بنفسج

لماذا لا ننجح في تحرير المرأة وتمكينها؟

الثلاثاء 30 يونيو

في علم الاجتماع، أنت تحتاج  لتغيير ثقافة أو سلوك إلى زيادة الوعي أو التخويف من أثر السلوك السلبي، أو ربما تلجأ للتعزيز والترهيب بقوة القانون وفرض العقوبات. أو ستعطي المثاليات الكثيرة والمستنبطة من ثقافات وأماكن أخرى دون التفكير حتى في مصدرها أو نشوئها، ليس ذما لها ولكن لأن المحتوى أهم من القشور، فمصدر الفكرة وأساسها أهم من الشكل النهائي، فلكل مكان خصوصيته. وهذه حكايتنا لليوم: المرأة والقشور.

لتكون أنت بطل الحكاية، افتح شبكة الانترنت وابحث عن الإعلانات المتعلقة بالمرأة وورشات دعمها وتمكينها، ومناهضة العنف، وغيرها من العناوين الجذابة متعددة المجالات والتخصصات. حدد مجموعة منها تتناسب مع وقتك وجهز نفسك لحضورها، ودوّن كل كلمة تدور حتى تلك المتطايرة في النقاشات. وعندما تعود إلى منزلك أو تجلس في مقهاك المفضل بعد كل ورشة منها أو محاضرة، راجع كل كلمة قيلت، وفنّد منها الأقوال والشعارات والقوانين، والمفيد منها على المدى البعيد، وذلك الذي كان مجرد كلام لحظة غضب أو حماسة.

حينها ستجد الكثير من الحشو والشعارات، والمحاولات الخجولة لتغيير الواقع، وما فيه من ظلم أو عدم اهتمام؛ عبر إقامة محاضرات أو ندوات أخرى أو حملة الكترونية تعريفية أو مطالبة تموت لحظة ولادتها أو في منتصف الطريق، أو ينتهي عمرها قبل تحقيق الهدف منها. فلو تتبعنا مراحل الثورة النسوية والتغييرات القانونية سنجد أنها عظيمة ولكنها قليلة، فالمرأة ربما تحتاج أكثر من ندوات ومحاضرات وورشات عمل.

نقطة أخرى ربما تلاحظها، هي الاحتفاء بالمرأة كما لو كانت عيدا وطنيا أو مناسبة سنوية، ففي يوم المرأة أو في عيد الأم ربما تكون هناك عطلة، وتكثر الإعلانات والتخفيضات على مستلزمات المنزل وخاصة المطبخ كأنّه صورة أخرى للجمعة السوداء " black Friday"،  وتمتلئ شبكات التواصل الاجتماعي بصور الأمهات والزوجات ونساء مناضلات ورياديات وغير ذلك. وهذا شيء جيد على مستوى التذكير بالفلسطينيات، ولكنه سيء لأن يوما واحدا للمرأة لا يكفيها؛ فما حاجتها إلى طنجرة سحرية للطبخ أو باقة ورد حمراء، إذا كانت لم تكمل تعليمها لسبب ما كالزواج أو الولادة أو عادات المجتمع. 

ما الضرر الذي سيحل لو تم استثمار هذه النقود المصروفة على استئجار القاعات والمدربين الأجانب والمواصلات في مشاريع صغيرة في المناطق المهمشة لتوفير فرص عمل ولو بسيطة للمرأة؟ فعلى سبيل المثال لو كانت السيدة سامية تتقن الخياطة، فلم لا نعطيها أموالا لتفتتح مشروعا صغيرا لها، وتشغّل فيه 5 من نساء القرية الأخريات.

| لماذا التمكين الاقتصادي أولا؟

| يمكن القول بأننا وصلنا إلى مرحلة نعامل فيها قضية المرأة كعنوان متكرر للكثير من الندوات والأنشطة التي وإن ساعدت المرأة فإنها تسمح لها بالحديث بشكل خجول ومؤقت، فهل احتاجت المرأة ذلك فعلا؟
 
| ربما علينا أن نجزم بأن المرأة تحتاج أكثر من ندوات ومحاضرات وورشات عمل أو حتى الاحتفاء بها كما لو كانت عيدا وطنيا أو مناسبة سنوية! بل ربما يجب علينا محو كل هذه الشعارات لتصبح المرأة جزءا لا يتجزأ من المجتمع، وليست إضافة نحتفل بها سنويا مرة أو مرتين.

لأنه من المستحيل أن تقنع امرأة بالوقوف في وجه زوجها الذي يضربها عندما يغضب من رب عمله، أو عندما لا يجد في جيبه ثمن علبة سجائر، وهي تخاف من الطلاق ببساطة لأنها لا تريد العودة إلى منزل عائلتها حتى لا تصبح عبئاً على كاهلهم، أو خادمة لإخوتها الآخرين. أو أنها لا تريد أن ينتهي بها الأمر في الشارع -كما يقولون- وسط مجتمع يرى في الطلاق نقطة سوداء أبدية في ملف هذه المرأة.

وبعد التمكين الاقتصادي يأتي الاجتماعي والقانوني؛ فالمرأة تحتاج إلى إثبات دورها في المجتمع لا كأم وزوجة صالحة وحسب لأن هذا الأمر ما زالت السنوات كفيلة به، بل هي بحاجة إلى دور فعال في مجتمعها الذي تعيش فيه. كما وأنها بحاجة إلى دعم اجتماعي وقانوني لتستطيع التوجه إلى ذوي الاختصاص والتقدم بشكوى في حال تعرضت للعنف أو سوء المعاملة أو التحرش؛ سواء في الشارع أو العمل أو غيره.

بالنسبة لي أيضا هناك مأخذ آخر، وهو تصوير الرجل كعدو للمرأة، على الرغم من أنه ضحية لمجتمع أبوي أعطاه القوة والأفضلية فبات يظن نفسه ملك الزمان، ويرى في ذاته المسيطر على كل شيء. وبالتالي هو يسعى وراء مصالحه دائما، كما هو حال البشرية جمعاء، ولكنه ليس عدوا، ولا المرأة عدوّته كما يصورها البعض. كلاهما مهمان لاستمرار الحياة على هذا الكوكب، ولكل دوره الذي يستطيع القيام به في ظروف معينة، لا دورا  مسبقا محددا له قبل الولادة حتى.

| إذا كانت المرأة تريد القيام بثورة فلتجعلها ثورة عقلية فكرية اجتماعية، وليس في جعل نفسها أيقونة شكلية تلبس أحدث الملابس وتتشبه بمن هنّ حول العالم. أنا أؤمن بحرية الجسد؛ ولكن الجسد للمراة لا يخلق لها ثورة وتحررا، بل يعزز مقولة أن المرأة وجسدها للزينة.
 
| المرأة كما الرجل قوية وحنونة وقادرة على الكثير، ويجب أن تنال فرصا متساوية في كل شيء، أو أن تفتح لها الفرص، وهي حرة مستقلة في قرارها وقتذاك.

ولأفند أقوالي هذه، لو أن الرجل هو من خلق فقط لتوفير المبالغ التي تحتاجها الأسرة للحياة، لما رأينا نساء كثراً يعملن ويربين أطفالهن أحسن تنشئة. ولو أن المرأة خلقت للرغبات الجنسية فقط، لما رأينا نساء كثراً أيضا عزفن عن الزواج من أجل أطفالهنّ، ولو أن الرجل لا مشاعر له كما يصوره البعض لما رأينا والدا يحمل طفلته الصغيرة بحنان وحب غامران يشعّان من عينيه.

مجتمعي الذي أعيش به مترهل على كل الأصعدة؛ ومن ضمنها حقوق الشباب والمرأة وذوي الحاجات الخاصة والأطفال وحتى الحيوان والبيئة. ومجتمعي هذا أيضا وصل حالة الإشباع من الشعارات، وبات يحتاج إلى أكثر من ذلك، فهو يحتاج ترجمة الأقوال إلى أفعال، وهذا يقع على عاتق الشباب الفلسطيني الذي أخشى أنه لم يعد ضحية للترهل الاجتماعي وحسب، بل صار مساهمها فيه.