بنفسج

الرباط.. مهد الحياة وسر البدايات

الأحد 12 أكتوبر

الرباط في غزة
الرباط في غزة

"إنا كنا من قبل ندعوه إنه هو البر الرحيم"، الحمدلله الذي استجاب دعاءنا وحقن دماء أهلنا بعد غزارة انسكابها، نسأل الله أن يقبلها، وإنها لسطر يكتب في سجل الحرية وطريق الانتصار والفتح المبين. الحرب ترخي وزارها ولكن العزيمة والتضحية والصمود تشد أزرها وتثبت حبالها حتى النهاية. 
وفي الحرب يتجدد اليقين بأن العيش الحقيقي وقيمة الوجود لا تكون إلا في الرباط والمقاومة. 

في غزة، لا يُقاس الرباط بعدد الأيام التي يقضيها الناس على ثغورهم، بل بمدى صبرهم على البقاء في أرضٍ تتنفس الألم وتصلي للأمل. هنا، الرباط ليس مجرد وجودٍ جغرافي، بل هو فعل مقاومة يومي، يعيشه الناس بين ركام بيوتهم، ووجع نزوحهم، وحنينهم الذي لا يخمد إلى عودةٍ طال انتظارها.

منذ شهور النزوح الطويلة، حين اضطر الآلاف إلى ترك بيوتهم قسرًا، ظلّت غزة تحمل في ذاكرتها وجوه أبنائها، تحفظ ملامحهم بين الأزقة والبحر، وبين شقوق الجدران التي ما زالت تناديهم بالاسم. ومع كل صباحٍ يعود فيه نازح إلى بيته، تتفتح زهرة أمل جديدة، كأن الأرض نفسها تبتسم وتقول: “رجعوا… رغم كل شيء”.

العودة في غزة ليست فقط عودة مادية بالمعنى الواقعي فقط، بل إلى الذاكرة. إلى الغرفة التي شهدت أول ضحكة، وإلى السطح الذي كان مرصدًا للسماء، وإلى الحي الذي كان يضج بالحياة قبل أن يمرّ عليه ليل الحرب. هناك، بين الرماد، يولد الإصرار من جديد. فالغزيون لا يعودون لأن الطريق آمن، بل لأن القلب لا يعرف طريقًا سواه.

أما من هم في الخارج ويحملون هم العودة، أولئك الذين حملوا غزة في قلوبهم عبر البحار، فما زالوا يرسمون ملامحها في أحلامهم، يتخيلون لحظة الهبوط في مطارها، أو السير في شوارعها القديمة التي تحفظ رائحة الخبز والبحر. يعيشون على وعدٍ بأن تكون العودة الأولى استقبالًا، والثانية استقرارًا، والثالثة… للأبد.


اقرأ أيضًا: ما أثقل الحقيبة.. حين تختصر الحياة!


وفي فضل الرباط في فلسطين، يتجلى وعد الله “رِبَاطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا.” وأي رباطٍ أعظم من أن تبقى على أرضٍ تُقصف ولا تموت، تُهجَّر ثم تعود، تُدمَّر ثم تبني نفسها من جديد؟ في غزة، الرباط ليس شعارًا، بل حياة يومية تمتحن الصبر وتُعلّم العالم معنى البقاء.

ها هم اليوم، العائدون من النزوح، يدخلون بيوتهم بعزم التعمير والبناء، بعيونٍ تفيض بالعزيمة. ونحن، القائلون: "سنعود… ولو مرة، مرتين، أو حتى للأبد.” ونحب هذه البلاد ما استطعنا إليها سبيلًا… نسأل الله تمام الفرحة بإعمار غزة، وعودة الأبطال إلى أهلهم وذويهم ومحبيهم، عندة نستقبلهم فيها بوفاء الوعد الصادق للحرائر وأسرى الحرية.