بنفسج

الأمومة في غزة: خطر وجودي يواجه بإبادة جماعية

الثلاثاء 14 نوفمبر

 في هذا المقال سأبحث في عمليات الإبادة الجماعية التي يمارسها الاحتلال بحق الأمهات والأطفال، والحوامل منهن على وجه الخصوص، وسبب هذا الاستهداف المقصود، وآلته العسكرية الضخمة المتطورة "اللأخلاقية" التي آلت إلى تدمير البنية التحتية، وأبرزها المؤسسات والمراكز الطبية، فإذا ما فلت أحدنا من القصف المدمر والقنابل الفسفورية فلن ينجو في مراكز الإيواء، ولن ينجو كذلك من طريق النزوح "الآمن" المزعوم. سأتحدث عن الواقع الطبي نسبة إلى احتايجات الحوامل والرضع والتي ستؤول بكل هذه الحالات إلى موتهم!

إنني أفترض أن الاحتلال يهدف من هذه الإبادات إلى تحديد جيل بأكمله، على سبيل أن هذا الجيل سيحتفظ بذاكرة تزدحم بصور القتل والتعذيب والمجازر، هذا الجيل قسم منه في رحم أمه وقسم نُحر في حاضنات الأطفال وقسم منه لا يتجاوز الخمسة سنوات، من ينجو منهم لن ينسى!

قالت وزارة الصحة الفلسطينية أن هناك 50 ألف حامل ويزيد، وأن خمسة آلاف وخمسمئة ولدن خلال شهري أكتوبر ونوفمبر، أي خلال الحرب وتحت القصف والردم والظروف الصحية الصعبة جدًا، وخروج معظم المستشفيات والمراكز الصحية عن الخدمة، ونفاد المعداد الطبية والأدوية، ومواد التخدير.

ماذا يحدث للحامل في غزة؟

فكر 3.jpg
بحسب وزارة الصحة الفلسطينية 50 ألف سيدة حامل في غزة، 5 آلالاف سيدة منهن ستضع حملها قريبا

في الوضع الطبيعي للحامل، يوصي الأطباء عادة بزيارة الحامل للطبيب المختص أسبوعيًا في شهرها الأخير، للتأكد من حركة الجنين وصحته ووزنه وكمية المياه المحيطة، وحال المشيمة، ويتخذون إجراءات طبية خاصة للحوامل اللواتي يعانين من الضغط أو السكري أو تسمم الحمل، وبعض الحالات الخاصة أياً كان نوع المرض وخطورته. وفي حالة المخاض تتوجه الأم إلى المستشفى وتتلقى عناية طبية في غرفة خاصة سواء احتاجت طلقًا اصطناعيًا أو مخففًا للألم أم عملية قيصرية، وكل ذلك يتم في غرفة معقمة وتحت رعاية طبية حثيثة بمساعدة الطبيب والقابلات، وإذا كانت حالة الأم خاصة يوليها الطاقم الطبي مزيدًا من العناية.

الأمهات اللواتي يحتجن عمليتات قيصرية تجرى لهم العمليات بشق البطن دون تخدير، ويضع الطبيب شاشا ممبتلًا بالخل الأبيض لتخفيف الألم، وتشعر الأم بحركة المقصات والمشارط، وإذا تعرضت إلى نزيف فإن الطبيب يضطر إلى استئصال الرحم لإنقاذ الأم

إننا نتحدث في هذا التقرير عن وضع الحوامل في غزة، وأعدادهن بالآلاف، ونحن نقبل على الشهر الثاني للحرب، والبنية التحتية تكاد تكون منهارة، إذ أعلنت وزارة الصحة أن المستشفيات جميعها خرجت عن الخدمة وعدد بسيط جدا يعمل بشكل جزئي؛ إذ نفد الوقود، وأصبح الأطباب يعملون في الظلام، واستشهد معظم مرضى العناية الحثيثة والأطفال الخدج في الحاضنات، ومرضى غسيل الكلى، ورحل الباقون مع النازحين على أسرتهم وقد جرها المشاة معهم لساعات، وبعضهم يموت خلال ذلك. بل إن مستشفيات مثل الشفاء والإندونيسي والمعمداني تمارس فيها مجازر وإبادة جماعية، بعد القصف بالطيران والمدفعي وتحولت ساحاتها إلى مقابر للجثث، وحوصر باقي المرضى والطواقم الطبية داخلها، دون كهرباء ولا طعام ولا ماء.

وقد هوجمت مستشفيات مركزية وتسببت بهدم كبير وطوابق كاملة، منها "الشفاء"، و"المستشفى الإندونيسي"، و"المستشفى الأهلي"، و"المركز الدولي للعيون"، و"مستشفى الصداقة التركي الفلسطيني"، و"مستشفى القدس"، وغيرها.

الحوامل: ولادات مبكرة أو إجهاض

إن هذا يعني بطريقة ما إبادات جماعية وقتل مقصود للأمهات الحوامل تحديدا والأمهات وأطفالهم والأجنة في أرحامهن.
 
وإن معظم الشهداء هم من فئة الأطفال بشكل مقصود، والأجنة وحديثو الولادة ينتهون إلى المصير ذاته، أفلا تستهدف إسرائيل إذن النمو السكاني في غزة، والعبث بنسبة المواليد أو النمو الطبيعي والمرتفع لها، وكأنها تحد جيلًا بأكمله وتشوه القادم منه. 

سجلت وزارة الصحة أعدادًا كبيرة من الحوامل اللواتي وصلن جريحات جراء القصف، وقد أجهضن بسبب تضرر المشيمة والإصابة بجروح متعددة وحروق. ومن ولدت منهن في الشهر السابع أو الثامن إما أن الجنين قد استشهد أو استشهدا معًا أو عاش الجنين وتوفيت أمه. هذه الأوضاع كانت تحدث أثناء عمل المستشفيات حتى لو بحدودها الدنيا، ولكن منذ أن نفد الوقود وحوصرت المستشفيات، ومورست إبادات جماعية بعد القصف المستمر. ونفذت المواد الطبية والأدوات المعقمة، أصبح الأطباء يجرون الولادات الطبيعة على الأرض لأمهات مبتورات الأطراف أو جريحات أو مصابات بحروق بالغة، وأصبحن يعانين ألمًا مزدوجًا مركبًا يصعب على الأطباء التعامل معه.

العمليات القيصرية

قيصرية.jpg
تُجرى العمليات القيصرية دون تخدير، تشعر الأم بحركة المقصات والمشارط، ولا يمكن حمايتها من أي مضاعفات صحية

نفرد للأمهات اللواتي يحتجن عمليات قيصرية بندًا خاصًا وذلك لأن التعامل معهن في المستشفيات بات يعتبر تعذيبًا، والآلة الحربية الإسرائيلية تعلم تمامًا أنها إذ هاجمت البنية التحتية لأي مدينة فإنها بمعنى آخر تبيدها، من خلال محاصرتها ومنع الماء والدواء والكهرباء والوقود والمعدات الطبية، أو أسباب استمرار أي مؤسسة طبية، وقد ذكرت في مقدمة هذا المقال مستلزمات المراكز الطبية من تعقيم وتهيئة وإلى ما ذلك، وهي الآن مفقودة تمامًا، وقد أصبحت أرضيات المستشفيات مأوى للنازحين، وممراتها مكانًا لعلاج الجرحى وقد امتلأت بالدماء، والمهول أن المستشفى تحول أيضًا إلى مقبرة عندما حوصرت المستشفيات.

وبذلك فإن الأمهات اللواتي يحتجن عمليتات قيصرية تجرى لهم العمليات بشق البطن دون تخدير، ويضع الطبيب شاشا ممبتلًا بالخل الأبيض لتخفيف الألم، وتشعر الأم بحركة المقصات والمشارط، وإذا تعرضت إلى نزيف فإن الطبيب يضطر إلى استئصال الرحم لإنقاذ الأم، فلا دماء تعطى لها، وإجراء يمكن أن ينقذها. منذ الأمس، بعد نفاد الوقود في بعض المستشفيات تمامًا، أصبح الأطباء يجررون العمليات على أرضية المستشفى باستخدام ضوء الهاتف، ونتيجة العملية تكون كالآتي: إنقاذ الأم والطفل في أدنى الظروف الصحية، استشهاد الأم وإنقاذ الطفل، استشهاد الطفل وإنقاذ الطفل، موتهما معًا.

وفي حال احتاج الطفل حاضنة إذا ولد مبكرًا، لم يعد خيار إنقاذه موجودًا إلا في حالات نادرة، فليس بالإمكان توفير أكسجين بعد الآن. وقد شهدنا ارتقاء عشرات الأطفال حديثي الولادة في حاضناتهم في مستشفى الشفاء.

طريق النزوح محفوف بالموت

اضطر الآلاف من أهل الشمال النزوح إلى جنوب غزة، وقد أوهم الاحتلال الإعلام بأنهم يأمنون معابر آمنة لهم، وقد وصلتنا عدد من الفيديوهات والمشاهد التي وثقت لعمليات قتل وإبادة للعزل الذين يمشون وأطفالهم على طول شارع صلاح الدين. وقد تناثرت الجثث، ومن بينهم أطفال رضع يبكون في حضون أمهاتهم الميتات، دون أن يستطيع أحد التقاطهم لأن بنادق القناصة تطلق على كل من يأتي بأي حركة أو يلتفت يمينًا أو شمالًا.

ماذا يعني استهداف الأمهات والأجنة

فكر 4.jpg
يحاول الاحتلال إبادة جيل كامل والعبث بنسبة المواليد والنمو الطبيعي لكونه يشكل خطرًا وجوديًا عليها

منذ اليوم للحرب والأمهات والأطفال والأجنة يستهدفون قتلًا وتعذيبًا وتشويهًا، ونعلم أن أكثر من 11 ألفا استشهدوا معظمهم من الناس والأطفال، وبأي آلة عسكرية! لقد حوربت الأمهات وأطفالهن واجنتهن ب 32 ألف طن من المتفجرات التي صنفت بأنها الأكثر تطورًا وفتكًا في العالم، بمواد فسفورية تسبب التشوهات والحروق، وتتفجر داخل الأجسام، فتسبب فتكًا مركبًا معقدًا قال الأطباء بأنهم لم يسبق لهم أن تعاملوا معه.

إن هذا يعني بطريقة ما إبادات جماعية وقتل مقصود للأمهات الحوامل تحديدا والأمهات وأطفالهم والأجنة في أرحامهن.وإن معظم الشهداء هم من فئة الأطفال بشكل مقصود، والأجنة وحديثو الولادة ينتهون إلى المصير ذاته، أفلا تستهدف إسرائيل إذن النمو السكاني في غزة، والعبث بنسبة المواليد أو النمو الطبيعي والمرتفع لها، وكأنها تحد جيلًا بأكمله وتشوه القادم منه. وهي تعلم أن خطوات كهذه تخلصهم من ذاكرة جمعية تكبر وتتعاظم، محو جيل باكمله شهد هذا القتل والإجرام والإبادة، وتتخلص من جيل مقاوم قادم يتسلم الراية، وجيل تعلم تمامًا أنه سيزيلها تمامًا.