بنفسج

غزة تغيث نفسها: مبادرات شبابية لتخفيف وطأة الحرب

الأحد 25 فبراير

تدعم المجتمعات المدنية بمؤسساتها، بالوضع الطبيعي، وفي كل منظومات العالم،  بالمشاريع والمبادرات الإنسانية والتطوعية التي تنفذها، بالتعاون مع المواطنين، ولكن السؤال هنا يبرز في ما إذا كانت مجتمعات الحرب قادرة على لمّ نفسها، والتعاضد، والتضامن في ما بينها، حتى تتجاوز محنة الحرب التي تمر بها.

 ونحن إذ نتحدث عن الحرب التي تشنها إسرائيل على غزة منذ السابع من أكتوبر 2023، التي تدخل شهرها الخامس، وهي حربًا شاملة بربرية لا تبقي ولا تذر، فلا تقتصر على آلة عسكرية مدمرة، بل حرب تجويع كذلك، إذ يفرض الحصار على غزة، الماء والكهرباء والطعام والإمدادات الطبية، في ظل غياب القوانين الدولية والإنسانية، وحماية المؤسسات التي كان يجب أن تتخذ دورها في حماية المدنيين مثل الصليب الأحمر، ومؤسسات الأمم المتحدة.

 وهي التي  تغيب عن المشهد، ولا تستطيع أن تحرك ساكنًا، فبقي العالم صامتًا متفرجًا يشاهد حرب إبادة شاملة، والغزيون يعلمون أنهم لا يستطيعون سوى الاعتماد على أنفسهم في ظل هذه الظروف، لا يستطيعون إلا التواءم مع هذه الظروف التي لا يكاد عقل بشري يتحملها، وكيف هذا التواءم؟

مصانع "البامبرز" في رفح: الحاجة أم الاختراع

صناعة بامبرز الأطفال في رفح.jpg
مبادرة مجتمعة لصناعة "بامبرز" الأطفال قامت عليها سيدات فلسطينيات في رفح-غزة 

تحمي مجتمعات الحرب نفسها بالتضامن، إذ تعود إلى أساليب بدائية بسيطة للعيش والاستمرار، عن طريق المبادرات التطوعية، والمشاريع الصغيرة، والنشاطات غير المنظمة، والتي يقول علماء الاجتماع بأنها تظهر دون تخطيط في شبكة علاقات اجتماعات، في منطقة محددة، إذ يجتمع أفراد الحي ويتعاونون عليها، أو أهالي مخيم النزوح، كما فعل الطفل حسام العطار، 15 عامًا، الذي استخدم ادوات بدائية لتوليد الكهرباء في منطقة المخيم بعد نزوحه من بيته إلى الجنوب.

 فالحاجة إلى الكهرباء كانت عاملًا محفزًا له، يقول حسام: "لقد استخدم أدوات خردة، أسلاك ومرواح وبطايات مستخدمة، ووصلتها، وعن طريق طاقة الكهرباء تمكن من إضاءة المصابيح في منطقة واحدة من المخيم، وإنني أحتاج مزيدا من الدعم لإضاءة المخيم بأكمله، لقد فرح أهالي منطقتي كثيرًا لهذا الإنجاز، بل وصاروا يلقبونني بـ نيوتن المخيم. أتمنى أن أخرج للتعلم في ما بعد".

وفي مبادرات أخرى قدم ناشطون الملابس والملاءات للأهالي النازحين والأطفال والمرضى. كما برزت حملات الطبخ بكميات كبيرة، اللحم، والعدس، والفاصولياء، وتوزيعها على النازحين. وحملات توزيع الماء والطعام والملابس للأطفال حديثي الولادة والحوامل، وغيرها من المبادرات التي تعاون فيها الأهالي والناشطين في مناطق تفتقر إلى أسباب الحياة الإنسانية.

وأما الحاجة إلى بعض المواد التي لا يمكن الاستمرار دونها مثل حفاضات الأطفال، فقد دعت الحاجة إليها وارتفاع أسعارها إلى تحول مصنع تدريب إلى مصنع خياطة حفاضات، تصنع فيه النازحات حفاضات للأطفال. يقول ياسر أبو غراره، مالك المصنع في رفح: "لقد حولت مركز التدريب إلى مصنع، نحول فيه الأقمشة والشاش والمطاط والقطن إلى فوط للأطفال، بعد أن أصبح سعر الكيس 55 دولارًا، وهو مبلغ لا يستطيع أهل غزة توفيره في ظل هذه الظروف الصعبة".

أما عبير قشطة، وهي امرأة نازحة في إحدى مخيمات رفح، فتقول: "لقد بدأت العمل في المصنع لتأمين احتياجات العائلات، إذ يزيد عدد النازحين في رفح عن مليون ونصف المليون، وأطفالهم بحاجة إلى الحفاضات، وأصبح الغلاء غير مقدور عليه، وأنا بهذا العمل أؤمن احتياجات عائلتي وأساعد زوجي، ويشكّل هذا المصنع البسيط، مصدر رزق للعديد من السيدات النازحات اللواتي يعانين من ظروف الحرب القاهرة".

ويشغل النازحين ويخفف من معاناتهم وخاصة السيدات، إما بخياطة وصناعة الحفاضات مقابل أجر يومي وإما ببيع قطع الحفاضات. ويساعد الناس في ظل عدم قدرتهم على توفير الحفاضات وشرائها بثمن مرتفع، لكن هذا المصنع أوجد بديلاً مناسبًا بأسعار مقبولة لكل فئات المجتمع.

عودة زمن الطابون

أجبرت الحرب وانقطاع الغاز والكهرباء سكان قطاع غزة على العودة إلى استخدام فرن الطين أو فرن الطابون. 
 
يتطلب بناء فرن من 3 أيام إلى عشرة، بحسب أشعة الشمس وسرعة جفافه، تُصنع هذه الأفران من التبن والرمل والماء، وأحيانًا الإسمنت وأوراق النخيل، وتتعدد أنواع الأفران فمنها ما يكون لإعداد الطعام والخبيز، وبعضها بمداخن لصنع الشاي أو تسخين الماء. 

أجبرت الحرب وانقطاع الغاز والكهرباء سكان قطاع غزة على العودة إلى استخدام فرن الطين أو فرن الطابون. يقول زياد أبو زعرب، وهو صاحب مبادرة صنع أفران الطين: "أجبرتنا الحرب العودة إلى الأساليب القديمة التي تساهم في سد بعض الحاجات، ولا يوجد لدينا وقود ندير بها الأفران الآلية، أنا عمل في هذا المجال منذ 20 عامًا. لذلك لجأت إلى بناء الأفران من التبن والرمل والماء، وأحيانًا الإسمنت، وأوراق النخيل، وأصنع انواعًا؛ إحداها الطباخة، للطبخ وصنع الشاي، والأكبر للخبز، وبعضها بمداخن لصنع الشاي أو تسخين الماء، وهي تعمل بالحطب. يتطلب بناء فرن من 3 أيام إلى عشرة، بحسب أشعة الشمس وسرعة جفافه. في الحرب تنعدم الإمكانات لذلك ألجأ إلى المتوافر من المواد والأدوات لصناعتها ولدي من يساعدني".

مبادرات إنسانية دون تخطيط

مبادرات شبابية لتوزيع الطعام على النازحين في خيام رفح.jpg
من أحدى المبادرات المجتمعية لإعداد الطعام وتوزيعه بالمجان على النازحين في خيام النزوح في رفح 

أما حسان زين الدين فهو طبيب اشترى دراجة  هوائية ليتنقل بها بين مناطق قطاع غزة لمتابعة المرضى خاصة أصحاب الأمراض المزمنة، بعد أن انعدم البنزين في القطاع.ومحمود زعيتر، 37 عامًا، فهو فنان وناشط فلسطيني، وقد لُقّب زعيتر بـ"وزير السعادة"، وهو ممثل كوميدي ساهم في تأسيس فرقة "تشويش" الشعبية الكوميدية.

برز خلال الحرب بمشاريع تضامنية ومبادرات اجتماعية تخفف العبء عن الناس، وتساهم بنشر الابتسامة على وجوه الأطفال، إذ بادر على سبيل المثال بما أسماه "حنية بالفطرة" خلال مروره من أمام محل للشاورما قدم له أصاحب المحل "سندويشة" شاورما بالمجان. وفي مبادرة أخرى، زار العديد من الأطفال وقابل بعضهم بالشارع وتحدث إليهم أنشد معهم وقدم لهم الهدايا والألعاب. ومبادرة تقديم المساعدات بعنوان "اضحك إحنا الأمل".

وفي مبادرات أخرى قدم ناشطون الملابس والملاءات للأهالي النازحين والأطفال والمرضى. كما برزت حملات الطبخ بكميات كبيرة، اللحم، والعدس، والفاصولياء، وتوزيعها على النازحين. وحملات توزيع الماء والطعام والملابس للأطفال حديثي الولادة والحوامل، وغيرها من المبادرات التي تعاون فيها الأهالي والناشطين في مناطق تفتقر إلى أسباب الحياة الإنسانية.