بنفسج

"بوب إت وصبارة راقصة": مجتمع رهن #الترند

الخميس 23 سبتمبر

في العوالمِ الموازيةِ التي نشاهدُها عبرَ مواقعِ التواصلِ الاجتماعي؛ أشياءٌ يجبُ أنْ نقفَ أمامَها طويلًا؛ ونسألَ عقولَنا مرارًا وتكرارًا: هل هذا صحيحٌ؟ هل الأمرُ منطقي؟ هل هو فِعلًا مناسبٌ لنا ولإمكاناتِنا وميولِنا واهتماماتِنا. منذُ شهرَينِ وأنا أُتابعُ عبرَ موقعِ فيسبوك شكاوَى الأهالي من تعلُّقِ أطفالِهم بلُعبة "البوب إت" التي اجتاحتْ الأسواقَ والبيوتَ؛ وباتتْ مُقتنًى مُهِمًّا لكُلِّ أطفالِ غزةَ المُحاصَرينَ! والغريبُ أنّ الأهالي يتساءَلونَ عن سببِ تعلُّقِ أطفالِهم بهذه اللعبةِ تحديدًا، ويتساءلونَ أيضًا عن حقيقةِ أهميتِها، وهل فِعلا تُزيلُ التوتُرَ؛ وما إلى ذلكَ من خُدَعٍ تسويقيةِ ساقَها مشاهيرُ "اليوتيوب" لأطفالِنا دونَ عناءٍ!

القصةُ ليستْ في "البوب إت" وحدَها؛ إذْ إنه منذُ أسبوعَينِ وأكثرَ تجتاحُ "الصبارةُ الراقصةُ" عقولَ الأهالي والشبابِ والفتياتِ؛ تمامًا كما اجتاحتْ "البوب أت" عقولَ أطفالِهم؛ والغريبُ أيضًا أنّ أخبارَ "الصبارة الراقصة" تُشكّلُ "ترندًا" غزاويًا يُتابِعُه الجميعُ، في حين لا يتساءلُ هؤلاءِ البالِغونَ والعاقلونَ عن أهميةِ هذه الصبّارةِ، أو عن الخُدَعِ التسويقيةِ التي سيقتْ لهم من قِبلِ مشاهيرِ مواقعِ التواصلِ المختلفةِ.

الغريبُ أنّ اعتناقَ الهَوسِ الاستهلاكي؛ ليسَ فِطرةً لدَى الإنسانِ؛ لكنه في واقعِ مجتمَعاتِ اليومِ التي تعتاشُ على "السوشيال ميديا" كواقعٍ حقيقٍ جعلتْ من المجتمعِ "مجتمع السوق" وهو مجتمعٌ _بحَسْبِ الفيلسوفِ الفرنسي "ألتوسير"_؛ يستوجِبُ أعضاءَه باعتبارِهم مُستهلِكينَ في المقامِ الأولِ؛ بل في المقامِ الأولِ والأخيرِ.

الحقيقةُ المُرّةُ التي يجبُ أنْ نَعِيَها جدّيًا؛ أننا أصبحْنا مجتمعًا استهلاكيًا مُنصاعًا؛ ليس لسياساتِ شركاتٍ أو دولٍ؛ وإنما لمشاهيرِ "السوشيال ميديا" الذين لا يَكُفّونَ عن تداوُلِ الموضوعات المختلفة؛ وتمثيلِها على أنها من ضروراتِ الحياةِ؛ في ظِلِّ غيابِ المُحتوَى الهادفِ، في بعض الأحيان، على صعيدِ المُحتوى الفلسطيني؛ حيثُ إنّ غالبيةَ المشاهيرِ في غزةَ _على وجهِ التحديدِ_ يستخدمونَ صفحاتِهم الشخصيةَ للترويجِ لمُنتجاتٍ مختلفة تعتبر من الكماليات، وغيرِ مُصنَّفةٍ ضِمنَ الاحتياجاتِ الأساسيةِ لعوائلَ غزةَ المُحاصَرةِ، التي تُصنّفُ أنّ (80%) منهم يعيشونَ تحتَ خطِّ الفقرِ؛ بينَما يتقاضَى فيها موَظفو القطاعِ رواتبَ لا تتعدَّى بالمتوسطِ مبلغَ (400$)؛ ما يعني أنها بالكادِ تستطيعُ توفيرَ الحياةِ الكريمةِ لهم .

بَيدَ أنَّ هَوسَ التسوّقِ والاستهلاكِ يعشِّشُ في بيوتِنا بشكلٍ لا يُمكِنُ تَجاوُزُه، فيَكفي أنْ يضعَ أحدُ المَشاهيرِ على السوشيال ميديا (STORY)؛ فيها صورةٌ لمُنتَجٍ لأحدِ البضائعِ؛ ليُصبحَ أكثرَ البضائعِ طلبًا في اليومِ الثاني، وقد أخبرني أحدُ التجارِ أنّ "فلانة" من المشاهيرِ؛ وعبرَ صفحاتِها، قادرةٌ على تصريفِ أيِّ بضاعةٍ خاملةٍ في مَخزنِ أيِّ شركةٍ!

ويَستغِلُّ أصحابُ الشركاتِ والمحلاتِ التجاريةِ هذا الهَوسَ الاستهلاكي بشكلٍ يوميٍّ في ترويجِ مُنتَجاتٍ تُصنَّفُ جميعُها من الكمالياتِ غيرِ الضروريةِ، فخلالَ شهرِ رمضانَ مثلًا؛ يُعاني السوقُ من شُحٍّ بالمعروضاتِ من الأدواتِ المنزليةِ؛ نتيجةَ كثرةِ الطلبِ على هذه الأدواتِ بفعلِ "المشهورات" اللواتي يستعرِضنَ اقتنائهنَّ لهذه الأدواتِ؛ ليصبحَ اقتناؤها لدَى نساءِ غزةَ ضرورةً مُلِحةً لا تستمرُّ الحياةُ بدونِها!

إذا كان هذا سلوكَ الآباءِ والأمهاتِ وكبارِ السنِّ والعاقلينَ تُجاهَ ما يشاهدونَه على "السوشيال ميديا"؛ فلا ضَررَ من أنْ نشتريَ لصغارِنا "pop it"، وأيَّ لُعبةٍ أخرى؛ يروِّجُ لها مَشاهيرُ "اليوتيوب"؛ دونَ أنْ نسألَ أنفسَنا: هل هي فعلًا مفيدةٌ؟ هل هي فعلاُ لُعبةٌ هادفةٌ؟ لأننا _باختصارٍ_ نسخةٌ مُكَبَّرةٌ عن أطفالِنا؛ مع اختلافِ الاهتماماتِ.

الغريبُ أنّ اعتناقَ الهَوسِ الاستهلاكي؛ ليسَ فِطرةً لدَى الإنسانِ؛ لكنه في واقعِ مجتمَعاتِ اليومِ التي تعتاشُ على "السوشيال ميديا" كواقعٍ حقيقٍ جعلتْ من المجتمعِ "مجتمع السوق" وهو مجتمعٌ _بحَسْبِ الفيلسوفِ الفرنسي "ألتوسير"_؛ يستوجِبُ أعضاءَه باعتبارِهم مُستهلِكينَ في المقامِ الأولِ؛ بل في المقامِ الأولِ والأخيرِ، ومجتمعٌ يَحكمُ على أعضائه، ويُقيِّمُهم بما لدَيهِم من قدرةٍ استهلاكيةٍ، وما يَتّبِعونَه من سلوكٍ استهلاكي.

ويكفي أنْ يأتيَ عيدُ الفطرِ _مثلًا كَمُناسبةٍ عامةٍ_ لتُشاهِدَ على حسابِك على "الإنستغرام"؛ وتُدرِكَ أنّ معظم البيوت تقدّمُ نفسَ الضيافةِ؛ بنفسِ الأدواتِ، بنفسِ التفاصيلِ، ليس مصادَفةً، وإنما تقليدٌ لواحدةٍ من المشاهيرِ التي أرشدَتْهم للمكانِ الذي سيشترونَ منه الأدواتِ، وطريقةِ التقديمِ، وطبيعةِ الأصنافِ، ويكفي النساءَ فخرًا أنْ يدورَ الحديثُ حولَ ضيافتِها التي تُشبِهُ ضيافةَ "فلانة" من المشاهيرِ!

فإذا كان هذا سلوكَ الآباءِ والأمهاتِ وكبارِ السنِّ والعاقلينَ تُجاهَ ما يشاهدونَه على "السوشيال ميديا"؛ فلا ضَررَ من أنْ نشتريَ لصغارِنا "pop it"، وأيَّ لُعبةٍ أخرى؛ يروِّجُ لها مَشاهيرُ "اليوتيوب"؛ دونَ أنْ نسألَ أنفسَنا: هل هي فعلًا مفيدةٌ؟ هل هي فعلاُ لُعبةٌ هادفةٌ؟ لأننا _باختصارٍ_ نسخةٌ مُكَبَّرةٌ عن أطفالِنا؛ مع اختلافِ الاهتماماتِ؛ ونَعُدُّ أنفُسَنا خارجَ الرقابةِ الأبويةِ والأسريةِ، التي يُمكِنُ أنْ تقولَ لنا: "لا، هذه لعبةٌ غيرُ مفيدةٍ"!