بنفسج

بهية نمور: تنتج 60 عملًا مصورًا وتحلم بالعودة لفلسطين

الخميس 18 يونيو

لم تكن خريجة علوم الفيزياء "بهية" سوى فتاة مصنوعة من حُلم، لا تعرف مكانًا واحدًا، ولا ترقد في "زوبعة الوقت"، كانت تتوقد بـ"الأفكار" وتتخذ من الآية القرآنية: "يا أيها الإنسان إنّك كادحٌ إلى ربك كدحًا فملاقيه"، مبدأ حياة مفاده "اعمل تبقى على قيد الحياة".

 

"بهية نموّر" فلسطينية مقيمة بالأردن، تُعرّف نفسها أولًا بأنها "أم" لثلاثة أطفال هم: "ميار وعمر وكرم"، ثم مخرجة أفلام وثائقية، تتطلع بشغفٍ دائم لحقوق الانسان وحريته أينما كان، باعتباره محور أفلامها وعالمها الذي لا تنتهي قصصه.

وبرزت "نمور" في إخراج الأفلام الوثائقية التي تقارب 60 عملًا مصورًا، على مدار 13 عامًا، خاصة تلك التي تتناول القضيّة الفلسطينية بما فيها قضية اللاجئين. حاز بعضها على جوائز مهمّة، منها حصول فيلمها "لن أبقى لاجئًا" على جائزة لجنة التحكيم عن فئة الفيلم المتوسط في مهرجان الجزيرة للأفلام الوثائقية، وجائزتي تونس والخليج لفيلمين آخرين أيضًا.

| باكورة أعمالها

بهية نموّر" فلسطينية مقيمة بالأردن، "أم" لثلاثة أطفال هم: "ميار وعمر وكرم"، ثم مخرجة أفلام وثائقية. برزت في إخراج الأفلام الوثائقية التي تقارب 60 عملًا مصورًا، على مدار 13 عامًا، خاصة تلك التي تتناول القضيّة الفلسطينية بما فيها قضية اللاجئين. حاز بعضها على جوائز مهمّة، منها حصول فيلمها "لن أبقى لاجئًا" على جائزة لجنة التحكيم عن فئة الفيلم المتوسط في مهرجان الجزيرة للأفلام الوثائقية، وجائزتي تونس والخليج لفيلمين آخرين أيضًا.

وفيما يتعلق ببدايات عملها في الإخراج، تقول بهيّة: "لم تكن الرحلة مع الأفلام الوثائقية ضمن خططي الدراسية، لأنّي درستُ الفيزياء في الجامعة الأردنية"، مضيفة "كان دخولي لعالم الإعلام في وقتٍ مبكر، ومارست هواياتي بكتابة المقالات في الصحف اليومية وفي إصدارات الجامعة وغيرها من نشاطات إعلامية، إلى أن جاءت لحظة الحظّ الفاصلة".

تضيف بهيّة في حديثها لـ "بنفسج": "كانت البداية عندما أردنا أن نحوّل واحدًا من نشاطاتنا الطلابية إلى حلقات (talk show) واستدعاني المخرج المكلف لغرفة التحكم والإخراج، ضمن عمل مع شركة طيف للإنتاج التلفزيوني، حيث كانت هذه التجربة مفتاحًا لتجارب أخرى".

"استدعتني الشركة مجددًا لأشارك كمساعد مخرج في حلقتين من برنامج "فلسطين تحت المجهر" لصالح قناة الجزيرة، وخلال 9 شهور من العمل في المكان انتقلت من مساعد مخرج إلى مخرج، وبدأت التجربة بشكلٍ عملي في الميدان، وهي على صعوبتها إلّا أنها كانت ثريّة وصنعتني فيما بعد"، قالت بهية.

لم تكتفي "نمّور" بموهبتها التي أهلتها للعمل، إنما ترافقت فترة عملها مع العودة إلى مقاعد الدراسة في الجامعة لمساقات تتعلق بالفيلم الوثائقي، وعدد من الدورات المتخصصة، وتأهلت لاحقًا لإخراج عملها الأول المنفرد".

ولأننا دائمًا ما نشعر بأن إنجازنا الأول هو ثمرتنا الأصيلة، و"ابننا البكر"، فلقد كان فيلم "متضامنون دوليون" هو الفيلم الأول لبهية. قالت عنه: "كان تحدٍ بكل معنى الكلمة، فهو فيلم لصالح سلسلة برنامج "فلسطين تحت المجهر" على قناة الجزيرة، وكان التعليق و"الستاند" تؤديه جيفارا البديري، وكان عليّ تولي ذلك كله، وخوض تجربتي الأولى في الإخراج المنفرد. جذبني الموضوع منذ البداية وأحببتُ أن تكون معالجته قصصية إنسانية بحتة، فأخرجته كما شئت، ونال إعجاب الشركة، كما فاز بجائزة مهرجان تونس للإذاعة والتلفزيون".

وحول أهم ما يميز بهية في عملها كمخرجة، هو ميلها بشدة لتقديم الفيلم الوثائقي بقالب أقرب للروائي، وللبناء القصصي والمعايشة، بعيدًا عن السردية".

| المقاومة بالفيلم

تقاوم بهيّة بفيلمها الوثائقي، وتعتبره "وثيقة وسلاح" وإعلاماً للناس جميعًا؛ إذ أن المقاومة هي الدفاع عن القضية، وبذا يكون الإعلام مقاومة، ربما يمتد أثرها لأجيال وتستمر حتى بعد موت صاحبها، بحسب قولها.

اللافت أنّه من بين 60 عملًا، كان فيلم "منسيون خارج الوطن" الأقرب إلى "قلب بهية" البهيّ، قائلة: "ربما لأن الفيلم عبّر عني بشكل أو بآخر، وجدتُ في قصص المبعدين عن فلسطين طوعًا أو جبرًا جزءا من ذاتي، سافرتُ لهم وقد تشتتوا في أوروبا وآسيا، في بلاد عديدة. لكنّ فلسطين بقيت تسكنهم وتسكنني، ربما هذا هو القاسم المشترك الذي جعلني أعيش جزءا منّي في الفيلم"، مضيفة "كلّ حلمي أن أعود إلى فلسطين".

"أنا ابنة فلسطين، فكيف لا تكون قضيتي". تردد بهيّة كلما سُألت عن حضور فلسطين في أفلامها وعن قضية اللجوء تحديدًا، مضيفة أنه: "من حق كل إنسان التمتع بأقصى درجات الحرية والعيش بكرامة على أرض وطنه".

تتعدد مصادر الأفكار ولا تقتصر على المخرج، وقد تأتي أحيانًا من رغبة القناة أو من فريق الإعداد في الشركة المنتِجة. ويكون الدور الأكبر للمخرج في إعداد الفكرة والمعالجة المناسبة للفيلم، وتمر جميعها بمخاض عسير من تفكير، وكتابة، ودراسة، وعصف ذهني، ونقاش يمر بمراحل متعددة لحين ولادة الفيلم. تقول نمور، مؤكدة: "محددي الأساسي أن تخدم فكرة الفيلم قضية الإنسان وحريته".

| "المايسترو" الشجاع

ببهية.jpg
بهية نمور خلال تصوير أحد أفلامها

وحول دور المخرج، تشير "نمور" إلى أنّه "المايسترو" والمنسق لجهود الفريق، يجمعها ويذيبها في بوتقة واحدة لتخرج فيلمًا بروح واحدة. مضيفة: "أسعى من خلال كل فيلم أن أوثق فكرة وأسطر خطًا في تاريخ الإنسان من وجهة نظري وكما أرى".

فالفيلم هو خلاصة عمل جماعي لفنانين يرسمون لوحة متكاملة أو معزوفة متناغمة تغدو فيلمًا وليس عملا فرديًا على الإطلاق، يعرف كلٌ منهم ما هو المطلوب، تلفت إلى ذلك بقولها: "عملتُ مع فرق عمل أفخر بهم جميعًا، تعلمتُ منهم الكثير، ونجحنا معًا بصناعة أفلام راضية عنها كل الرضا".

التحديات كثيرة، لكن "القوي" من ينجح في اجتيازها بأقل الخسائر حفاظًا على هدفه، تقول بهية: "إن لكل عمل وكل فيلم "تحدياته الخاصة"، تبعًا للمكان والزمان وطبيعة العمل وتعقيد القصص وحساسيتها أحيانًا، وما يتعلق بتوترات المنطقة وظروفها السياسية والأمنية، وكذلك صعوبة الوصول لبعض الشخصيات وإقناعها بالتصوير".

ووفقًا لبهية، فإن من تحديات العمل أيضًا، هو حساسية بعض القصص، فالتعامل مع الإنسان معقد بقدر تعقيده، والتصوير لا يخلو من التحديات، وكذلك رسم السيناريو وايجاد الحبكات المناسبة وخلق العقد وصولًا للمونتاج وإخراج الصورة في السياق المطلوب، جميعها تحديات تبدأ من فكرة الفيلم ولا تنتهي بعرضه.

إذن، فمن هو "المخرج الشجاع"؟ برأي "نمور" هو الذي يستطيع قول الحقيقة كاملة، والذي لا يسيطر عليه السبق الصحفي لعرض قصة، بقدر حماية شخوص فيلمه إن كان العرض يسبب لهم أيّ أذى، هو مخرج شجاع أيضًا.

|  أمٌ طموحة

بهيى3.jpg
بهية تتسلم من منى ستيورات جائزة لجنة التحكيم عن فيلم " لن أموت لاجئًا"

"الطموح لا يتوقف". توضح "بهية" أنها مستمرة بالعمل، بعدما انتهت هذا العام من فيلم يتناول حياة الدكتور حسن الترابي يُعرض على جزأين عبر قناة الجزيرة الوثائقية، كما باشرت العمل على فيلم استقصائي لصالح برنامج "تحقيق خاص" يعرض على الإخبارية، مضيفة "سأصور قريبًا في تونس فيلما لصالح قناة العربي الجديد".

نجاحات "بهية" لم تكن مرهونة بتطورها العملي فحسب، لقد نجحت في أن تكون أيضًا، أمًا رائعة وزوجة عظيمة وابنة بارّة، فحياتها العملية لا تنفصل عن حياتها الاجتماعية التي رأت فيها داعمًا ومكملًا، فأهدت "أمها" وردة، قائلة: "لقد ربتني أمي منذ الصغر على الثقة بدون حد، وعلى أعلى سقف من الحرية، فشكّلت شخصيتي وأمدتني بقوة لدوام المواجهة وعدم الاستسلام وعلمتني أن الحياة مليئة بالمعارك ولن نخرج منها دومًا بانتصار لكننا نسعى لذلك".

كما وجهت الامتنان الكبير لزوجها، قائلة "الشُكر لزوجي الذي أهداني ثلاثة أطفال هم حياتي، وكان لي سندًا ومشجعًا دائمًا؛ للاستمرار بالحياة والعمل، والتقدم رغم متطلبات عملي واضطراري للسفر، مضيفة: "الشخصيات من حولي تحفزني، وتلهمني عائلتي وعائلة زوجي، وزملاء العمل، وحتى شخصيات صادفتها في أفلامي".

المخرجة الوثائقية بهيّة نمور، حلمها العودة، وسلاحها المقاومة بالفكرة، والعمل على خلق الوعي وتوثيق التاريخ، ويقظة الناس، وإحياء قضايا الشعوب العادلة. ففي عملها اكتمال رسالتها وخطوة على طريق الحُلم، وهي تعرّف النجاح بعد 13 عامًا من العمل بـ "أن توثق حقيقة وتنقل قصة، تلقى اهتمامًا وحلاً لصاحبها".