بنفسج

منى أبو الفضل: تركة فكرية تنشد حضارة التوحيد

الثلاثاء 09 يونيو

لطالما أنجبت مِصر عباقرة وعلماء كانوا منارة يهتدى بها، وعنوانا عريضا في توجيه الأمّة الإسلامية، وكما خرج من بين أصلاب أبنائها مفكّرين نوابغ، خرجت نساء رائدات، نافسن وبحضور قويّ ساحة الفكر والعلوم المختلفة. ولدت أبو الفضل عام 1945، من رحم الأزمة الحضاريّة التي غيّرت ملامح الشّعوب في ظلّ الصّراع على سيادة العالم وفرض هيمنة المنظومة المعرفيّة الغربيّة على المستوى العالمي.

تخرّجت من كليّة الاقتصاد والعلوم السّياسيّة /جامعة القاهرة عام 1966 مع مرتبة الشّرف الأولى، ونالت درجة الدّكتوراة في العلوم السّياسيّة من جامعة لندن عام 1975، وعملت في عدّة مؤّسسات أكاديمية وفكريّة، وشغلت أستاذ العلوم السّياسيّة في كليّة الاقتصاد والعلوم السيّاسية في جامعة القاهرة، وأستاذة زائرة بالمعهد العالمي للفكر الإسلامي بواشنطن، وأستاذ زائر في جامعة العلوم الإسلامية والاجتماعية بواشنطن.

أسّست منى جمعيّة دراسات المرأة والحضارة النّاشطة في مجال فكر المرأة والتّوعية، وساهمت في وضع قواعد مشروع إعادة قراءة تاريخ الإصلاح والتّجديد باتّخاذ مسألة المرأة مدخلاً من خلال إعادة تدوين تاريخ المرأة المسلمة؛ في إطار مراجعة شاملة لحركات الإصلاح والتّجديد، وإعادة منظومة المعارف الإسلاميّة إلى الخريطة المعرفيّة العالميّة التي يأخذ فيها الإسلام زاوية معرفيّة ضيّقة تستند إلى مصادر غير شموليّة [1].

 | فكر تجديديّ

أم الفضل 2.jpg
 

من أهم المؤلفات والمفاهيم التي أبدعتها أبو الفضل، "مفهوم الأمّة القطب"، حيث اعتبرت أوّل فكرة راودت د. منى أبو الفضّل عندما كانت فتاة يافعة؛ إذ نشأت وارتبطت بالقرآن ارتباطاً وجدانياً تأكّد بالمعايشة والممارسة، كانت تنسب نفسها إلى الحضارة والوجود الإسلامي المغيّب في الواقع. وكانت تجربتها المخضرمة في تنقّلها للعيش بين الشّرق والغرب سبباً في اعتناقها فكرة "القطبيّة"، والتي تعني؛ قدرة الأمّة الإسلامية تاريخياً وحضارياً على الاستقطاب والتّجميع من غير قبليّة أو عصبيّة أو إقصاء على أساس الدّين واللّون والإقليم، مقارنة مع مفهوم "العولمة" الذي جاء لطمس صفة القطبيّة عن الأمّة الإسلامية [2].

أما المفهوم الثاني فهو "أبستمولوجيا التّوحيد". عُنيت أبو الفضل بتوسيع إطار دراسة النّظرية الاجتماعية خاصّة بعد انفصالها عن الفلسفة التأمليّة التّجريدية، وانتقالها إلى العلوم المعرفيّة الطّبيعية، وانتقدت وجود نموذج معرفي وحيد يستبعد كل الأشكال التي لا تخضع لمعاييره الصّارمة، القائم على العلم التّجريبي المادّي، الرّافض لسائر العلوم التي سبقت عصر "الحداثة"، والذّي أسس لفلسفة النّزعة التّجريبية المشكّكة في كل ما هو معرفي غير مادّي والتي بلغت أقصى مداها مع انتشار فكر ديفيد هيوم (1711- 1776) [3].

أما مقولتها في كتابها "تقويم النّظريّة الاجتماعية المعاصرة"، فقد انتقدت من خلالها المناهج المعرفيّة الحديثة، وأدوات تّحليل النّظم الاجتماعية القائمة على أساس النّزعة الصّراعيّة المتمركزة حول القوّة والسّيطرة من أجل البقاء، كبديل عن فكرة " القطبيّة " والتّعايش الحضاري بين المجتمعات.

كتب.jpeg
 

وبالنّظر إلى أصول وجوهر النّظرية الاجتماعية الغربيّة، نجد أنّها مستمدّة من الحقبة ما قبل الدّاروينية، حيث التّمرد والتّحدي متجذّران في المصادر الأسطورية اليونانية والرّومانيّة القديمة، وجاء انتشار النّظرية الدّاروينية الاجتماعية (1809-1882) لتزّودها بالشّرعيّة المطلوبة وبالمادّة، إلى أن بلغت ذروتها في الصّيغة الماركسيّة للنّظرية الاجتماعية (1818-1883) المؤصّلة لفكرة الصّراع الّطبقي كعامل مجسّد للماديّة التّاريخيّة الجدليّة. ولفهم "الصّراع" تتطلب قراءة واقعيّة للواقع الاجتماعي الإنساني، فالصّراع لا ينجم عن الاختلاف والتّنوع بل ينجم عن الظّلم [4].

ومن الأفكار والمفاهيم المركزية لدى أبو الفضل كانت في منجزها "التّبادل الثّقافي والتّفاعل الاجتماعي الحضاري الترّاكمي فمن أجل فهم الذّات والآخر تطالب المفكرة أبو الفضل الباحثين في مجال النّظرية الاجتماعية بضرورة نقدها من منظور خارجي مختلف موضوعي، يدمج بين الضّمير العلمي الأخلاقي والمهني المستند إلى مصداقيّة الرّواية التّاريخيّة التي تشير بالدّلائل القاطعة، على أن القطيعة التي حصلت في عصر التّنوير الأوروربي في القرن الثّامن عشر كانت جزءاً من الإطار المعرفي والثّقافي الفاعل الذي حدّد نوع التفاعل والاستعارة الذين حدثا في الغرب المسيحي، في العصور الوسطى عشيّة نهضته؛ عندما اتّصل بالحضارة الإسلامية السّائدة يومذاك.

وفي "دراسة أنثروبولوجيّة تأصيليّة للنّهج التّسامحي الإسلامي عدم إغفال الحقيقة التّاريخية التي تشير بوضوح إلى عامل التّسامح الإسلامي كجزء من الرّؤية الإسلاميّة الكليّة للكون وللحياة وللإنسان، ودوره في تسريع انتشار الفتوحات الإسلاميّة وترحيب السّكان المحليّين بالمسلمين في نهاية القرن السّابع ميلادي، على عكس الحروب الصّليبيّة (1095-1274) التي تعدّ نسخة مستجدّة من ممارسة تأكيد الهويّة وممارسة القوّة التي أشاعها قديماً الرّومان والبيزنطيّون.

 تنسب أبو الفضل نفسها إلى الحضارة والوجود الإسلامي المغيّب في الواقع. وكانت تجربتها المخضرمة في تنقّلها للعيش بين الشّرق والغرب سبباً في اعتناقها فكرة "القطبيّة" أو " الأمة القطب"، والتي تعني؛ قدرة الأمّة الإسلامية تاريخياً وحضارياً على الاستقطاب والتّجميع من غير قبليّة أو عصبيّة أو إقصاء على أساس الدّين واللّون والإقليم.
 
وقدمت انتقادا للمناهج المعرفيّة الحديثة، وأدوات تّحليل النّظم الاجتماعية القائمة على أساس النّزعة الصّراعيّة المتمركزة حول القوّة والسّيطرة من أجل البقاء، كبديل عن فكرة " القطبيّة " والتّعايش الحضاري بين المجتمعات.

وفي تأكيد الدّفاع عن المساهمة الإسلاميّة الواسعة في العلوم الحديثة، في كتاب "تصحيح المغالطات المعرفية الاستشراقيّة"، من خلال تتبّع مصادر النّشأة المعرفية وتحديد جذور انتمائها. على سبيل المثال، إنّ أرسطويّة ابن رشد، وأفلاطونيّة ابن سينا لم تلغِ أصالة تجذّرهما في المجتمع الإسلامي. كما أنّ تشويه ابن خلدون كان صارخاً حيث جرّد من بيئته الاجتماعية والثّقافيّة ونُظر إليه كما لو أنه عبقري غريب عن ثقافته الإسلاميّة؛ ففي ضوء الاستشراق قلّما يشار إلى أن علم العمران البشري الجديد الذي أنشأه ابن خلدون كان تعبيراً عن روح التّركيب الثّقافي العمراني كما عرفته الحضارة الإسلاميّة. لقد استقى ابن خلدون منهجيته من علوم الاستقراء التي استندت عليها علوم الحديث، والقياس الذي كان دعامة علوم أصول الفقه [5].

وفي أطروحتها "تطوير منظور حضاري معرفي لدراسات المرأة" [6]: في عام 1998 أحدثت مراجعات في الفكر السيّاسي الاجتماعي من زاوية الرّؤية المعرفية والمنهجيّة، مع التّركيز على باب دراسات المرأة دون الوقوع تحت وطأة الزّخم الفكري الغربي، ودون أخذ موقف الصّد التّام من غير إيجاد رؤية واضحة يعالج الفجوة لتحقيق الانسجام، بالنّظر إلى الإرث التّقليدي لقضايا المرأة في الشّريعة الإسلاميّة، والانفتاح على النّظريات الجديدة، ويهدف إلى إصلاح واقع المرأة كأحد شروط إصلاح واقع الأمّة الأساسيّة.

إنفوجراف منى أبو الفضل.jpg
 

أما عن كتاب "دخول المعترك الفكري النّقدي وخوض الجدل في مسألة المرأةفتكمن أهميّة التّعامل مع المستجدّات، ومواكبتها وطرح المقاربات والتّباينات والمقارنات النّقدية، ودور ذلك في عولمة المفاهيم الخاصة بقضايا المرأة والأسرة الإسلاميّة. مع مراعاة المرجعيّات والخصوصيّات والمتغيّرات والثّوابت، والهويّة، والوعي بالذّات، وبعلاقة الفردي بالجماعي، وبمفهوم الحريّات في الإسلام.

كما قامت أبو الفضل على إدارة فريق إعداد الرّؤية، والتّنفيذ العملي لخطّة إعداد الرّؤية الخاصة بمسألة المرأة، كما تم تشكيل فريق مهني يقوم بالمهام التّاليّة: مراجعة شاملة لتراث المرأة الإسلامي، إعادة قراءة الأصول، الاطّلاع على الأدبيات المعاصرة للمرأة من أجل الإحاطة والنّقد، طرح خطاب جديد حول المرأة مع مراعاة البعد التّراثي المعاصر، الاهتمام بالأبحاث الحضاريّة والإنسانيّة، دراسة الخصائص الحضاريّة الغربيّة، دراسة الخصائص الحضاريّة الإسلاميّة، دراسة التّاريخ، والمفاهيم المرتبطة به، دراسة الاختلافات الثّقافيّة وأثرها على المرأة، دراسة خصوصيّة الحضارة الإسلاميّة، وإعداد الأبحاث المختصّة في مراجعة الخطاب العربي الحديث المعاصر.

 وأيضًا من المهام القيام بالدّراسات المسحيّة حول المرأة في الخطاب العربي في منتصف القرن 19 وحتى الآن، رصد أهم التوجّهات المختلفة للخطاب حول المرأة في كل مرحلة تاريخيّة، مراجعة نقديّة للأدبيات المعاصرة، عقد المؤتمرات والنّدوات المختصة، الاهتمام بمحور المنشورات والانتاج العلمي والتٌقارير، إعداد وتدريب الكفاءات البحثية في حقل دراسات المرأة، أرشفة شاملة لكافة ملفّات المرأة العربية والمسلمة ما بعد 1999، إنشاء قاعدة بيانات ببلوغرافيّة موثّقة، وتطوير المنهج النّقدي للكتابات الخاصّة بالمرأة بشكل لا يجزّئ وضع المرأة، ويرفض التّعامل مع الذّكوريّة كخصم وندّ.

واهتّمت هذه الخطط بالمرجعيّات المستندّة إلى عقيدة التّوحيد، والقيم الأخلاقيّة، والمنهج الواقعي في قراءة النّصوص، إلى جانب استنباط الأحكام بالاستدلال والاستقراء.وفي ظلّ هذه المبادرات التي تبنّتها د منى أبو الفضل -رحمها الله- وفريق عملها، التي أشرفت بنفسها على تنفيذها، وحرصاً على استكمال رسالتها وتوسيع مشروعها العظيم، نجد أنّه من الأهمّية القصوى، إعادة إحياء أفكارها؛ من أجل نشر الوعي المطلوب لنهضة نسوية حضارية معاصرة.


| المصادر والمراجع

[1] موقع جمعية دراسات المرأة والحضارة الالكتروني

[2] أبو الفضل. منى، "الأمة القطب في السّيرة والمفهوم “. 2006.

[3] أبو الفضل. منى، "النّظرية الاجتماعية المعاصرة/ نحو طرح توحيدي في أصول التنظير ودواعي البديل“. ترجمة عارف عطاري. 1994.

[4] المصدر نفسه. 1994

[5] مصدر سابق. 2006

[6] أبو الفضل. منى، "نحو تطوير منظور حضاري معرفي لدراسات المرأة"، من كتاب مراجعة في خطابات معاصرة حول المرأة/ نحو منظور حضاري. 2007