بنفسج

"كأنها أهوال يوم القيامة": عن مجازر الاحتلال اليومية في قطاع غزة

الأربعاء 17 يوليو

أربع مجازر حتى الآن خلال أقل من ثلاثة أيام، والمبرر واحد، وهو ملاحقة المقاومين، في حجج واهية تقول إنهم بين الناس وفي الأسواق والمصليات وغير ذلك، تدّب إثرها إسرائيل أطنان القنابل وتحوم القاصفات والكواد كابتر، في مربع سكني مكتظ، أو مدرسة إيواء، أو خيام، أو مصلى مهدم يتخذه الملون معبدًا لهم رغم أنه أنقاض. 

أول أمس هاجم الاحتلال منطقة المواصي غرب خانيوس في أحزمة نارية مرعبة وكثيفة قتلت كل شيء، ودمرت كل شيء، والمناطق سكنية ومأهولة، وقتل كل من اقترب من المنطقة خلال القصف ومن ضمنهم طواقم الإسعاف المدني، والمدنيين الذين هرعوا إلى المنطقة. ووصل عدد الشهداء إلى أكثر من 90 شهيدًا والجرحى إلى 300. 

مجزرة مواصي خان يونس: شهادات حيّة

الصمت العربي يعني مزيدًا من المجازر.jpg
صورة لرجل يودع والده بعد استشهاده في مجزرة النواصي في خان يونس 

كان المشهد مهولًا من وكأنه مشهد من مشاهد يوم القيامة، الناس يهرعون، يركضون حيث لا يعلم أي منهم إلى أين، الأشلاء انتشرت ف يكل مكان، نذكر من هذه المشاهد طفلًا صغيرًا يحتضن والده المسعف الذي ارتقى أثناء قيامه بواجبه في انتشال الشهداء قبل أن يصير واحدًا منهم، يقول الطفل وهو يصرخ باكيًا: "من سيوقظني لصلاة الفجر يا أبي، من سيؤم في، من يصطحبني إلى الصلاة يا أبي".

وطفل آخر يقول: "رحلت مبكرًا يا أبي، الشهادة مش خسارة فيك، الله يسهل عليك". هذه وقد كانت مشاهد الوداع مقتضبة سريعة لا مجال للوقت فيها، فالرماد يغطي المكان وكأنه ضباب أسود، والأنقاض متناثرة، ومن بينها بسطة لبيع المخبوزات والمعجنات، كان الخباز قد أتم عجنها وجهّز بعضها للبيع، قبل أن تختلط دماؤه في العجين والخيز وتملأ طاولة البيع، وكل شيء متناثر في المكان. 

مجزرة مخيم الشاطئ: شهادات حيّة  

طفلة تحتضن خالتها بعد استشهاد أمها.jpg
طفلة ترتمي في حضن خالتها بعد استشهاد أمها في المجازر التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي بحق أهالي غزة 

وبعد ليلة واحدة، بالأمس، ارتكبت إسرائيل مجزرتان أخريان، واحدة في مخيم الشاطىء وراح ضحيتها أكثر من 20 شهيدًا، تناثروا في كل مكان، وكأن الديار قد اختفت وأهلها، ولم يبقى منهم إلا آثارهم بعد أن احترقت الخيام. وفي خيام المواصي المشهد يتخلط بالدماء والطحين، حبال الغسيل وبقية الأواني الفارغة ومظاهر عيش أهالي الخيام الذين قصفوا وكانوا يظنون أنهم آمنين.

 بين مشاهد الدمار والخيام المدمرة يبحث الأهالي عن ذويهم وأصدقائهم، تلتقي فتاتان لا تستطيعان إيجاد أهلهما تعانقان بعضهما وتبكيان. بعض الأهالي وجدوا بعضهم والتم شملهم وبعضهم لم يبق منهم أخد.  تقول امرأة لا تكاد تستطيع المشي من هول الصدمة: 9 و7 سنين ولادي، رحت أعملهم أكل رجعت ما لقيتهم، يما يما، راحوا ولادي، تركتهم عند أبوهم رجعت ما لقيتهم... بنت سلفي البوبو شلتها وصرت أجري فيها (تبكي المرأة بحرقة وتلتقط أنفاسها) عمرها شهرين، طيب ولادي وين يالله...يالله أنا صابرة ومحتسبة بس مش قادرة بنتي ٩ سنين كبرتها. 

و طفلة صغيرة تحملها طفلة صغيرة أخرى تتصبب منها قطرات العرق والدموع، يسألها المصور، أين أهلك؟ تجيب الطفلة راحوا كلهم.. بينما كانت تلهو وأختها قصفت مدرسة الإيواء، واسمها، أبو عريبان، وهي مدرسة تأوي النازحين في مخيم النصيرات وتابعة للأنروا. 

تقول امرأة تجلس بملابس الصلاة ووجها وجسدها مغطى بالأتربة والغبار في ممرات المدرسة الغارقة بالدماء: "ما درينا إلا دبوا الصواريخ علينا، الشهداء مقطمين حوالينا". "كنت أنا وأختي بالشارع قاعدين، ما لقينا إلا هالدمار حوالينا من كل مكان."

وطفل يظهر رأسه فقط وتحاول طواقم الإسعاف إنقاذه ببطء حتى لا يؤذونه وهو مبصر يتفرج على الأهوال من حوله.  وطفلة لا تكاد تبلغ العامين تلتصق بالحائط وجهها وشعرها وكل جسدها مغطى بالأتربه تتطلع بدهشة وتمسح وجهها دون أن تبكي يصورها الصحافيون من كل جهة… هرع إليها رجل الدفاع المدني ليتفقد جسدها، وأظن أنها بخير ولكنها ناجية وحيدة من هول صدمة مرعبة.

مجزرة المصلى الأبيض: شهادات حيّة

مجزرة المصلى الأبيض.jpg
صورة من مجزرة المُصلى الأبيض 

مجزرة أخرى يركتبها الجيش النازي ولكنها هذه المرة كانت موجهة ضد المصلين في بيت الله، وهو المصلى الأبيض الذي يقيم فيه الأهالي الصلاة من فوق الأنقاض، وكانوا قد حسنوا منظره بسجادة قديمة. هبطت عليهم قنابل كثيفة موجهة تقصدهم في وضح النهار وعينه، أثناء أدائهم صلاة الظهر.

تناثر المصلون، كلهم أبناء حي ورفقاء وأصدقاء، وهذا ما علمناه من شهادات الناجين منهم، أحدهم يقول: "قاعد ألم أشلاء أصحابي الذين كنت أصلي معهم في هذا المصلى". وتقول أم صابرة محتسبة "ولادي راحوا، هذا دم محمد وهذا دم مروان مسك على مسك… ".

وتزغرد أخرى وتردد عبارات الحمد والاسترجاع: "راحوا كل ولادي… الحمدلله.. راحوا الأربعة… بفتخر فيهم، هيم اثنين استشهدوا وهم ساجدين، واثنين راحوا قبل...الله يرحمهم، شهداء". وامرأة تقول: "الله يحسر إسرائيل زي ما بتحسرنا ع ولادنا، أهلي كلهم راحوا ما ضل ولا حدا.. ".