بنفسج

أمل صيام: فقيهة مُفكرة برتبة وزيرة

الجمعة 03 يونيو

أمل محمد صيام (هرماس)، متزوجة وأم لأربعة أبناء، حاصلة على درجة الدكتوراه في الفقه الإسلامي وقضايا المرأة. تولّت منصب وزيرة شؤون المرأة عام 2007 في حكومة الوحدة الوطنية.  عندما طرحت عليها سؤالًا: من هي المرأة برأيك؟ أجابتني: "المرأة في الإسلام هي المجتمع كله، فهي النصف من الناحية الإنسانية، بمعنى أن الإناث النصف والذكور النصف الآخر، وهي النصف الآخر، فهي تلد النص الثاني، وتربيه وتسهر على نشأته، فإذا أُحسن تعليمها وتربيتها وتنشئتها، تقيم نواة صالحة مستقيمة، وهي الأسرة، فهي زوجة صالحة، ومربية فاضلة" .

 | أمل صيام وزيرة شؤون المرأة

أمل صيام (1).png
 د. أمل صيام في سطور

وعندما سألتها حول تجربتها كوزيرة شؤون المرأة آنذاك – مع أنها فترة قصير جدًا بسبب أحداث الانقسام – قالت :  "كانت توليتي منصب وزيرة شؤون المرأة تجربة مثيرة، فقد عرّفتني على شريحة واسعة من المجتمع الفلسطيني، ذات فكر وثقافة جديدة، ولكن محاولة الاندماج فيها كانت تحمل في طياتها شيئا من الصعوبة".

إن منصب وزيرة شؤون المرأة منصب خطير على غير ما يعتقد الكثير، لأنه يشرف على حاجات النساء اللواتي هن كما قلنا نصف المجتمع، والعناية التي يجب أن نوليها لهن تستلزم أن تكون مكثفة وواضحة ومستمرة. وإن أهم ما خرجت به من هذه التجربة كان يحسم التوجه نحو تهميش المجتمع للمرأة وإهماله لها، بل تعدى ذلك إلى القسو عليها وإخضاعها للرجل ولو قسرًا، وهذا أمر مرفوض في ديننا وإنسانيتنا.

هذه التجربة وهذا الانطباع، كانا السبب الرئيسي لاختياري لموضوع قضايا المرأة في الإسلام ليكون بحثي المقدم لنيل درجة الدكتوراه، ولما بحثت وتوسّعت في هذا الموضوع، وجدت بأن كثيرًا من الحقوق التي شرعها الله لنا كنساء مهدورة ومهمشة ومستبعدة، كحقها على سبيل المثال في زيارة والديها من غير إذن زوجها، وخروجها لبرهم ولو كان كارهًا، وكحقها في التعليم وإدارة شؤونها المالية ولو بغير إذنه ورضاه، ويحرم عليه أكل مالها إلا برضاها، وحقها في اختيار شريك حياتها حسب المواصفات الشرعية، ولا يجوز إجبارها بكرًا كانت أو ثيبًا. وحقها في الميراث، ومساواتها مع الرجل في الدَّية، ويجب عليه إحسان معاملتها، أبًا كان أم زوجًا ، إلى غير ذلك من الحقوق، وأجابت عن سؤالي في أهم أولويات النساء في المرحلة الراهنة يجب أن تكون أهم أولوياتنا كنساء، أن نحاول استرداد حقوقنا المشروعة؛ كوزيرة لشؤون المرأة، عن طريق استصدار القوانين وسنّها لحماية المرأة وحقوقها المشروعة. وكأمهات من خلال تربية أبنائنا على المفاهيم الصحيحة من مساواة المرأة بالرجل في الحقوق والواجبات. وكمعلمات من خلال توجيه الطلاب وتثقيفهم ونشر الوعي بينهم وتعريفهم بحقوق المرأة، ما يجب لها وما يجب عليها".

  قضايا المرأة: محط اهتمام ودراسة 

في التّاسع من أيلول/ سبتمبر 2015 صدرت رسالة الدكتوراه الخاصّة بالدكتورة أمل صيام، واختارت أن يكون عنوانها: "قضايا المرأة في فكر الدّكتور يوسف القرضاوي"، وتناقش فيها الفقه والفكر معًا. لجأت صيام إلى استقراء مؤلّفات القرضاوي تقديرًا له لاتّباعه منهج الاعتدال والوسطية، مخالفًا بذلك الكثيرين.  تقول صيام بعد الانتهاء من بحثها: " لقد آلمني ما وجدتُ من خلال هذا البحث المتواضع من حقوق أوجبها الإسلام للمرأة وضيّعها المجتمع".

في التّاسع من أيلول/ سبتمبر 2015 صدرت رسالة الدكتوراه الخاصّة بالدكتورة أمل صيام، واختارت أن يكون عنوانها: "قضايا المرأة في فكر الدّكتور يوسف القرضاوي"، وتناقش فيها الفقه والفكر معًا، ففي هذين المبحثين نجد أكثر قضايا النساء البسيطة والمعقّدة، وكأنّما أرادت تسليط الضّوء على المرأة كما يتم تصوّرها في عقول المجتمعات، فهي تمثّل لهم الإنسان "البسيط " و "المعقّد" في آن واحد!

وأحيانًا، تأتي المفارقة في عمق فلسفة الأضّداد تلك لتفتح أمامنا باب الأسئلة التي تتوه المرأة كثيرًا في الإجابة عنها وحدها، ويصدمها هذا الاقتران المستمر في وصفها المتنقّل بين "البساطة" "والتّعقيد"، ويتعبها البقاء على الهامش – في الواقع – وهذا ما لا يمكن إنكاره في صلب الجدل والتّنظير على مستوى الخطاب! فبينما لا تحظى الإناث بحقوق عادلة مشروعة كما يجب في الحياة اليوميّة، نجدها في الشعر والخطب والكلام المرصوص في الكتب الموصوف الرائع والرقيق والذي لا غنى عنه في كافّة أمور الحياة!

كعادة أي باحث عن الحقيقة وعلى المستوى الأكاديمي والدّراسات درج أن يبيّن كل منهم سبب اختياره لبحثه، ولا أقول أنّ جميع الدّراسات تحتوي على أسباب جوهرية حقيقية، فأحيانًا تكون مجرّد بضع سطور إنشاء يكتبها من أجل تعبئة واحد من متطلّبات استكمال الأطروحة البحثية العلمية، لكن هناك بعض منهم أكثر نضجًا ووعيًا، تختبره الحياة في جانب مثير غير تقليدي، وتضعه الظروف في منعطفات صعبة وجديدة، تدفعه لرؤية ما غفل عنه في السّابق، وتلمع أمامه أنوار مخفية خلف الجهل غير المقصود، بسبب الانشغال في مسار محدّد من مسارات العيش، فإذا بتلك التّجربة تلفته إلى أفكار وتصورات تستحق أن تروى وتنشر للناس.

تقول صيام عن سبب اختيارها لبحثها: "لقد عُيّنتُ وزيرة لشؤون المرأة في حكومة الوحدة الفلسطينية 2007م، فكان ممّا اطّلعت عليه، مظالم وقعت على العديد من النّساء اللوات لم يجدن من ينصفهنّ، لا من النّاس ولا من القضاء، فأدّى ذلك إلى اضّطراب بعضهنّ نفسيًا، وضياع حقوق بعضهنّ الآخر، ووصل الأمر ببعضهنّ أن كفرن بتعاليم الإسلام، ظنًّا منهنّ أنه هو المسؤول عن الظلم الذي وقع عليهن.

تقول صيام عن سبب اختيارها لبحثها: "لقد عُيّنتُ وزيرة لشؤون المرأة في حكومة الوحدة الفلسطينية 2007م، فكان ممّا اطّلعت عليه، مظالم وقعت على العديد من النّساء اللوات لم يجدن من ينصفهنّ، لا من النّاس ولا من القضاء، فأدّى ذلك إلى اضّطراب بعضهنّ نفسيًا، وضياع حقوق بعضهنّ الآخر، ووصل الأمر ببعضهنّ أن كفرن بتعاليم الإسلام، ظنًّا منهنّ أنه هو المسؤول عن الظلم الذي وقع عليهن. فلّما انقضى العمل في الوزارة كان الاتّجاه إلى إكمال الدراسة لنيل درجة الدكتوراه، فوجّهني الأستاذ الدكتور حسام الدين عفانة إلى البحث في قضايا المرأة التي تكلّم عنها الشيخ القرضاوي، ثم الاشتغال على دراسة فيها". ولأنّ مصدر ظلم المرأة في المجتمعات العربيّة والإسلامية نجَم من التطّرف وسوء فهم مقاصد الشريعة، وقصور النظر في بعض الاجتهاد للمستجدّات المرتبطة بالمرأة وقضاياها، لجأت إلى استقراء مؤلّفات القرضاوي تقديرًا له لاتّباعه منهج الاعتدال والوسطية، مخالفًا بذلك الكثيرين.

تقول صيام: " لقد آلمني ما وجدتُ من خلال هذا البحث المتواضع من حقوق أوجبها الإسلام للمرأة وضيّعها المجتمع، وما عادت النساء تهتم لها من القسوة التي يتلقيّنها إذا طالبن بها"تقصد صيام أنّ حقوق المرأة الشرعية كثيرة وفضفاضة، ضيّعها المجتمع بغلبة تقاليده الرّجعيّة على رقيّ شريعته السمحة المغيّبة بسبب جهل المرأة بالأساس، وانتشار ثقافة تهميشها المستندة إلى أحاديث موضوعة ومبتدعة.

 | لماذا يتراجع واقع المرأة في مجتمعاتنا؟

انفو-الموقع-2.jpg
الأسباب التي تؤدي لتراجع واقع المرأة بحسب صيام 

لماذا تتعثّر النّساء دائمًا في حقل المعرفة الخاصة ب" فقه النّساء"، ونجدهنّ يلجأن إلى مراكز الافتاء كلّما وقفن أمام مسائل الحياة سواء المألوفة والمستجدّة، ويعاودن التعثّر مرارًا وتكرارًا بنفس المسائل كل حين، ويسعين مجددًا إلى الاستعانة بمراكز الافتاء؟  هل تستطيع النساء معرفة الأحكام الشرعية بأنفسهنّ ببذل القليل من الجهد في البحث والقراءة، بدل الاستعانة المستمرّة بأصحاب الفتوى "الرجال" غالبًا؟

لطالما كان العلم بالتعلّم، والفقه بالتفقّه، وردّ البدع والغلط بالتبحّر في الكتب الموثوقة وقراءة كافّة الآراء والمرجّح منها وتبيان صوابها. إنّ وجود مراكز الإفتاء لا يسقط واجب أن تتعلّم المرأة دينها وأحكام شريعتها، كما أنّ وجود المفكرين من الرجال الذين كتبوا في المرأة لا يلغي أن يكون لها صوتها، وعقلها الحر الخاص، فالمرأة أفضل فهمًا لبنات جنسها وطبائعهنّ من الرجال بالضرورةإنّ المرأة المسلمة ليست قاصرة عن فهم ما استشكل عليها وعلمه من الأحكام بنفسها في الأحوال الشّخصية الشّاملة للزّواج، والطلاق، وكافّة العبادات والآداب والحقوق.

لقد حظيت أمل بفرصة سبر أغوار العديد من كتب الفقه والحديث والترّاجم والتّفسير واللغة العربيّة، والعديد من الكتب المعاصرة، واستعانت في أغلب المسائل بمنهج الفقه المقارن. وفي اللغة سبرت أغوار العين للفراهيدي، ولسان العرب لابن منظور، والقاموس المحيط للفيروز آبادي.

لقد حظيت أمل صيام بفرصة سبر أغوار العديد من كتب الفقه والحديث والترّاجم والتّفسير واللغة العربيّة، والعديد من الكتب المعاصرة، واستعانت في أغلب المسائل بمنهج الفقه المقارن، ضمن المذاهب الأربعة المشهورة: الحنفية والشافعية والمالكيّة والحنبلية. وبالوقوف على تخريج الأحاديث من مصادرها الأكثر وثوقًا صحيح مسلم وبخاري، مستعينة بالعودة إلى السنن الأربعة: أبي داود والتّرمذي والنّسائي وابن ماجة، كما قرأت في كتب ابن قدامة والسرخسي، وكتب التفسير المشهورة كالطبريّ، وابن كثير والقرطبّي، وفي كتب علوم الحديث من فتح الباري، وشرح النّووي ومعالم السنن للخطّابي، وتلخيص الحبير لابن حجر، والنهاية في غريب الحديث، والأثر لابن كثير، وفي أصول الفقه استزادت بالموافقات للشاطبي وإعلام الموقّعين لابن القيّم، والأشباه والنظائر للسيوطي.

وفي اللغة سبرت أغوار العين للفراهيدي، ولسان العرب لابن منظور، والقاموس المحيط للفيروز آبادي، كما قرأت في تراجم سير أعلام النبلاء للذهبي وتهذيب الكمال للمزّي، وتقريب التهذيب لابن حجر، وصولًا إلى الكتب المعاصرة، خاصة كتب عبد الكريم زيدان والشيخ القرضاوي في فتاوى معاصرة والحلال والحرام، ومدخل لدراسة الشّريعة وغيرها من الكتب.

 | حلول واقعيّة أمام المسائل الأكثر جدلًا وتعقيدًا

انفو-الموقع-1.jpg
مباح شرعا.. ممنوع مجتمعا

لقد بحثت الدراسة في أكثر من ثمانين مسألة، وسلطت الضوء على أكثرها جدلًا وتعقيدًا، كمسائل: تأجير الرحم، وبقاء الزوجية إذا أسلمت الزوجة دون زوجها، ودية المرأة والإجهاض، وعمليات التجميل، وتحويل الجنس وغيرها. والناظر في مثل هذه المسائل يجد حلولًا كثيرة وتيسيرًا ورفع حرج عن العباد مع صعوبتها، حلولًا واقعية تتصف بالمرونة والتيسير، تتحقق بها التوسعة على الناس بشكل لا يصادم نصًا ثابتًا محكمًا ولا قاعدة شرعية، فما بين الأحوط والأيسر نجد اختيار الأيسر عند أصحاب الوسط من العلماء اختيارًا سليمًا، ما لم يكن إثمًا، اقتداءً بسيّدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام.

أعتقد أنّ تقصي الفتوى في مثل هذه المسائل سيثري معرفة القارئ، بل وسيصدمه، خاصة عند إداركه مدى التيسير الذي وفّرته الترجيحات بين الأقوال المختلفة، والآراء المتعارضة بالموازنة بين الأدلة والنظر في مستنداتها من النقل والعقل، وكيف تمّ اختيار الأقرب إلى كليّات الشريعة ومقاصدها والأولى، بإقامة مصالح الخلق والعباد.   لاحرج ، جائز ، مسموح = حقوق

كما بحثت في بعض المسائل البسيطة جدًا والتي لا زالت تجدها النساء عوائق أمام رغباتهنّ وآمالهنّ وأحلامهنّ، كركوب الدراجة على سبيل المثال، والذي لا حرج فيه سواء للرياضة أو اللهو، أم للوصول إلى أماكن العمل والمدرسة. أو اشتراط العمل بعد الزّواج في العقد، فلها أن تدافع عن حقها في اختيار أن تعمل حتى لو كان الزوج مقتدرًا، وأن لا تأخذ بالشروط الإضافية المقيدة لها والتي أضافها بعض العلماء إلى جانب تحري طبيعة العمل المناسب والحشمة، كالنظر إلى الحاجة إلى العمل، فإن احتاجت هي وأسرتها إليه عملت، وإن لم تحتج فقرارها في بيتها أولى. تحتج صيام على هذه الشّروط، وتقول إن الزّوجة ليست سخرة للآخرين، تعمل إن احتاجوا إلى عملها، وإن لم يحتاجوها أبقوها في بيتها.

انفو-للمرأة-حقوق.jpg

لقد أفسحت الشريعة الإسلاميّة للمرأة فرصًا شتّى ترفع من شأنها، وتزيد من قيمتها ودورها في بناء المجتمعات تمامًا كالرجل، فالمرأة أهل للشهادة، وإذا كانت كذلك فهي أهل للقضاء والإفتاء، والقضاء مثل تسلم حقيبة الوزارة أيضًا، ومع أنّ القرضاوي وضع شروطًا للأخيرة، مثل: عدم الانشغال بالأمومة ومتطلباتها وبلوغ الخمسين أو ما يقارب، تحقيقًا للتّفرغ والنضج والخبرة، لكن هذا ليس أمرًا ثابتًا وقاعدة، فلكلّ قاعدة شواذ، فإن كانت المراة الغربية مارست دورها في الوزارة ومجالس التشريع، وبين ذراعيها تحمل طفلها ترضعه وترعاه، فتستطيع المرأة المسلمة أيضًا القيام بذلك!

إنّ الشريعة الإسلامية تراعي اختلاف الناس ومتطلبات العصر، ففي الثوابت لها صلابة الحديد، ومع المتغيرات لها ليونة الحديد، والمرأة لها من كل هذا نصيب لم يظلمها في واجباتها ولم ينقص من حقوقها. تقول صيام إنّ تراجع أي مجتمع حضاريًا، لا بدّ يعود إلى تراجع المرأة عن القيام بدورها وتخلّفها عن نزع حقوقها الشرعية. إنّ تخلف شريحة النساء في المجتمعات يعود إلى تشدد آراء علمائه، وجمود فكرهم وتقوقعهم في ظل حاجة الناس إلى اجتهادهم في ظل تراكم الأحداث والقضايا والمستجدات. والسبيل لإعادة التوازن لهذه المجتمعات يعتمد على إصلاح واقع الرجال والنساء معًا، عبر نهضة التعليم وإصلاح مؤسسات الدولة.