بنفسج

المختارة لِيا: شهــيدة صغيرة شعرها كيرلي

الثلاثاء 23 يوليو

"هاي بنت بتطول العمر".. في الثامن من آذار أشعلت النور بمجيئها في حياة والدتها وكأنها لم تنجب قبلها، تنظر لها النظرة الأولى فتبكي، فترد "أبكي فرحًا وها هي المرة الأولى التي أتذوق فيها لذة دموع الفرح"، لُقبت ب "المختارة" لشخصيتها القيادية، اُستشهدت في السادس من يناير قبل ذكري ميلادها الرابعة بشهرين.

أحبها الجميع وبكاها في لحظات الوداع كل من رآها، اسمها "ليا" رقيقة كاسمها، لها إطلالة جذابة فتسرق قلب كل من تعامل معها وسمع صوتها الرقيق، تقول والدتها عنها: "الدبلوماسية صاحبة الذكاء الاجتماعي الخارق".

لم يكن أهل غزة يومًا مجرد رقم، فهنا نحكي قصة جديدة بطلتها الطفلة الشهيدة ليا راضي، تخبرنا والدتها أسماء نعيم التي نزحت من حي النصر إلى بيت والدها في النصيرات ثم إلى دير البلح عن ليا ولحظات الوداع الأخيرة، وألم فقد الابنة وما تلاه من آلام لا تنتهي.

المختارة الصغيرة لِيــا 

أمهات الشهداء الصغار الشهيدة ليا.jpg
صور للطفلة ليا راضي، التي استشهدت في قصف صهيوني راح ضحيته 7 من أفراد عائلتها 

تقول أسماء بصوت انتهي من بكائه للتو: "يوم استشهاد ليا رفقة 7 من العائلة، نمنا مبكرًا كعادتنا وبعد استغراقنا في النوم بوقت وجيز، سمعت صوت الانفجار ففتحت عيني أنظر، ورأيت بيتنا من مسافة بعيدة، في تلك اللحظة استوعبت أنني طرت لأرض الجيران من قوة القصف، كانت كل من ابنتاي ليا وريما في أحضاني، رأيتهما قبالتي لكنني لم أستطع الوصول لهما كوني مصابة، أصرخ والتراب في فمي ولا استجابة، لم أر دماء عليهما فاطمأن قلبي وقتها، ولكن سرعان من وصلني الخبر باستشهادها".

نقل كل الشهداء والمصابين للمستشفى، وكان مصاب أسماء جلل، فقد فقدت الابنة وثلاثة من شقيقاتها كل مع طفلها، إضافة لجدتها، فكان إجمالي الشهداء في البيت 7 وثلاث إصابات هي وابنتها ريما وشقيقتها، وسلم الله البقية بجروح طفيفة.

تعتقد شيماء أن ابنتها ليا لم تستشهد إثر الإصابة بل توقف قلبها من شدة خوفها، تضيف: "كانت ليا تخاف جدًا من أصوات الطائرات تقف على الشباك وتشير بيديها نحو السماء وهي خائفة وتقول "بطني بدق"، فأحاول طمأنتها وأقرأ معها القرآن لتسكن وتهدأ".

الليلة الأخيرة.. الوداع الأخير

عائلة الدكتور جمال عوني نعيم.jpeg
صورة جماعية لعائلة الطبيب جمال عوني نعيم التي استهدفها الاحتلال الإسرائيلي وفقدت 7 من أفرادها

"بدنا نروح على الدار ال blue" كانت ليا تلح على والدتها بهذا الطلب، لم تكن تفهم ما تريده الطفلة، فلم يكن أي حائط في منزلهم باللون الأزرق، تؤمن أسماء أن المرء يشعر قبل وفاته بدنو الأجل فربما كانت ليا تشعر بذلك، فتقول في رسالة لها: "سامحيني يا ماما، سامحيني كتير يا حبيبتي، والله لو بنفع لخبيتك بقلبي، والله ما في أغلى منك، سامحيني ما فهمتك لما حكيتي "بدنا نروح ع الدار الblue، سامحيني إن ما قدرت أحميك، سامحيني ما ودعتك، سامحيني ما حضنتك، ما قدرت والله ما قدرت".

أحب ليا كل من عرفها حتى جدة أسماء التي تبلغ من العمر ما يقارب ال٨٥ عامًا، ولم تكن تعجب بأي طفل تعلقت بها وقالت لوالدتها: "بدي اشتري هالبنت منك خلص هاخدها"؛ ولكن شاء الله أن يستشهدا سويًا، وعن المواقف التي تذكرها شيماء لجدتها مع ليا، تقول: " في يوم ما كنا منشغلين بإشعال النار للطبخ وجدتي تجلس لوحدها فجاءتني ليا تقول وهي تعاتبني: "ليش مش قاعدين مع تيتة"، فتذهب لها لتسألها عن إن كان لديها طلب ما لتفعله لها فتعرض عليها بصوتها الرقيق "بدك ميا.. بدك اعملك شي؟".

أسماء نعيم: جريحة تفقد ابنتها وأخواتها 

أسماء جمال عوني نعيم تنعى ابنتها الصغيرة ليا.jpg

لم تستوعب أسماء فقدانها لابنتها ليا وتعيش حالة من عدم التصديق، والنيران في قلبها لا تسكن بأي شكل كان، لا سيما وأن مصابها في الفقدان ليس في ليا فحسب بل في الشقيقات وأطفالهما أيضًا، فلم يتبق لها إلا شقيقة واحدة لتصبرها على فراق البقية، ولكن الحزن أكبر من أن يوصف والحديث  لا يعطيه حقه ولا يعبر عنه كما ينبغي.

أما عن ريما ومها شقيقات الصغيرة الشهيدة يصررن على البحث عن ليا، وها هي الشقيقة مها ترفض الحضن الجماعي اللواتي اعتدن عليه سويًا دون ليا، وريما التي أُصيبت بكسر في الجمجمة تنادي بأعلى صوتها على ليا ولا إجابة.

لم يبرد قلب شيماء أبدًا، فمن قال أن الأيام تدواي كل جرح بجدارة، هي تزيد من ألم الجرح المفتوح، احتسبت أمرها لله ورضيت بقضاء الله لكنها حزينة، تقول: "نحن بشر ومهما امتلكنا من قوة الإيمان سنبقى بشرًا، الإيمان يؤدّب النفس ولكنه لا يغيّر فطرتها،ثم ومن يبلغ شسع نعل النبي، وها هو قد أدماه فقد خديجة، وأبكاه موت ابنه إبراهيم، وفطر قلبه فقد عمه حمزة،نحن لا نبكي من قلة الإيمان، وإنما من كثرة الوجع".

لصاحبة الشعر الكيرلي: أمل في لقاء قريب

ليسوا أرقاما من قصص شهداء غزة.jpg

تلقت التعازي شيماء من كل المحبين ولكن ما آلمها يوم اتصلت بها مديرة حضانة ليا تسأل عن الأحوال وإذ بها تعرف بعد فترة طويلة باستشهادها نظرًا لانقطاع الاتصالات والإنترنت آنذاك، 15 دقيقة وهي تردد الحديث ذاته: "عنجد بتحكي ليا راحت طب كيف مش مصدقة".. ظلت حالة الإنكار والصدمة تسيطر عليها وشيماء تهدأ من روعها وتخبرها أنها راضية بقضاء الله وقدره.


كان لصاحبة الشعر الكيرلي ليا أحلام صغيرة تود أن تحققها، لكن الله استرد أمانته الجميلة التي وهبها لعائلتها، كانت تحب تيسير ابن خالتها الذي اُستشهد رفقة والدته في اليوم ذاته، تعلقا ببعض ورحلا سويًا، لم تكن يومًا تنعته بابن الخالة بل ب "أخويا"، تنهي أسماء حديثها معنا وغصة الحزن ظاهرة في صوتها إذ تقول: "إلى لقاءٍ قريب مع ليا، بصحبة النبي المصطفى مع سماح وشيماء وبتول وتيسير ولارا وستو الحجة يا حبايبي كلكم".