بنفسج

آن ماري جاسر .. في فلسطين " السينما" سياسية بامتياز

الأربعاء 09 يونيو

المخرجة الفلسطينية المبدعة آن ماري جاسر، صاحبة أول فيلم عربي قصير يتم اختياره لمهرجان كانز بعنوان "كأننا عشرون مستحيلًا" الذي أُصدر في عام 2003، و"ملح هذا البحر" في عام 2008، وكان الفيلم الأول لامرأة فلسطينية، وقد تم ترشيح هذا الفيلم، وفيلم آخر بعنوان " لما شفتك" في عام 2010 لنيل جائزة الأوسكار كفلم عربي بلغة أجنبية.  لأعمالها صلة وثيقة بالتاريخ والواجبات السياسية والاجتماعية، وهي ذات رؤية واضحة، حيث تعرض في فيلم "واجب" عادة اجتماعية قديمة تتمثل في قيام الأب والابن بتسليم دعوات الزفاف باليد لأقاربهم في الناصرة.

قصة الفيلم مستوحاة من تجربة زوجها لصنع فيلم طريف ومضحك لرفيقين؛ هما الوالد أبو شادي، وابنه شادي. ويلعب الأدوار محمد وابنه الحقيقي صالح بكري. تدور أحداث الفيلم حول توزيع الدعوات لحفلة زفاف باليد، حيث تظهر خلافات عائلية وتقاليد قديمة على السطح. وعن هذا الفيلم يدور الحوار التالي:

آن.jpg
المخرجة الفلسطينية آن ماري جاسر في مهرجان برلين الدولي للأفلام

| هل هناك شيء محدد رأيته أو تعلمته من مرافقتك لزوجك في واجب توزيع دعوات الزفاف؟

 "رأيت العائلة التي تقوم فيها المرأة بالجزء الأكبر من الحديث، وكان هذا هو الحال في عائلتي أيضًا. جلست في المقعد الخلفي، وحاولت أن أتأمل ما يجري، استمتعت بمراقبة التفاصيل الصغيرة في حديث الأب والابن الذين نادرًا ما يقضون الوقت لوحدهما معًا، خصوصًا في هذا الحدث أثناء ممارسة أحد التقاليد المجتمعية، والذي يتعلق بصورتهم أمام الناس، أو بالصورة التي يحاولون التظاهر بها".

| إلى أي حد ترين أن صناعة الأفلام هو واجبك الاجتماعي الذي يقدم صورة واضحة عن الثقافة السائدة أو يؤثر في الحوار الثقافي؟

"لا أشعر بأن صناعة الأفلام واجب، وإنما هي إحدى أشكال الفن الذي هوست به. إنها حرفة أرغب دائمًا بالعمل فيها وإتقانها بشكل أفضل. كفلسطينية، أنجذب بالطبع لقصص الناس الذين أعرفهم، لكنني لا أكتفي بها فقط، لأنني أؤمن بأن الإنسان يجب أن يكون حرًا في عمله وأن لا يقيده فيه أي شيء، أواجه الكثير من القيود كوني فلسطينية، وامرأة أيضًا، فلا أريد قيودًا أخرى على الإطلاق.

| في بداية الفيلم حينما يسلم الرجال دعوة الزفاف لأرملة يقولون لها: "نعلم أنك لا تستطيعين الحضور، لكن هذا واجب"، هل هذا ما يرفضه شادي؟ الممارسات الرسمية الفارغة؟  

هذا جزء مما يتمرد عليه شادي، بنفس الوقت فإنه يسير كل الطريق مع والده لأن هذا واجبه كإبن، كل إنسان لديه واجبات، وكل شخص لديه أمور يشعر أنه يتوجب عليه فعلها، قد يكون الكثير منها فارغة، لكن الغاية منها أحيانًا أن تكون لطيفًا مع الآخرين، وهذا نابع من كونك فردًا يمثل جزءًا من مجتمع كامل، كما أن توصيل دعوات الزفاف للفلسطينيين الذين تتعرض هويتهم للتهديد هو شكل من أشكال المقاومة وإثبات الوجود.

| الفيلم يوازن بشكل جميل بين وجهة نظر أبو شادي وشادي، هل هناك جوانب معينة تتشاركينها مع هذه الشخصيتين؟

لدي القليل من كليهما، أكره الكراسي والأغطية البلاستيكية مثل شادي، وأفهم تمامًا غضب شادي ورفضه للظلم، والحرية التي وجدها في العيش بمفرده في دولة تكون فيها متساويًا مع أي شخص آخر، لست ذليلًا ولا تابعًا، لكنني مثل أبي شادي اخترت أن أعيش في موطني في فلسطين.

ان.jpg
المخرجة الفلسطينية آن ماري جاسر 

| لن يدرك الجمهور الغربي مدى اختلاف حقيقة الممثل محمد بكري عن شخصية شادي، ما الذي جعلك تعتقدين أنه مناسب لهذا الدور؟

بالتأكيد، محمد قال بأنه يشبه شادي كثيرًا، وأن والده أيضًا يشبه أبو شادي، شخصية محمد قوية، وهو إنسان راق ومعتز بنفسه، في الواقع هو عكس شخصية والده، الرجل المنكسر المهزوم.

| هل كان لديك مخاوف من تأثير العلاقة الحقيقية بين الأب والابن على العلاقة بين الشخصيتين؟

بالنسبة لعمل محمد وصالح معًا كممثلين، ممكن أن يكون لديهم بعض الخلافات التي لا يمكنهم أن يظهروها علنًا. من الصعب في الحقيقة أن تمثل مع عائلتك، فتحدثنا معًا عن هذه التحديات، وتشاركنا قلقنا ومخاوفنا بصراحة. أتذكر أن محمد قد قال إن هذا سيكون التحدي الأكبر في حياته المهنية، لقد عملنا على تهيأتهم عدة شهور قبل البدء بالعمل، حتى أنه كان لدينا مدرب لهجة لكل منهما. في النهاية، كنت سعيدة جدًا بهذا العمل.

ان.jpg
آن ماري جاسر في تصوير أحد أفلامها

| أنت لا تنظرين للشخصيات بطريقة عاطفية، بينما نسمع عادة أنه شرط أساسي للشخصيات البطولية الغربية هو أن يكونوا محبوبين؟

هذا صحيح تمامًا، لقد تعرضت للنقد في كثير من الأحيان، لأن شخصياتي ليست محبوبة بما فيه الكفاية، فثريا في "ملح هذا البحر" كانت عدوانية للغاية، وطارق في "لما شفتك" كان عنيدًا ومُزعجًا، وانتُقد شادي وأبو شادي أيضًا. بالنسبة لي أحب هذه الأنواع من الشخصيات التي فيها عيوب، والتي يمكن القول عنها أنها تمثل الإنسان الحقيقي، أنا حقًا لا أحب تصوير الأشخاص –وكذلك الحياة- بالأبيض أو الأسود.

| يُفترض أن الفكاهة في الفيلم تعكس ما رأيته في الناصرة؟

روح الفكاهة تملأ فلسطين، إنها وسيلة لديهم للبقاء على قيد الحياة، وأردت أن أصور هذه الروح. الناس الذين يعيشون في ظروف قمعية يحتاجون الفكاهة للنجاة. عندما يكون واقعك سخيفًا وعبثيًا حيث تُصمم القوانين لإبقائك خاضعًا أو مهمشًا، وعندما يكون هناك حذاء يدوس على عنقك، يجب أن تجد طرقًا للمقاومة، والضحك إحداها.

| كيف كانت ردة الفعل على الفيلم في فلسطين والشرق الأوسط؟ وهل اختلفت عند عرضه خارج هذه المنطقة؟

أفضل عروض الأفلام لدي كانت لفيلم (واجب) في فلسطين. الدفء الذي شعرت به من الجمهور، والطريقة التي فهموا بها الدعابة بكل تفاصيلها كانت رائعة! كما أن ردة الفعل على المستوى الدولي كانت جميلة، حتى لو أن المشاهد لم تُفهم الجو السياسي، فإن جوهر الفيلم هو قصة الأب والابن، رجلان يحاولان فهم بعضهم البعض بصعوبة.

 

| ذكرني المشهد الأخير في (واجب) بفيلم أحبه من دراما العلاقات العائلية، هو فيلم Big night  (بيج نايت) لستانلي توشي وكامبيل سكوت، هل تعرفين هذا الفيلم أو تأثرت به؟

نعم، طبعًا أعرف هذا الفيلم وأحبه كثيرًا، ونهايته عظيمة! تأثرت بها كثيرًا وأردت نهاية هادئة تشبهها نوعًا ما، نهاية مفتوحة، لكن بطريقة تضمن بقاء العائلة مع بعضها.

| ربما تكون أفلامك ليست سياسية بشكل واضح كأفلام فلسطينيين آخرين، لكنها مشبعة بإحساس سياسي، كيف تصفين منهجك هذا؟

أعتقد أن كل شيء في الحياة مرتبط بالسياسة، فأنا لم أر فيلمًا ليس سياسيًا، حتى أن أكثر الأفلام غباءً هي أيضًا سياسية، لكنني أحاول أن أصنع أفلامًا عن الإنسان، فما يهمني هو الناس، كيف يعيشون، ويبحثون عن أمل، ويصنعون الفكاهة، ويقاومون الاختفاء وطمس الهوية.

| في نفس السياق، هل كونك فلسطينية -باعتبار أن كثيرًا من الناس يربطون فلسطين مباشرة بالسياسة- يدفع البعض إلى تصنيفك كصانعة أفلام سياسية؟

حتمًا، هناك مشكلة في التصنيف، وفي تشكيل افتراضات مسبقة حول الفيلم قبل مشاهدته، كما أن الناس لديهم حاجة ماسة للاستمرار في محاولة تشجيع أفلام عن فلسطين "غير سياسية"، فلا يزال الصحفيون يسألونني: "متى ستصنعين فيلمًا غير سياسي؟". أنا لا أفهم هذا السؤال أبدًا، فحتى لو قمت بعمل فيلم خيال علمي عن فلسطين، مليء بالقلوب والأزهار، سيظل القيام بمثل هذا الفيلم عملًا سياسيًا.

| لقد عشت وعملت في الولايات المتحدة، لكنك اخترت العودة للشرق الأوسط لإنتاج الأفلام، ما هو الدافع الأكبر وراء هذا الاختيار؟

لقد نشأت في العالم العربي، ودرست في الولايات المتحدة، وعشت في أوروبا، وعدتُ للعيش في فلسطين. انتقلت إلى هوليوود في العشرينات من عمري عندما كنت لا أزال أحاول اكتشاف ما أريد فعله في حياتي. عملت في هذا المجال لعدة سنوات هناك، لكنه لم يناسبني، فلم أجد المتعة في تلك الطريقة في صناعة الأفلام، ولا حتى في وضع قوالب معينة للطريقة الصحيحة لكتابة نصٍ لفيلم. هذا لا يعني أنني لا أحب بعض الأفلام الأمريكية، لكنني شخصيًا أردتُ استغلال طاقتي في شيءآخر، في إيجاد طريقة أخرى لصناعة الأفلام.

| منذ أن بدأت في عرض فيلم (واجب)، تسببت حركة MeToo في إثارة جدل كبير، ودعت لمزيد من المساءلة والمساواة في صناعة السينما. ما رأيك في ذلك، بالنظر إلى مهنتك وحياتك في منطقة من العالم تعتبر فيها قضية مكان المرأة في سوق العمل مشكلة تاريخية؟

قبل كل شيء، ليست هذه المنطقة فقط التي تمثل فيها قضية مكان المرأة في سوق العمل مشكلة تاريخية، بل إن هذا موجود في جميع أنحاء العالم، فقد شعرت بنفس التمييز الجنسي في كل مكان عشت فيه أو زرته، ربما باستثناء اسكتلندا، حقًا في اسكتلندا شعرت للمرة الأولى في حياتي أنني في مجتمع أمومي. ربما تكون هذه وجهة نظري كأجنبية، لكنني بالفعل وجدت شيئًا ما مختلفًا هناك. على أي حال، أمامنا طريق طويل لنجتاز ذلك، وفتيات هذه الأيام يكبرن في أصعب الظروف.

| كشخص يقوم بتدريس وتوجيه الطلاب يجب أن يكون لديك نظرة للمستقبل، ماذا ترين؟

المستقبل مشرق جدًا؛ أعمل مع الكثير من الشباب الذين يحاولون إنتاج أفلامهم الأولى، وأنا معجبة بهم، إنهم شجعان وسيقومون بأمور عظيمة. معظم المتدربين عندي من الأراضي العربية، ويمكنني القول إن شيئًا رائعًا سيخرج من هنا. ما لاحظته أيضًا وأحببته بالطبع هو الثقة في النساء الشابات اللواتي أعمل معهن، وهذا ملهم جدًا. لا أذكر أن جيلي كان واثقًا إلى هذا الحد، أو ربما كنت أنا فقط كذلك.