بنفسج

بزنس مع "الإسرائيلين" ... So what؟

الخميس 18 يونيو

بمقطع حواري لا يتجاوز بضع دقائق، لخّص القصبي والشمري في مسلسل مخرج -7 التجاذبات حول فلسطين والقضية الفلسطينية في الواقع والوعي الجمعي السعودي الذي يشهد في الآونة الأخيرة موجة من التحديث واللبرلة شملت البنى الثقافية وأنماط التدين والعلائق الاجتماعية، تشرعها السياسة ويقننها الدين. تراوحت ردود الفعل على هذا المقطع خليجيا وعربيًا وفلسطينيًا بين المؤيد والمعارض، وصُعدت الحملات ضد قناة الـ mbc، باعتبارها تُرّوج للتطبيع مع " إسرائيل" بنهج لا تقبله شعوبنا العربية التي اعتادت أن تُقدّس القضية الفلسطينية، بوصفها حقيقة مطلقة، وحق لازم، وبوصلة أخلاقية، وكلمة الفصل بين الصواب والخطأ.

ببساطة شديدة يمكننا أن نختصر الحوار إلى جزأين؛ الأول يُروج للتطبيع بشكل صريح، والثاني يُحاول تبرير هذا الترويج والفاصل " so what!". وإذا كانت دعاوى التطبيع واضحة في الجزء الأول، فإن الجزء الثاني قد احتوى جملة من المغالطات والمبررات الواهية والمهترئة، بسياقات تحمل في طياتها أبعاداً أوسع من دعواى التطبيع منها:

 |  السياق العام: تأتي الدعوة إلى التطبيع لتنسجم مع المزاج العام الذي عززته وسائل التواصل الاجتماعي، والذي يدعو إلى الحريات وتقبل الرأي الآخر، ويرفض الإيمان بالمسلمات ويدعو إلى النقاشات وتحكيم العقول، فلا شيء فوق المساءلة العقلية حتى قضايا التدين والاعتقاد. ففلسطين محط للنقاش أيضاً، وفي هذا النقاش يظهر المطبع بشخصية المتمرد، الواثق بنفسه، بينما يظهر الآخر رومانسيًا، معتدلا يقبل الرأي والرأي الآخر.

 | إعادة تعريف العدو: في الحقيقة، فإن الحوار لا يروج لتطبيع العلاقات مع "إسرائيل"، بقدر ما يسعى لتعزيز بعض الخلافات بين الشعبين السعودي والفلسطيني وتحويلها إلى علاقة عداء تعيد ترسيم الحدود بين الذات والآخر. ليخرج الشعبين من الأطر الذاتية الجامعة سواء كانت عربية أو إسلامية، ويعزز الهوية القومية القطرية؛ فالعدو هو: "إليّ ما يقدر وقفتك معه، ويسبك ليل نهار". وبالعودة إلى مفهوم التطبيع؛ فهو محاولة خلق علاقات طبيعية مع الآخر/ العدو/ المستعمِر في السياقات المختلفة الاقتصادية منها والثقافية والاجتماعية، وإن أخطرها ما يمكن أن تمرره الرسالة الثقافية في مضامينها الرمزية، وإن الفن هو أحد أشكالها المتاحة.

وربما يقول قائل إن المشهد الوارد في المسلسل لا يحتمل هذا التأويل. ثمة صوتان؛ أحدهما يقول لم لا؟ ابتداء من لعبة عبر الإنترنت مع طفل "إسرائيلي"، وليس انتهاء بإقامة علاقات اقتصادية مع "إسرائيل"، وأن الفلسطينيين بمعنى ما لم يقدروا وقفة السعودية ودعهما للفلسطينيين، وأنهم ناكري الجميل ويستغلون كل فرصة لمهاجمة السعودية، الصوت الآخر يقول إن من الفلسطينيين من دافع ومن خان، من تهجر ومن طبّع، ليسوا سيان. أما خلاصة هذا الحوار، فهو أن فلسطينيين ليسوا خطًا أحمر، وقضيتهم تخضع للجدل والنسبية، فأنت كفلسطيني لا تُمنح صفة القداسة والأحقية دائمًا. ولكن دعونا نتذكر أمرا غاية في الأهمية، وهو أن مجازاة الفلسطينيين ومعاقبتهم، لا تكون تقديم جائزة لمستعمرهم.

 | القضية الفلسطينية، فلسطين، الفلسطينيين: يظهر بوضوح التداخل بين ثلاث مستويات مفاهيمية، وهي القضية الفلسطينية باعتبارها قضية إنسانية عادلة لشعب تعرض لكل أشكال التطهير العرقي، فسلبت أرضه وشرد وقتل أهله، وبين فلسطين باعتبارها مساحة جغرافية ذات خصوصية دينية، والفلسطينيين باعتبارهم مجموعة أفراد ينتمون إلى فلسطين. إن التفريق بين هذه المستويات المفاهيمية الثلاث يساعد في تأكيد الإجماع العربي على عدالة وقدسية القضية الفلسطينية، وأن أي محاولة للمساس بها بسبب تفريط بعض الفلسطينيين على مستوى الأفراد أو التمثيل السياسي فهو محاولة مغلوطة لا تخدم إلا العدو "الصهيوني".

 | الشعب السعودي أحق بخيراته وأمواله: هذا صحيح، هو أحق بأمواله التي تُصرف على لدعم الشعب الفلسطيني، أو لدعم مشاريع التسوية وعلى رأسها صفقة القرن.

 |  " إسرائيل" هي من يزرع العداوة بين الشعوب العربية: الصحيح إن "إسرائيل" تتودد إلى الشعوب العربية، وتحاول حشد الرأي الشعبي العربي لصالحها، بعد أن ضمنت أنظمتها السياسية. ووفقا لمبدأ أن صديق عدوي فهو عدوي، فإنها تستجلب بتدوددها لأي طرف، عداء الشعب الفلسطيني وكل الشعوب العربية. إن أصل الخلاف الذي ظهرت معالمه في مناوشات إلكترونية بين الأشقاء، يعود إلى رفض الشعب الفلسطيني لسياسات الأنظمة العربية الحاكمة اتجاه القضية، وهو أمر ليس بجديد، ولكن الجديد هذه المرة هو انتقاله من مستوى الرسمي إلى الشعبي.

 | "أصابع إديك مهي وحدة": في الحقيقة، فإن اليد في الوجدان والوعي الفلسطيني ترسم قابضة على الحجر أو ملوحة بالعلم، وفي هذه الحالة فإن الأصابع تتحد وتتشابه وتصبح واحدة، الفلسطينيين بشر صحيح، ولكنهم بشر قرروا أن يصنفوا أنفسهم تصنيفين لا ثالث لهما، فلسطيني أو خائن.