بنفسج

نساء الأقصى وزيتونه... العناق الأصعب!

الإثنين 08 يونيو

رُفع أذان الظهر من مآذن المسجد الأقصى، ونفيسة خويص (67عاما) تقف خارجه، تملك النظر إلى المئذنة وسماع الأذان فقط، "الريحة ولا العدم" تقول خويص، لكنّ رائحة الزيتون فاتتها، كما فات أناملها سوادٌ محبب مرده قطف ثمار الشجرة المباركة.

فالسيدة الستينية تدور حول سور المسجد منذ الصباح الباكر، من باب إلى باب دون أن تسمح لها شرطة الاحتلال بدخوله تزامنا مع اقتحامات المستوطنين له. لكنها لا تمل، وتستمر بالمحاولة ساعات وأياما، حتى ملّ منها الأعداء فسألها أحدهم: "وينك عن زوجك وأولادك؟"، فترد: "زوجي الأقصى وأولادي زيتون الأقصى!".

تسكن خويص جبل الزيتون، الطور، الملاصق للأقصى، وكأنها حين تسعى للمسجد وزيتونه تنتقل من أكفان زيتون الطور المبارك إلى زيتون الأقصى الأكثر بركة لتنال نورا على نور.

| اقتحامات صهيونية

تربض أكثر من 600 شجرة زيتون في المسجد الأقصى على مساحة 144 دونما، تنتظر قاطفيها الذين حُجزوا عنها.
 
حيث يتركز جزء كبير من الأشجار في محيط باب الرحمة ومصلاه شرق المسجد، والذي كان ثكنة عسكرية بمعنى الكلمة لحماية المقتحمين الذي تقصدوا الوقوف في محيط الباب والصلاة، ولإبعاد أي مصلٍ "يعكر صفو" استفزازهم هذا.

كان موسم قطف الزيتون في المسجد الأقصى هذه السنة عصيبا، فقد تزامن واقتحامات المستوطنين المكثفة بحجة أعيادهم التي تزاحمت في شهر تشرين الأول- أكتوبر، حيث تبلغ الاقتحامات أوجها في الصباح الباكر، مقابل منع المصلين من الدخول، أو تسليمهم قرارات إبعاد، أو استدعاءات للتحقيق.

تربض أكثر من 600 شجرة زيتون في المسجد الأقصى على مساحة 144 دونما، تنتظر قاطفيها الذين حُجزوا عنها، حيث يتركز جزء كبير من الأشجار في محيط باب الرحمة ومصلاه شرق المسجد، والذي كان ثكنة عسكرية بمعنى الكلمة لحماية المقتحمين الذي تقصدوا الوقوف في محيط الباب والصلاة، ولإبعاد أي مصلٍ "يعكر صفو" استفزازهم هذا.

بعد انتهاء الاقتحامات، يتسابق المصلون لعناق أشجار الزيتون، وعناق الأرض التي احتضنت جذورها وأمدّت أغصانها وثمارها بالبركة. مصلون أتوا من القدس والداخل الفلسطيني، لبعضهم أراضٍ مليئة بالزيتون قاموا بقطفها، لكن زيتون الأقصى –بالنسبة لهم- كان مختلفا!

| بركة زيتون الأقصى

ربا.jpg
نسوة يرابطن عند باب الرحمة تزامنا مع الاقتحامات الصهيونية

تسافر منتهى أمارة من بلدة زلفة شمال أم الفحم في الداخل الفلسطيني نحو 120 كيلومترا لتصل إلى المسجد الأقصى، تستيقظ فجرا لتصل قبل أن تصبح الشمس في كبد السماء، وتلحق بصباح الأقصى ليُبارك لها في بكورها، وإن حالفها الحظ بدخول المسجد تضرب "عصفورين بحجر"؛ تصلي وتتواجد في أكثر أوقات المسجد حرجا، وتقطف زيتون الأشجار التي أحاطت بباب الرحمة. تجلس مع صديقاتها من النسوة اللواتي استطعن الدخول، ضمن حلقات ذكر وصلاة وجدّ زيتون، فالفعل الأخير بالنسبة إليهنّ عين الرباط وقلبه.

تتوزع أشجار الزيتون بشكل متفرق في أنحاء المسجد، وتتكتل شرقه وشماله، في مساحات واسعة ضمت أشجارا زُرعت قبل الاحتلال بعقود وأخرى بعده، حالفها الحظ من بين مئات فسائل الأشجار التي منع الاحتلال إدخالها وزرعها، واقتلع بعضا منها بعد غرسه، فحتى الزيتون في الأقصى مُبعد مُحارب.


أمام المصلى القبلي جنوب المسجد وقفت شجرة زيتون قديمة تظل بأوراقها كل من جلس تحتها يُسبح ويتقي أشعة الشمس، هذه الشجرة كانت وما تزال شاهدة على الاقتحامات اليومية للمسجد، فهي تقع في منتصف الطريق الواصل من باب المغاربة إلى قلب الأقصى مقابل القبلي.

 | "أكلت من زيتون الأقصى، وشربت من زيته!"

ؤؤ
امرأة تقف على أصابع قدميها وترفع ذراعيها في محاولة لالتقاط بعض ثمار الزيتون

قرب الشجرة، شاهدتُ امرأة وقفت على أصابع قدميها ورفعت ذراعيها قدر طاقتها، محاولة إنقاذ ما تبقى من زيتون الأقصى الذي جف بعضه وتساقط، نظرت إليّ ولسان حالها يقول: "زيتون الأشجار في بلادي قُطف، إلا زيتون الأقصى لم يقطفه أحد".
كانت جملة تلك المرأة مجازية فقط، فعلى الرغم من المؤامرات التي تُحاك ضد الأقصى ومحاولات فرض التقسيم الزماني والمكاني، وحجب المصلين عنه، إلا أن زيتونه بقي نصب الأعين، فدائرة الأوقاف الإسلامية التي تُشرف على المسجد أوكلت إلى مؤسسة لجنة زكاة القدس قطف زيتونه.


تحظى لجنة زكاة القدس بتلك المهمة منذ أكثر من عشر سنوات، وهي بدورها توكل عامليها بالقطف، بالإضافة إلى بعض العائلات الفقيرة التي تأخذ أجرا لقاء مساهمتها أيضا، كما تتواصل اللجنة مع مدارس القدس التابعة لمديرية التربية والتعليم الفلسطينية وتؤمن لطلابها حافلات تقلّهم إلى المسجد للمشاركة في قطاف الزيتون.


بعد انتهاء عملية القطف، توّزع اللجنة الزيتون وزيته على العائلات الفقيرة في القدس والضفة الغربية، أو تقوم ببيع جزء من المحصول وتحويل ريعه للفقراء، أما قاطفوه الفُرادى فينعمون ببضع حبات زيتون "يكبسونها" أو يعصرونها لنيل البركة والفرادة، فمن مثلهم حين يقولون: "أكلت من زيتون الأقصى، وشربت من زيته!".