بنفسج

أنتم لستم وحدكم.. احتواء مجتمعي

الثلاثاء 29 يونيو

"عندما يبدو كلّ شيءٍ مُثقلًا بالميراث الثقافي، كيفَ لي أنْ أعرف ما إذا كان ما أشعر به وأفكّر فيه طبيعيًا؟ ومن قال إنّه ليس إملاء مفروضًا عليَّ من الوسط الذي أعيش فيه؟". تقول إليف شافاق في روايتها حليب أسود.

إن أحد عوامل الخطورة التى تزيد من تطوّر اكتئاب ما بعد الولادة، هو انخفاض الدعم الاجتماعي المقدّم للمرأة، والمُتَمثِل في وجود الزوج، والأهل والأقارب والأصدقاء بجانبها. ويتجلّى الدعم الاجتماعي في تقديم الدعم الفعال والتثقيفى والعاطفي الذي تقدمه شبكة اجتماعية للحفاظ على حالة الصحة النفسية والعقلية للمرأة عندما تواجه أحداثًا مهمة أو مؤلمة في الحياة، وهو أسلوب فعّال في تحسين جودة الحياة للمرأة التي تعاني من اكتئاب ما بعد الولادة. يُعد تثقيف ودعم الأمهات عامل مهم كي تستطيع أن تفهم كل تلك التغيرات التى تمر بها أثناء الحمل وفترة ما بعد الولادة، ويوفر للأم أساليب تكيّف سريعة تمكنّها من تدارك أي تدهور صحي محتمل.

| آليات الدعم الاجتماعي

اكتئاب 7.jpg

لقد تطرقت دراسات عدة إلى أهمية زيادة الدعم الزوجي الذي تتوقعه النساء من أزواجهنّ، والذي ينعكس إيجابًا على انخفاض خطر اكتئاب ما بعد الولادة؛ ففي دراسة هدفت إلى تصميم برنامج إرشادي للأزواج لتقديم الاستشارات المناسبة لهم، لمرحلتي الحمل والولادة وما بعد الولادة، وقد تم فيها متابعة 102 امرأة حامل مع أزواجهنّ، على مدار أربع جلسات استشارية، بواقع جلسة أسبوعيًا، وتمت متابعتهنّ حتى الولادة. لوحظ بأن متوسط الدعم الاجتماعي ارتفع بشكل ملحوظ بعد 4 أسابيع من تقديم آليات الدعم النفسي والاجتماعي للأم؛ وبهذا أوصت الدراسة بضرورة تقديم الاستشارات مع الآباء، كتدخل فعال لزيادة الدعم الاجتماعي للأم الحامل وبعد ولادتها؛ لخفض منسوب خطورة اكتئاب ما بعد الولادة.

"نحن اجتماعيون للتفكير في الحمل باعتباره كل شيء يتعلق بالأم، وأن نعتقد أن الرجال لا يحتاجون إلى المساعدة". يقول دانيال سينجلي، عالم النفس المتخصص في الأبوة المبكرة: "ببساطة، لا يوجد دعم كافٍ للآباء أثناء مرورهم بمرحلة تحول كبير في الحياة". يُعتبر الانتقال، إلى أن تصبح والدًا جديدًا، تجربة مرهقة لكل من الرجال والنساء، فقد وُجد أن الآباء والأمهات أبلغوا عن انخفاض الرضى الزوجي بسبب نقص الدعم والحالات النفسية غير المستقرة خلال الأشهر الستة الأولى بعد ولادة الطفل؛ فقد تُرجم قلق الأب واكتئابه إلى سلوكيات عنيفة تجاه شريكه، وهذا ما أبلغت عنه الأمهات في فترة ما بعد الولادة.

| دعم الآباء

اكتئاب10.jpg

بالنسبة للآباء، قد تسهل أنواع مختلفة من الدعم عملية الانتقال إلى الأبوة خلال فترة ما بعد الولادة، حيث إنه من المحتمل أن يأتي الدعم الأكثر فاعلية من زوجاتهم؛ فقد يساعد المزيد من التشجيع من الأم والنقاش بين الزوجين، أثناء انتظارهما واستعدادهما لطفلهما، على مشاركة الأب في الأبوة والأمومة، وتخفيف التوتر عليه كأب جديد، وتقليل شعور الآباء بالعزلة عن العلاقة بين الأم والرضيع، وكذلك فهم للمشاعر الصعبة، مثل الغيرة من الطفل الرضيع. إضافة إلى توضيح التوقعات المجتمعية من دور الأب في الأسرة.

تساعد برامج التثقيف الصحي الرجال على فهم أدوارهم المتوقعة كآباء. وقد أشارت نتائج دراسات بحثية كثيرة إلى أن تلقي الزوجين للدعم مع بعضهما البعض له مدلولات أكثر فاعلية؛ نظرًا لأن القلق والمزاج المكتئب قد يبدآن أثناء حمل الأم، فإن التدخل المبكر لكلا الوالدين سيكون أكثر فعالية قبل أن تزداد حدة الأعراض وشدتها.

من جانب آخر، فإن الدعم المقدم من مؤسسات المجتمع والحكومة، مثل إجازة الأبوة المدفوعة، يمكنها مساعدة الآباء على التكيف مع التغييرات خلال فترة ما بعد الولادة. فعلى الصعيد العالمي، هناك 45 دولة لديها سياسات لإجازة الأبوة المدفوعة أو إجازة الأبوة، و27 دولة تضمن إجازة أبوة مدفوعة الأجر. في فنلندا على سبيل المثال، يأخذ 68% من الآباء إجازة لمدة ثلاثة أسابيع بأجر جزئي. وفي السويد، شهدت تغييرات لتشجيع الآباء على ممارسة حقهم في إجازة الأبوة؛ إذ يُخصّص ما يسمى "حصة الأب" 30 يومًا من بين 450 يومًا من الإجازة الوالدية لإجازة الأب. وهذا يعني أنه إذا لم يستخدم الآباء 30 يومًا لإجازة الأب، فستضيع أيام الإجازة الوالدية.

يضطلع الآباء برعاية الأطفال والمهام المنزلية التي كانت تقع تقليديًا على عاتق النساء؛ مما أصبحوا يعانون من أعراض كثيرة تؤثر على صحتهم النفسية والعقلية. لهذا، فإن الدعم المناسب من المجتمع الذي يركز على الأدوار النشطة للآباء من شأنه أن يساعد الآباء الجدد على تخفيف إجهادهم في فترة ما بعد الولادة المبكرة.

لا يتوفر كثيرًا من تلك العوامل الخاصة بدعم الرجال فى بلداننا العربية، خصوصًا فيما يتعلق بإجازة الأبوة، لكن مع الانفتاح المعلوماتي، وانتشار دورات الدعم المقدمة للرجال والنساء فيما يخص الأبوة والأمومة. أصبح هناك أصوات تصعد للحديث عن أهمية الأمر والذي ربما فيما بعد يتنقل للحكومات وتبدأ فى وضع أجازات ولو قليلة للأب لمساعدة الزوجة فى أيام ولادتها الأولى بشكل مدفوع.

يعتقد الخبراء أن هذا الجيل من الآباء، يشعر بنفس الضغوط النفسية والاجتماعية والاقتصادية التي عانت منها بعض الأمهات لفترة طويلة؛ إذ أصبح الاتجاه نحو بقاء الآباء في المنزل مع الطفل أثناء ذهاب الأم إلى العمل أكثر انتشارًا، كما أنه مع زيادة عدد الأمهات العاملات، يضطلع الآباء برعاية الأطفال والمهام المنزلية التي كانت تقع تقليديًا على عاتق النساء؛ مما أصبحوا يعانون من أعراض كثيرة تؤثر على صحتهم النفسية والعقلية. لهذا، فإن الدعم المناسب من المجتمع الذي يركز على الأدوار النشطة للآباء من شأنه أن يساعد الآباء الجدد على تخفيف إجهادهم في فترة ما بعد الولادة المبكرة.

| اكتئاب ما بعد الولادة في ظل جائحة " كورونا"

اكتئاب11.jpg

يعتبر الحمل وما بعد الولادة، من الفترات الحرجة التي تكون فيها النساء أكثر عرضة لاضطرابات نفسية كالقلق والاكتئاب. وفي ظل جائحة COVID-19 العالمية، والتي قد تزيد من حالة القلق والعزلة الاجتماعية، فإن المرأة قد تتساءل عما إذا كانت مشاعرها طبيعية، أو ما إذا كانت مجرد حالة اكتئاب ما بعد الولادة هي حالة عابرة، أو إذا كانت تعاني من اكتئاب أو قلق حقيقي. لهذا، فإنه من علامات قلق ما بعد الولادة، القلق أكثر من المعتاد على المولود الجديد، الخوف الشديد من إيذاء الطفل، ونوبات الهلع. كما أنه يمكن أن يسبب القلق بعد الولادة أيضًا أعراضًا جسدية كالإعياء، وخفقان القلب، وارتفاع ضغط الدم، والغثيان أو القيء، والتعرّق، والارتعاش.

إنه من علامات قلق ما بعد الولادة، القلق أكثر من المعتاد على المولود الجديد، الخوف الشديد من إيذاء الطفل، ونوبات الهلع. كما أنه يمكن أن يسبب القلق بعد الولادة أيضًا أعراضًا جسدية كالإعياء، وخفقان القلب، وارتفاع ضغط الدم، والغثيان أو القيء، والتعرّق، والارتعاش.

تقول مارلين لو كولادو، دكتورة أمراض النساء والتوليد ورئيسة قسم أمراض النساء: "أنتِ لست وحدك، أوامر البقاء في المنزل والمخاوف الصحية وفيروس كوفيد -19 مرهقة عقليًا وعاطفيًا. علاوة على ذلك، فأنتِ أيضًا تمرين بتغيرات جسدية وهرمونية. إن الدعم الاجتماعي أمر حيوي، فعادة ما نطلب من النساء بعد الولادة الخروج من المنزل والاتصال بأشخاص آخرين، مثل الانضمام إلى مجموعة أمهات جدد. الآن، مع التباعد الاجتماعي، هذا أصعب قليلًا، ولكن لا تزال هناك خيارات رائعة للمساعدة في تحسين صحتك النفسية والعقلية."

اكتئاب 12.jpg

 في الوقت الحالي، يعتبر الانتحار السبب الرئيسي لوفاة الأمهات بعد ولادة الطفل؛ قد يكون الألم النفسي الذي لا يُطاق، والذي يسبق الانتحار، قد تفاقم بسبب اكتئاب ما بعد الولادة. على الرغم من ذلك، فإنه لا يُعرف الكثير عن التجارب المعيشية للأمهات اللاتي يعانين من أفكار إيذاء الذات في فترة ما بعد الولادة.

في دراسة استُخدِمَت للبحث في سؤال: "ما هي التجارب الحية للأمهات المصابات باكتئاب ما بعد الولادة اللاتي يعانين من الانتحار؟". كان الغرض من هذه الدراسة هو تجميع التجارب الحية الخاصة بالتفكير بالانتحار في فترة ما بعد الولادة؛ وقد تضمنت النتائج بالشعور بفقدان السيطرة، أو أن قلة النوم، هو ما يزيد الأمر سوءًا، وأن التصورات المرتبطة بالأمومة ليست كما تبدو، وأنها تحاول أن تتقمص وجهًا سعيدًا، وهي ليست بذلك، والتفاوت بين المسؤوليات الاجتماعية والزوجية، يبدو أن الدعم الاجتماعي الملحوظ، يقلل أيضًا من احتمالية تطوّر اكتئاب ما بعد الولادة والانتحار.