كانت سناء تخاف الفقد، تبوح لعائلتها عن خوفها الشديد من ذلك، تدعو الله أن يكون يومها قبل يوم الأحبة، قبل استشهادها كتبت لشقيقتها: "يمكن هي آخر مرة بقلك يا سورة إني اشتقتلك كتير، الله ما يفجعني فيكم أبدًا، وإن صارلي شي، ديروا بالكم على ابني يويو". في ما انقبض قلب شقيقتها سارة، وتساءلت هل هذه وصية؟ هل تشعر أختي سناء بقرب الأجل؟ متى ينتهي الفراق والألم؟
قابلنا سارة الريس شقيقة الشهيدة سناء، التي فرقتها الحرب عن عائلتها، كانت في شمال غزة رفقة زوجها وطفلها أيمن، وعائلتها في جنوب غزة تعاني مرارة الشوق لابنتهم، إذ انقطع الاتصال بها تبعًا لانقطاع الاتصالات عن شمال غزة في بداية أشهر حرب الإبادة الجماعية، تروي سارة عن اللحظات الأخيرة لسناء، وعن طفلها أيمن الناجي الوحيد من عائلتها الصغيرة.
ورحلت روح العائلة
في 6 ديسمبر 2023، وصلت رسالة إلى سارة من أختها سناء تقول: "أنا بخير اطمنوا". بعد 5 أيام من انقطاع الاتصال في شمال غزة، فعادت الروح لوالدتها التي كادت تموت من قلقها على ابنتها. وبعد دقائق وصل الخبر: "سناء شهيدة مع زوجها". فارتفع صوت النحيب في البيت الذي كان فرحًا برسالة من سناء بعد انقطاع خلال فترة وجيزة.
رفض الجميع التصديق فهاهي سناء أرسلت لنا أنها بخير، كيف حصل ذلك؟ تقول شقيقتها سارة لبنفسج: "كانت شقيقتي سناء نازحة من بيتها ولكنها عادت لتجلب بعض الحاجيات منه رفقة زوجها وتركوا طفلهم أيمن مع جدته، لكن أثناء وجودهم هناك انفجر حزام ناري في المنطقة، فاستشهدت سناء وزوجها".
في بداية الحرب، أخبرت سناء شقيقتها سارة أنها تشعر بأنها ستغادر الدنيا، توصيها على طفلها أيمن الذي كان يبلغ وقت استشهاد والديه 4 أشهر فقط، تقاطعها سارة ولا تتركها، تنهي الوصايا، ففكرة أن تعيش دون رفيقة الروح، كما تُسميها، شيء قاس للغاية.
اقرأ أيضًا: آلاء المصري: أمومة بعد 10سنوات عجاف.. خطفها الاحتلال
تضيف لبنفسج: "عشنا أيامًا مريرة وقت استشهادها، ندعو الله بالخلاص ولقاء قريب يجمعنا بالحبيبة، حادثت أحدًا ممن عاش معها في بيت النزوح من عائلة زوجها عن أحوالها في آخر الأيام فقال متفقًا مع من عايشوها: "كانت محلوة كتير وزي العروس، ودايما قلقانة عليكم بتحاول تروح من مكان لمكان ليلقط الإرسال لتتصل فيكم".
لم تهدأ سارة بل ازدادت النار المشتعلة في قلبها المقهور على سناء، كانت تود لو أن المسافات تطوى ويزول الحاجز بين شمال غزة وجنوبها لتركض نحو ابن سناء الناجي لتعانقه وتبكي فقط.
أحلام سناء اللينة النقية
عام ونصف والتساؤلات تنخر في قلب سارة، هل ماتت سناء على الفور؟ هل نزفت حتى الموت؟ كيف انهال الباطون على جسدها الرقيق ؟ بماذا فكرت في لحظتها الأخيرة؟ تردف سارة: "ما أثار جنوننا هو عدم قدرتنا على انتشال سناء وزوجها من تحت الأنقاض، بقيا عام ًاونصف تحت الركام حتى استطعنا في 20 مايو 2025، من انتشال أجسادهما المتحللة ودفنهما".
دفنت سناء رفقة زوجها التي أحبته وأحبها، حتى توج الحب بالزواج، وقبل الحرب بشهرين أنجبت طفلها البكر أيمن، لتبدأ بكتابة الأحلام لصغيرها، لكن لم تُحقق أي منها، وتتركه أمانة بين يدي عائلتها وعائلة زوجها. كبر أيمن وبلغ من العمر عامين، لا يعرف والديه إلا من خلال الصور، تحكي له سارة عن سناء وجهاد وتخبره كم كانا يحبانه. تضيف سارة: "يا الله شو كانت تحلم تجيب ولاد كتير، كانت بتحب العيلة وبدها تجيب أخوة وخوات لأيمن، كانت بدها تجيب بنت وتسميها إيمان".
منذ فراق سناء تعيش عائلتها في حزن وكسرة، تردف سارة: "تغيرت والدتي كثيرًا بعد رحيل سناء، تمكن منها الحزن ونال، ولكنها راضية بقضاء الله وقدره، يأتينا ابن سناء ثلاث أيام أسبوعيًا، فتتحسن نفسيتنا جميعًا، نرى وجه سناء حاضرًا، بضحكتها التي اشتقنا لها وصوتها الذي ما زال مسموعًا".