بنفسج

المرأة عند فلاسفة اليونان: رديفا للجسد نقيضا للعقل

السبت 13 يونيو

هل حقا أن الصورة السلبية التي تسربت لنا عن المرأة هي ذاتها التي رسمها الفلاسفة اليونان، حتى أنها تسترت بالدين وتحصنت بثوب القداسة؟

لقد وصلنا من التراث اليوناني الذي صاغه الفلاسفة أمثال: سقراط وأفلاطون وأرسطو في أبعاده الاجتماعية التي طغت أحيانا على الفكر الديني. بل إن بعض الأفكار السلبية التي تسربت من الحقبة اليونانية القديمة حول بعض القضايا قد اكتست ثوبا دينيا وأصبحت ضمن دائرة المقدس. ونحن بصدد تسليط الضوء على إحدى هذه القضايا الإشكالية؛ وهي المرأة كما نظر إليها الفلاسفة منذ العهد اليوناني، وتحول هذه النظرة إلى نمط ساهم في ترسيم حال المرأة حتى وقتنا الحالي.

وبالرغم من أن الإسلام على سبيل المثال قد بين بوضوح حقوق المرأة: فلا توأد الأنثى، ولا تحرم من الميراث، ولا تكره في زواجها، ولا تمنع من التفكير والعمل والتعبير، نجد الكثيرين يرددون ما علق لدينا من التراث القديم. فإذا بحثنا في أركيولوجيا هذا النمط نجد أن سبب اضطهاد المرأة في العصر اليوناني كان أساسه النظرة التي تضع المرأة موقع الضعف وقلة الحيلة. أو نظرة وضعت المرأة بين سببين ممكنين، أولهما مكانة الضعف الاجتماعي للمرأة بسبب العادات والأعراف، أو أن الطبيعة حكمت عليها بهذا الضعف؟

| أرضُ الملذّات
لقد ذهب مجموع الفلاسفة اليونان وهم سقراط وأفلاطون وأرسطو إلى دونية منزلة المرأة، وأرجعوا سبب هذه النظرة إلى القوانين والأنظمة الطبيعية. فمن الفلاسفة من يعتقد أن المرأة رمز للحس والجسد، وأنها تشد إلى الأرض مكمن الملذات والشهوات.
 
كما تؤثر العلاقة السيئة بين الفلاسفة والمرأة إلى العامل الشخصي للفيلسوف، حيث تنعكس علاقته بمحبوبته أو زوجته على نظرته العامة للمرأة. حيث يقول سقراط لتلامذته: "تزوجوا؛ فإما أن تكونوا سعداء، أو تصبحوا فلاسفة مثلي!" وهناك فلاسفة لم يتزوجوا قط أمثال أفلاطون.
 

لقد ذهب مجموع الفلاسفة اليونان وهم سقراط وأفلاطون وأرسطو إلى دونية منزلة المرأة، وأرجعوا سبب هذه النظرة إلى القوانين والأنظمة الطبيعية. يرى بعض المفكرين الذين بحثوا في العلاقة بين الفلسفة والفلاسفة والنظرة السلبية للمرأة فوجدوا أن سر النظرة الدونية لها نابعة من طبيعة الفلسفة التي تبحث في المجرد وترتفع عن المحسوس، ومن الفلاسفة من يعتقد أن المرأة رمز للحس والجسد، وأنها تشد إلى الأرض مكمن الملذات والشهوات، بينما يحاول الفيلسوف بناء نسق فلسفي عام.[1]

ولكن لماذا تكونت هذه الصورة عن المرأة بالرغم من وجود أمثلة لنساء فيلسوفات في عهد المعلم الأول "أفلاطون" واللاتي ذكرهن في محاورته، ومن أمثلة ذلك "أسباسيا" المرأة الأثينية التي كان لها دور بارز في السياسة والتي يذكرها أفلاطون في محاورته لبلاغتها، و"ديموتيما" معلمة سقراط التي أدار حوارا حولها عن الحب السقراطي، وأخريات فيلسوفات في المدرسة الفيثاغورية.

كما أن ثمة مفكرين يعزون العلاقة السيئة بين الفلاسفة والمرأة إلى العامل الشخصي للفيلسوف، حيث تنعكس علاقته بمحبوبته أو زوجته على نظرته العامة للمرأة. حيث يقول سقراط لتلامذته: "تزوجوا؛ فإما أن تكونوا سعداء، أو تصبحوا فلاسفة مثلي!" وهناك فلاسفة لم يتزوجوا قط أمثال أفلاطون.

| المُلْكيّة

صورة تجمع أسباسيا بسقراط في أثينا القديمة

ويرى عالم الانثروبولوجيا الأمريكي لويس موجان أن النظرة الى المرأة قديما نابعة من طبيعة الملكية، فعندما كانت الملكية مشاعية، سادت الشيوعية الجنسية كذلك. حيث كان من الشائع تقديم الزوجات والنساء عامة للضيوف كما يقدم الطعام والشراب؛ تعبيرا عن حسن الكرم والضيافة. ومع نمو الملكية الخاصة بدأ الرجل يشعر بحقه في امتلاك أسرة من زوجة وأطفال له ومن صلبه، فلا بد من الحفاظ عليهم وعلى دمائهم النقية؛ فظهرت فكرة الحريم اللاتي يجب أن يتوارين خلف الحجب فلا يظهرن للآخرين ولا يختلطن مع العالم الخارجي. واذا اضطر الأمر ظهرت بالنقاب.

وهي بذلك تكون ملكية خاصة، تختلف عن الجواري والبغايا والغواني واللواتي يعتبرن ضمن الملكية العامة. وهنا كان للحجاب بعد اجتماعيّ يقسم بين طبقات النساء ويفصل بين الزوجة والحرة عن غيرها من طبقة العبيد، إضافة إلى الأبعاد الدينية التي تم ترسيمها من خلال الحجاب؛ حيث منع على المرأة المسيحية أن تظهر دون حجاب. واستمر ذلك حتى عهد الإمبراطورية الرومانية." وكان دور الفيلسوف لحقبة طويلة من الزمن، تقنين هذا الوضع المتدني للمرأة، وتقديم المبررات العقلية أو الطبيعية أو البيولوجية أو السياسية التي تبرهن على أن تلك هي طبيعة الأشياء وأن هذا هو الوضع الأمثل الذي فرضته الطبيعة والسماء: بحيث أن الرجل هو السيد الآمر الناهي، والمرأة هي الخاضع التابع"[2].

كان دور الفيلسوف لحقبة طويلة من الزمن، تقنين هذا الوضع المتدني للمرأة، وتقديم المبررات العقلية أو الطبيعية أو البيولوجية أو السياسية التي تبرهن على أن تلك هي طبيعة الأشياء وأن هذا هو الوضع الأمثل الذي فرضته الطبيعة والسماء: بحيث أن الرجل هو السيد الآمر الناهي، والمرأة هي الخاضع التابع.

ومن هنا نستنتج أن وضع المرأة في المجتمع اليوناني لم يكن رحبا، ولم يتعامل مع المرأة كما تعامل مع الأمور والقضايا الأخرى التي نعلم أنها ازدهرت وتطورت في العهد اليوناني. على العكس تماما حيث حصر منطقة المرأة في زاويتين أحداها منطقة الحريم وهي للمرأة المراد "تعقيمها" لتكون وعاء نقيا للإنجاب والحفاظ على النسل، لذلك حرم عليها الاختلاط والخروج دون خمار نظرا لأنها تعود للملكية الخاصة. والزاوية الأخرى هي زاوية الملكية العامة للنساء وتتمثل بطقة العبيد منهن وهن الجواري والغواني.

أما اسبرطة وهي من أبرز المدن اليونانية، فقد حولت المرأة إلى "مسترجلة" نظرا لطبيعة اسبرطة التي تخوض الحروب والغزوات باستمرار، لذلك كانت تعتبر المرأة قوية لا تلد إلا الأقوياء القادرين على خوض غمار الحروب.

| المرأة عند أفلاطون

المرأة في المجتمع اليوناني لا تقوم إلا على رعاية الزوج والأولاد، كما يمنع عليها الظهور، ولا يحق لها أن ترث، أو أن تحصل على الطلاق، أو أن تكون وصية على نفسها، أو أن تعمل أو تشارك في الحياة العامة. حتى أن بعض المؤرخين أكدوا على أن المرأة اليونانية كانت تعيش في قلق دائم؛ وكثيرا ما كانت تقدم على حرق نفسها بسبب الكبت الذي كانت تعيشه.
 
في الحقيقة؛ فإن المرأة في المجتمع اليوناني كانت تعيش حالة استعباد، وقد نظر إليها الفلاسفة نظرة دونية فقد حاربها ديموقريطس واعتبرها "معطلة للفلسفة والتفلسف"؛ لذلك لم يتزوج أبدا اعتقادا منه أن الشهوة تغيب العقل، وإذا غاب العقل غاب التفلسف.

دعونا نبدأ حديثنا عن أفلاطون بالسؤال التالي: هل تعبير المخيال الأفلاطوني عن المرأة كان وليد فلسفة أفلاطون، أم وليد مجتمعه بعاداته وتقاليده وتراثه؟

في الحقيقة؛ فإن المرأة في المجتمع اليوناني كانت تعيش حالة استعباد، وقد نظر إليها الفلاسفة نظرة دونية فقد حاربها ديموقريطس واعتبرها "معطلة للفلسفة والتفلسف"؛ لذلك لم يتزوج أبدا اعتقادا منه أن الشهوة تغيب العقل، وإذا غاب العقل غاب التفلسف.

وذكرنا سابقا أن المرأة في المجتمع اليوناني لا تقوم إلا على رعاية الزوج والأولاد، كما يمنع عليها الظهور، ولا يحق لها أن ترث، أو أن تحصل على الطلاق، أو أن تكون وصية على نفسها، أو أن تعمل أو تشارك في الحياة العامة. حتى أن بعض المؤرخين أكدوا على أن المرأة اليونانية كانت تعيش في قلق دائم؛ وكثيرا ما كانت تقدم على حرق نفسها بسبب الكبت الذي كانت تعيشه.

رأينا حتى الآن المنزلة التي تقع فيها المرأة في العهد اليوناني بعامة وبعيون الفلاسفة بخاصة. أما وعلينا الآن تناول نصوص لأهم فلاسفة العصر اليوناني "المعلم الأول" وهي "محاورات الجمهورية" والتي تنقسم لمجلدين يحتويان على محاورات لأفلاطون على لسان سقراط يحاور فيها شخصيات مختلفة لموضوعات مختلفة ومنها "المرأة".

ينظر إلى المرأة في محاورات أفلاطون من وضع الملكية في المجتمع اليوناني كما ذكرنا سابقا، وبما أن أفلاطون رفض الملكية لأنها مصدر الشقاق فهذا يعني عدم الملكية في الأسرة. فإذا اختفى هذا العامل يختفي دور المرأة باعتبارها أحد مقتنيات الأسرة "من باب الملكية لها"، "حيث أن أفلاطون كان يعتقد أن المرأة من مقتنيات الأسرة فإذا ألغيت الملكية تحررت المرأة من دورها الطبيعي" وبهذا يتحول دورها من امرأه لها دور في الأسرة إلى امرأة لا تختلف عن الرجل اليوناني في طبيعة حياته بحيث تخوض الحروب دون النظر إلى أي اعتبار.

وفي محاورة القوانين يفصل أفلاطون النظرة إلى المرأة من حيث حقوقها حيث اقتصر التعليم وشغل الوظائف والمشاركة السياسية على الرجل. ولم يحق للمرأة في ذلك الوقت إلا المشاركة في لجنة الإشراف على الزواج. كما أن المرأة في قوانين أفلاطون قاصر ولا يحق لها أن ترث. ورب الأسرة هو السيد والمالك، وله واجب الطاعة من قبل الأبناء والزوجة.

| كلاب حراسة

 

وبالرغم من أن أفلاطون هو فيلسوف المثالية، لم يكن مثاليا في نظرته للمرأة. حيث عكس نظرة اليونان للمرأة، بل وقننها وبرر لها ضمن عوامل الطبيعة والأبعاد الاجتماعية والسياسية. حيث يرى أن إعادة الروح الإنسانية إلى المرأة لا تتم إلا بالانتفاع الكامل منها في الدولة والمجتمع، وهذا في حد ذاته لا يحدث إلا إذا حررت المرأة من السجن المنزلي والدور المرسوم لها قبل ولادتها، لهذا فقضية المساواة بين الجنسين تصورها من منطلق أن الرجال كلاب حراسة ترعى القطيع والنساء مثل إناث كلاب الحراسة، عليها أن تسهر كالذكور على حراسة القطيع. ومعنى ذلك أن على الجنسين أن يقوما معاً بالحراسة. وفي هذا يقول أفلاطون في محاورته على لسان سقراط[3]:

"سقراط: يجب علي أن أعيد رسم خطواتي وأقول ما يجب على الأرجح أنني قد قلته سابقا في المكان المناسب. لقد انتهت مسرحية الرجال، وأتى الآن دور النساء بما فيه الكفاية... لا يمكن أن يوجد في الرجال المولودين و المثقفين كمواطنينا أي حق في امتلاك أو الاستفادة من النساء والأولاد، إلا إذا سلكوا الطريق التي أرسلناهم إليها، واقترحنا كما تعرف أن نعاملهم ككلاب حراسة للقطيع".

ومن خلال الوظائف التي يقترحها أفلاطون على المرأة، يكاد يجزم بتلاشي الفروقات الجسدية بينها وبين الرجل، حتى يصبح بينهما كالفارق بين رجل ورجل (بين الأصلع وذوي الشعر من الرجال). ومن ذلك كله يتضح لنا أن ليس في إدارة الدولة من عمل تختص به النساء وحدهن من حيث هن نساء ولا الرجال وحدهم من حيث هم رجال.[4]

يقول أفلاطون على لسان سقراط: 

  • "سقراط: هل ستترك للذكور العناية الكلية الكاملة بالقطيع، بينما تترك الإناث في البيت لأننا نظن أن الحمل والإرضاع هو عمل كاف لهن؟
  • كلوكون: كلا إنهن سيتقاسمن العمل بالتساوي؛ والفرق الوحيد بينهم أن الذكور يعتبرون الأقوى والإناث الأضعف.
  • سقراط: وإن كانت النساء ستتسلم واجبات الرجال عينها، فعليهن أن يتلقين التعليم عينه.
  • كلوكون: نعم.
  • سقراط: يجب أن تتعلم النساء الموسيقى والرياضة والتمارين العسكرية ويجب معاملتهن كالرجال. وسيكون الشيء الأكثر إضحاكا رؤية النساء العاريات في معهد المصارعة متمرنات مع الرجال"[5].

| طريق محتوم

ظ
رسم للفنان ميشيل جورنيلي تعود لبدايات القرن السابع عشر، تظهر فيها أسباسيا محاطة بعدد من الفلاسفة     

تظهر هذه المحاورة حجم التناقض الذي وقع فيه أفلاطون في نظرته إلى مكانة المرأة في المجتمع اليوناني، فهو يريد أن يشغلن ذات الوظيفة التي يشغلها الرجال في المجتمع؛ لهذا يسمح لهن بالتعليم وتلقي التدريبات حتى يكن قادرات على القتال في الحروب والقيام بواجبات الحراسة وغيرها من المهمات تجاه الدولة.

وبهذا نجد أن المرأة سواء كانت في بيتها راعية لأبنائها وأسرتها، أو كانت كادر حراسة للدولة شأنها شأن الرجل، هي أسيرة هذه التقسيمات النابعة من نظرة الملكية لها، حيث تم تصنيف أماكن تواجدها، والوظائف التي تشتغلها، وحتى تحديد أماكن تواجدها.

آخر ما أود الإشارة إليه في هذا المقال، أن الفلسفة هي مكمن التساؤل دائما، وهي مران العقل على الاستفهام. علينا ألا نعتاد على النص التأسيسي ونأخذه كمسلمة غير قابلة للنقد والتساؤل. بل وتحويلها إلى قطعة مقدسة لا مساس فيها. هذا ما هو حاصل لدينا حتى في استلهام الآثار اليونانية القديمة. ما هو مطلوب منا اليوم هو محاكمة النص، والحفر في أصوله والبحث في مؤسِساته وجذوره العميقة.


[1] عبدالفتاح، إمام، أفلاطون والمرأة، 1995، الكويت، ص7

[2] نفس المصدر، ص9

[3] أفلاطون:المحاورات الكاملة، المجلد الأول، الجمهورية، الكتاب الثالث،ت رجمة شوقي داود ،ص 225

[4] خضرة، حمراوي، المرأة في المخيال الأفلاطوني، الملتقى الوطني حول المرأة والفلسفة، جامعة باجي مختار، ص16

[5] أفلاطون:المحاورات الكاملة، المجلد الأول، الجمهورية، الكتاب الثالث، ترجمة شوقي داود، ص 226