذا يلزمهم وماذا سيشترون؟" والحقيقة أن هذا الكلام مردود على أصحابه، فديننا يوجب الزكاة والصدقة في أوقات عديدة وكثيرة ويجعل من الصدقة سبيلًا لدفع البلاء، فإن أوجب الأضحية فهي صدقة لها نوع خاص ومن المضحك أن نطالب بتحويلها إلى مال، لأن الصدقات منها ما هو بالمال، ومنها ما هو عيني كالطعام والملابس، ومنها صدقة الكلمة الطيبة والمعونة والدعم، فليس الأمر أننا أهملنا نوعاً من هذه الأنواع، على العكس، نحن مطالبون بتأديتها كلها حسب الاستطاعة.

 ويجدر بنا القول إن علينا توزيع اللحم على الفقير المحتاج رحمة به، لأننا عندما ننقده المال دائمًا لن يضع الطعام أولويةً عنده وسيسارع بسبب احتياجه لدفع قسط أو شراء ثوب أو ما شابه ولن يتسنى له بهذه الطريقة تناول هذا العنصر المهم لبناء جسده وأجساد صغاره، فالهدف هذه المرة أن يأكل اللحم ويجبر خاطر أولاده فلا يشعروا بنقص ولا يحسوا بشوق لهذه اللذائذ ولا يحزنوا لأنهم لم يجربوها من قبل على الإطلاق، الصدقة المالية والزكاة واجبتان أيضاً وعبرهما يؤدي المحتاج حاجاته المختلفة لكنهما مختلفتان تماماً في هدفهما عن الأضحية، والهدف الختامي هو التكامل في الأعطيات لتغطي جميع الاحتياجات.


اقرأ أيضًا: "بأي حال جئت يا عيد: اكتئاب الأعياد.. الأسباب والحلول


وغير ذلك فإن الأضحية تذكرنا بالذبح العظيم الذي افتديَ به سيدنا إسماعيل بعد انصياعه هو وسيدنا إبراهيم لأمر الله تعالى دون نقاش، فنحن نكرر عيش هذه المعاني الجليلة ونستحضر هذه الحكاية كلما أقبل عيد الأضحى.

في الأضحية أيضًا كرمٌ وتعويد على البذل، إذ أن لأحبتك وأقاربك وللمحتاجين نصيباً من طعامك لا بد أن تتذكرهم به، ومن ثمَ يحق لك تدليل نفسك واختصاصها بوجبة لذيذة تلتم إليها مع أسرتك تشكرون الله تعالى وتمضون عيدًا مميزًا. ثم يتكلل العيد بتبادل الزيارات مع العائدين من بيت الله الحرام وتهنئتهم وسماع قصصهم عن حج هذه السنة وروحانياته وصباحاته ولياليه.

عيد الأضحى مميز استحق أن تكون لنا معه هذه الوقفة، لا تنسي أن تطلبي ممن سيحج هذه السنة أن يدعو لك، ولا تنسي أن تتذكري نفسك وأحبتك وتتذكرينا في قائمة دعوات يوم عرفة.