امتُحنت والدة الأسير علي الرجبي بالابن الأكبر والأصغر، وفي الزوج أيضًا، إذ اعتُقلوا ونكل بهم على مدار سنوات. صبرت وكانت نموذجًا لخنساء فلسطين المحتسبة التي دفعت الغالي والنفيس لأجل الوطن، ورث الأبناء الإيمان بالقضية وجدوى المقاومة من جدهم الذي اعتُقل خلال فترة الانتداب البريطاني 8 سنوات، حتى والدهم كان مطلوبًا للاحتلال لانخراطه في صفوف المقاومة واعتقل عدة مرات، انتظر الوالد حسن الرجبي أبنائه علي وباجس سنوات طوال يتنقل بين الزنازين لأجل نظرة واحدة تزيل الشوق، آمن حتى آخر أنفاسه بأن التحرر حتمي، حتى رحل إلى بارئه مشتاقًا لعناق مع فلذات أكباده في العام 2022.
بسلط هذا التقرير الضوء على الأسير المحرر علي الرجبي المولود عام 1976، والذي التحق بكتائب الشهيد عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة "حماس". أكمل الرجبي دراسته في المدرسة الإبراهيمية، لكن تم طرده منها بسبب إلقائه الحجارة والمولوتوف على جنود الاحتلال قرب الحرم الإبراهيمي وهو في عمر الـ14.
كان وجود بيت علي الرجبي بالقرب من "مستوطنة كريات أربع"، دورًا كبيرًا في تشكل فكره المقاوم والرافض للاحتلال، إذ تعرض لتنكيل الجيش الإسرائيلي للفلسطينيين في عمر مبكر، حتى واجههم عن قرب فاعتقلته قوات الاحتلال ليحصل على الثانوية العامة في الزنازين.
أما قسام ابنه يبلغ من العمر 24 عامًا أحضر له والده لأول مرة كيكة ذكرى ميلاده، وحين سُأل عندما كم عمرك الآن؟ أجاب: سنة واحدة فقط.
أفرج عنه ليعود إلى مدينته الخليل، وبما أنه الولد الأول في العائلة، تزوج في عمر ال 21 عامًا، ليرزق بثلاثة أبناء: براء التي كان عمرها 3 سنوات وقت اعتقال والدها للمرة الثانية، ويليها الحسن، ثم قسام الذي كان يبلغ عامًا واحدًا. اعتقل الاحتلال الإسرائيلي الرجبي في 9 مارس/آذار 2003، وتنقل بين أروقة مراكز التحقيقات، حيث تعرض للتعذيب الشديد حتى أُصيب بآلام خطيرة في الظهر يعاني منها حتى الآن حتى أضحت تمنعه من النوم والحركة، وآنذاك فقد عدد من أسنانه بعد التعذيب العنيف الذي تعرض لها.
وبمرور السنوات داخل الزنازين والإهمال الطبي المتعمد عانى من عدة أمراض منها وجود حرارة لا تزول في باطن القدم لا يُعرف أسبابها، خسر الرجل المقاوم 20 كيلوغرامًا من وزنه ليخفف الضغط على مفاصله ليزول ألمه لكن يزداد ألمه في ظل تعنت إدارة السجن في عدم تقدم الأدوية المناسبة لحالته.
حكم على علي الرجبي بالسجن 18 مؤبدًا، بتهمة الانتماء لكتائب القسام، إذ كان موكلًا بالتنسيق للعمليات الاستشهادية وتنفيذها، وأبرز ما أشرف عليه عملية محمود قواسمة الذي نفذ هجمة ضد الاحتلال في حيفا 2003.
لم ييأس الرجل المقاوم على الرغم من الحكم عليه بالسجن مدى الحياة، إذ عكف على حفظ كتاب الله كاملًا، وأكمل البكالويوس والماجسيتر والدكتوراه في الصحافة والإعلام في سجون الاحتلال، وحصل على السند المتصل أيضًا. كان أمله برؤية الشمس دون حجاب حاضرًا على الرغم من مرور 23 عامًا في غياهب السجن. وخلال السنوات التي كان فيها على مأسورًا داخل الزنازين الإسرائيلية كبر الأطفال وأضحوا شبابًا،تزوجت ابنته البكر فلم يرَ أول أحفاده، وأضحى له سبع من الأحفاد يشبهونه في صلابة النفس والأمل في أن لا بد للقيد أن ينكسر.
اقرأ أيضًا: المحررة رولا حسنين: كاد السجن أن ينسيني ملامح طفلتي
أُدرج اسم علي الرجبي في قائمة صفقة الأسرى الذي نُفذت في كانون الأول/ يناير 2025، ليصبح الرجل المعتقل منذ 23 عامًا حرًا، ليركض نحو والدته الذي أقعدها المرض، ليعانقها العناق الأول، وليقبل قدمها في مشهد أبكى كل من رآه، أما قسام ابنه يبلغ من العمر 24 عامًا أحضر له والده لأول مرة كيكة ذكرى ميلاده، وحين سُأل عندما كم عمرك الآن؟ أجاب: سنة واحدة فقط.
في ما قالت شقيقة الأسيرين على وباجس الرجبي: "من 23 سنة رح يجتمعوا إخوتي الثلاثة بحضن إمي.. إنه رح ينزلوا بقبر أبي بدل ما يحضنوه.. إنه أخي ترك ولاده لكن رح يحضن أحفاده.. إنه عمري ما لمست إيديهم أو لمستها مش متزكرة.. إنه كتير شغلات بحياتنا بنتعامل معها بشكل روتيني هلأ لكن هي بالنسبة الهم شي غريب.. أكل كتير هم محرومين منه لكن إحنا بناكله كل يوم.. إنه كتير من حبايبنا توفاهم الله وهم نفسهم يشوفوهم.. إنه لأول مرة هجتمع معهم على طاولة طعام واحدة".