بنفسج

مذكرات غزوة مؤتة في المنهج النبوي

السبت 02 اغسطس

غزوة مؤتة
غزوة مؤتة

في غزوة مؤتة، لم ينتصر المسلمون انتصارًا مدويًا أمام الروم، ومن تلك الغزوة نستنتج أن المعارك لا تُقاس دائمًا بعدد قتلى العدو، أو حجم الانتصار العسكري، بل تُقاس بالحنكة والمشورة في رفع راية التراجع خطوة للوراء حفاظًا على الأرواح، ففي مؤتة واجه صحابة رسول الله بعددهم البالغ ثلاثة آلاف جندي، مئتي ألف من جيش الروم، فلم يكن هناك أي معيار من معاير تناسب القوى، ومع ذلك خاض المسلمون المعركة متمسكين بقوة العقيدة، والإيمان الراسخ، والاعتماد على القائد وحنكته والثقة به، لخوض غمار المرحلة وتثبت الأهداف المرجوة، ومن أهمها إعلاء راية الحق والجهاد في سبيل الله.

وعن أسباب خوض رسول الله غزوة مؤتة، هو رغبته بعد صلح الحديبية، أن يوسع نطاق الدعوة للإسلام، فكان يرسل الرسل إلى القبائل والأمراء والملوك برسالة الإسلام، وكان الصحابي الجليل الحارث بن عُمير الأزدي رضي الله تعالى عنه، واحدًا من رسل النبي صلى الله عليه وسلم، وأُرسل إلى بُصرى الشام، وعندما بلغه الرسالة صدر أمر من الروم وتحديدًا شرحبيل بن عمرو الغساني بقتل الصحابي الحارث، ولما وصل الخبر إلى رسول الله، أمر جيش المسلمون للاستعداد لمحاربة الروم، كون قتل مبعوث النبي يعد انتهاكًا للأعراف.

في غزوة مؤتة، لم ينتصر المسلمون انتصارًا مدويًا أمام الروم، ومن تلك الغزوة نستنتج أن المعارك لا تُقاس دائمًا بعدد قتلى العدو، أو حجم الانتصار العسكري، بل تُقاس بالحنكة والمشورة في رفع راية التراجع خطوة للوراء حفاظًا على الأرواح.

لم يشارك رسول الله في الغزوة، وإنما أرسل ثلاثة آلاف مقاتل، وأوصاهم رسول الله بالالتزام بتسلسل قادة المعركة، فكان القائد الأولى زيد بن حارثة، فقال النبي: "إن قُتل زيد فجعفر، وإنْ قُتل جعفر فعبد الله بن رواحة، فإنْ أصيب عبد الله بن رواحة فليرتض المسلمون رجلاً منهم فليجعلوه عليهم وزيادة "فإنْ أصيب عبد الله بن رواحة فليرتض المسلمون رجلاً منهم فليجعلوه عليهم".

وعندما عرف الروم بتجهيز المسلمين عتادهم للقتال، جهز هرقل مئتي ألف مقاتل، وعندما سمع صحابة رسول الله بالأمر بدأوا في التشاور بما عليهم فعله أمام هذا العدد المهول في ظل قلة عددهم، فطرح البعض أن يرسلوا لرسول الله يخبروه بالأمر،  لكن عبد الله بن رواحة رضي الله تعالى عنه شجّعهم وقال: "والله! إنّ التي تكرهون للتي خرجتم تطلبون الشهادة، وما نقاتل الناس بعدد ولا قوة ولا كثرة، وما نقاتلهم إلا بهذا الدين الذي أكرمنا الله تعالى به، فانطلِقوا فإنّما هي إحدى الحُسنيَين، إما نصر وإما شهادة".


اقرأ أيضًا: قصص واقعية عن اليقين بالله


وانطلقوا في المعركة بعد حسم الأمر، ليأخذ الراية زيد بن حارثة، فقاتل ببسالة حتى أصابه رمح من العدو، قتله على الفور، فانتقلت الراية للصحابي جعفر بن أبي طالب، لتُقطع يده اليمنى، ليمسك الراية بشماله، فقُطعت أيضًا، فاحتضنها بعضديه رافضًا أن تسقط، وظل رافعها حتى قتل، وقد تلقى ما يزيد عن 90 طعنة كلها من الأمام، قد كان مقبلًا غير مدبر فمنحه الله جناحين يطير بهما للجنة، ولُقب بذي الجناحين.

وبعد جعفر رضي الله عنه أخذ الراية عبد الله بن رواحة، ليلقى مصرعه بعد قتال شرس، وبذلك قُتل الثلاثة الذي عينهم رسول الله، فتقدم رجل اسمه ثابت بن أرقم، وفي يده الراية، وطلب من جيش المسلمين اختيار قائد، فقالوا أنت، فرفض، حتى وقع الخيار على خالد بن الوليد ليقاتل، لكنه، بحنكته، أراد أن ينقذ جيش المسلمين من القتل على أيدي الروم فلا تكافؤ في ميزان القوى، فقام بتكنيكات عسكرية ما أشعر العدو أن المسلمين وصلهم دعم وعتاد، فتراجع خالد بن الوليد إلى الخلف منسحبًا بجيشه حفاظًا عليهم حتى عادوا إلى المدينة بسلام، وقد استشهد منهم اثنا عشر.

 وعند عودة المسلمين من مؤتة قال لهم بعض الناس في المدينة: يا فُرَّار! أفررتم في سبيل الله تعالى. ولكن خالد بن الوليد كان حكيمًا حافظ على حياة جيشه، فرد النبي عليهم "ليسوا بالفرّارين ولكنّهم الكرّارون".

هذه غزوة مؤتة التي تشبه في تفاصيلها حرب الإبادة الجماعية في غزة، شباب بعتاد بسيط يقاتلون أعتى الترسانات العسكرية بأجسادهم، بعقيدتهم وثباتهم بأنهم أصحاب الأرض، في مؤتة انسحب القائد بسلام ليحافظ على أرواح جيشه وسلامتهم، لم تكن خسارة أو فرارًا بل ذكاء وحكمة من القائد في كيف يتراجع وكيف يتقدم للأمام.