بنفسج

نساء عاملات.. ولكن

السبت 30 أكتوبر

في الآونة الأخيرة ارتفعت نسبة النساء العاملات في المجتمعات العربية، ونجد العديد من أطياف المجتمع يفضلون المرأة العاملة لأهمية عملها في دعم الأسرة اقتصاديًا، وزيادة خبرتها الحياتية ووعيها في التعامل مع متطلبات الحياة ومشاكلها. تشارك المرأة العاملة دخلها في سد احتياجات الأسرة، ومعظمهن بالكاد يبقى لهن ما تلبي به مصروفها الشخصي؛ فمصاريف البيت والتزامات أفراد الأسرة سواء كانت متزوجة أم عازبة أصبحت من مسؤوليتها، ولا شيء يحفظ حقها ويضمن تقدير الجهد الذي تبذله، فمن ناحية معنوية الكثير لا يساعدها.

 ويعتقد أن هذا العمل ما هو إلا رفاهية لها، فإذا طلبت المساعدة ممن حولها تجد اللوم والتأنيب يسبق أي دعم، هذا إن وجدته، وببساطة يُقال لها: تعبت؟ اتركي العمل وتأقلمي. هذا إضافة إلى إنكار حقها في وجود اسمها قانونيًا في ممتلكات الأسرة، فما زال المجتمع يرى الأفضلية للرجل وأحقيته، فيكون كل شيء باسمه أمام القانون ومؤسسات الدولة. يوجد الكثير من الحالات التي نشاهد فيها المرأة تدفع وتساهم في كل شيء، مثل شراء بيت أو سيارة، وقد تدفع كامل المبلغ ولا يُكتب اسمها في الأوراق الرسمية، تكتب باسم الرجل المسؤول في الأسرة، بدوره ينكر ضلوعها بوظيفتين؛ الوظيفة التي تدر عليها الراتب، ووظيفتها كربة أسرة ومدبرة منزل.

الموظفة (ل.ز) تعمل في شركة، وأم لأربعة أطفال، هجرها زوجها ووقعت فريسة لأتعاب المحاميين وإكمال الأقساط المترتبة عليها للبيت وللسيارة وكلاهما باسم الزوج. من يحمل معها هم الوقوع في شرك المحاكم وتعاطف أصحاب الأملاك الذين باعوها؟

وهنا، تظهر المشكلة في حالتي الميراث والطلاق؛ المعلمة (ر.ع) تزوجت في بيت متواضع، ودفعت من راتبها ثمن تصليحاته وتجديده، وشاركت بثمن السيارة، بعد الطلاق لم تأخذ غير مهرها المتأخر، ولم تسترد شيئًا مما دفعته طيلة فترة زواجها، لماذا مثل هذه السيدة تترك لإنسانية الزوج المفقودة عادة، فما هو حق لها تتنازل عنه، وإذا أخذته يكون فضلًا ومنّة!

الموظفة (ل.ز) تعمل في شركة، وأم لأربعة أطفال، هجرها زوجها ووقعت فريسة لأتعاب المحاميين وإكمال الأقساط المترتبة عليها للبيت وللسيارة وكلاهما باسم الزوج. من يحمل معها هم الوقوع في شرك المحاكم وتعاطف أصحاب الأملاك الذين باعوها؟ أما السكرتيرة (س.ع) شاركت والدها ثمن الشقة التي اشترتها لعائلتها، وعند وفاة الأب باع إخوتها الشقة ولم تأخذ أكثر من ميراثها الشرعي، في الوقت الذي أخذ فيه الذكور ضعف حصتها، وما دفعته قُسّم في الميراث كأنها لم تساهم بشيء.

الفاضلة (ا.ب) كانت قد وضعت كل ما حصدته خلال سنوات عملها في الأملاك التي اشترتها مع زوجها، وبعد وفاته ورثت حصتها كأنها لم تساهم بشيء، وشاركها تعب عمرها كل العائلة، ولم تنل إلا كلمة تقول: قانونًا ليس لها شيء، وإنسانيًا لها أكثر من النصف، ولكن القانون لا يحمي المغفلين. إن الحالات المشابهة من طلاق وميراث وضياع حق المرأة كثيرة، بل للأسف شائعة، وإنصاف المرأة العاملة يكاد يكون نادرًا لا يُذكر، إلى متى ستظل المرأة تتنازل عن حقها وتخاف من المطالبة به لبقاء الروابط الأسرية المتينة ظاهريًا وواقعيًا هي في الميدان تكافح وحدها، لا سند، ولا أحد يحمي ضعفها وعوزها إن جار الزمان عليها.

أعود وأطرح سؤالي في كل مقال أكتبه عن قضية تخص المرأة: هل أعددنا المرأة نفسيًا وعاطفيًا قبل انخراطها في سوق العمل؟ تحتاج المرأة العاملة إلى جانب المؤهلات الأكاديمية القوة، قوة الشخصية ومعرفة حقوقها وواجباتها قانونيًا وإنسانيًا، الوعي بما تريده وما تعطيه بإرادتها وليس جبرًا وقهرًا، والأهم من ذلك؛ هل عدلت القوانين التي تحمي المرأة وتكفل حقها بما لا يضعها ضحية استغلال وطمع من حولها نساءً ورجالًا؟

إننا ندعم عمل المرأة ونقدّر مساهمتها شفاهيًا، وننتظر منها الدعم والمشاركة حتى في أعباء الزواج، فأصبح حقها في النفقة من ولي الأمر أو الزوج ضائع ومهضوم، لأنها تعمل، وتمادى أكثر ليطلب منها رغمًا عنها المساهمة بشيء ليس من واجبها، والحجة أنك مقصّرة بالمنزل بالرغم من أنه شرعًا وقانونًا ليست مكلفة ولا مجبرة بذلك، إنما هو العرف والعادة، إننا في المجتمعات العربية نرجح كفة ميزان على الأخرى، فنحن نقدم العمل للمرأة كشيء أساسي يكمل أنوثتها، نعاقب المرأة المتعلمة ونجلدها لأنها أخذت شهادة ولا تعمل متناسين أن العلم للمرأة هو بالأساس الهدف منه جعلها واعية مستنيرة تستطيع تربية الأولاد ودعم العائلة بشكل أفضل.

ماذا قدم المجتمع والقانون العربي للمرأة العاملة لتتميز عن سابقاتها من النساء اللواتي كن يسحقن لحاجتهن و أطفالهن لمعيل؟ إننا نجد نفس الحالات نساء مسحوقات مظلومات، ولكن أضفنا إليهن أعباء العمل والوظيفة وجلدهن ليتحملن فوق طاقتهن.

 نحن لسنا نعلم المرأة لنسحقها ونهضم حقوقها أكثر وأكثر، ماذا قدم المجتمع والقانون العربي للمرأة العاملة لتتميز عن سابقاتها من النساء اللواتي كن يسحقن لحاجتهن و أطفالهن لمعيل؟ إننا نجد نفس الحالات نساء مسحوقات مظلومات، ولكن أضفنا إليهن أعباء العمل والوظيفة وجلدهن ليتحملن فوق طاقتهن، وأوجد المجتمع راتب المرأة حجة لتخلي الرجل عن دوره في قوامة المرأة وحمايتها.

إن الأمر يحتاج إلى دعم حكومي مؤسسي لتوعية المرأة والرجل والمجتمع بكل أطيافه لأهمية عمل المرأة أولًا لتطوير نفسها، وثانيًا لدعم أسرتها علمًا ووعيًا ومادة، يرافق ذلك تقوية ثقة المرأة بنفسها ووعيها بحقوقها، ثم المطالبة بتعديل القوانين بما يكفل حق المرأة العاملة فيما تقدمه وتبذله. الوعي ضرورة قبل أي شيء، كما نحتاج إلى وضع مادة دراسية تدرس من الصفوف الأولى حتى نصل إلى جيل يقدر المرأة ويحفظ حقها، لا نريد أن نظل نرى نساء يتأرجحن بين دفة الطموح ودفة الواقع الجائر.