السبت 02 اغسطس
"أنتِ مصابة بالسرطان". جملة سقطت عليّ كالصاعقة، ومتى في ذكرى ميلادي، شعرتُ وكأن جبال الأرض قد رُصت فوق صدري. اختنقت، وبكيت حتى جفّ دمعي وانقطعت أنفاسي.
لم أستوعب، كان الأمر أكبر من قدرتي على التحمّل. لم تكن هذه أول مرة أواجه هذا الوحش اللعين، بل سبق أن نهش قلب عائلتي من قبل. الحبيبة أمي... أصابها أولًا، ثم اختطفها منا، فترك في صدري انكسارًا لا يجبره الزمن، ثم انقضّ على طفلي، الذي كان يبلغ آنذاك 8 أعوام، عشنا أيامًا حالكة السواد، كل دقيقة فيها كانت معركة. لكن براء، طفلي، قاتل، قاوم، وانتصر واليوم... جاء دوري.
"أنا آية كلاب، فلسطينية من غزة، محاربة سرطان وأم لطفل محارب أيضًا. اكتشفت سرطان الثدي عن طريق كتلة في الصدر وتحت الإبط، فخفت وخضعت للفحص، لتظهر النتيجة في يوم ميلادي، كنت سأطفيء شمعتي، وأخطط للعام القادم، لكن السرطان وقف لي بالمرصاد. خضت مع السرطان ثلاث حروب فقدت في الأولى أمي، وها أنا أحارب رفقة ابني براء الذي أنهى علاجه مع اللوكيما لكنه لا يزال يتابع، ومع بدء الحرب تدهورت حالتي.
سافرت من غزة بعد أشهر من الحرب لدولة الإمارات، وكنت قد انقطعت عن علاجي، الذي لم يعد متاحًا في ظل الحرب، فكان السرطان يتوغل داخلي، عند بداية اكتشافي المرض خضعت للعلاج الكيماي وبعدها توجهت للجراحة باستئصال الثدي، والغدد التي كانت تحت الإبط، وبعدها خضعت للعلاج الإشعاعي، والآن للعلاج الهرموني والمناعي، والآن حالتي تحتاج للمتابعة الدقيقة.
أتمني أن يملك كل مصابي السرطان في غزة الأمل كطفلي براء الذي شُفي، أقول لهم: "أنتم أبطال حقيقيون. أعلم كم هو صعب المرض تحت النار، لكن قلوبنا معكم. لا تفقدوا الأمل… وإن ما قدرنا نوصلكم جسديًا، فدعاؤنا ودعمنا لا ينقطع".
في كل لحظات ضعفي كنت أقول "أنا لا أُهزم.. أنا أتجاوز".. ولكن ما لا أستطيع تجاوزه هو ما حدث في غزة، ذكرياتي التي أضحت رمادًا، صوري وشالي المطرز والثوب الفلاحي، عائلتي المتبقية بغزة ما بين موت وتجويع، وهذا أثر علي جدًا وعلى سير علاجي.
لأخبركم قليلًا عن براء طفلي الشجاع المحارب، "إنت سبايدرمان، بس هاي قوتك محتاجة علاج علشان تصير أقوى". قلتها له حين اكتشفنا إصابته بالسرطان، فكان رده: "أنا ما بخاف، إحنا بنخلصها يا ماما".
أتمني أن يملك كل مصابي السرطان في غزة الأمل كطفلي براء الذي شُفي، أقول لهم: "أنتم أبطال حقيقيون. أعلم كم هو صعب المرض تحت النار، لكن قلوبنا معكم. لا تفقدوا الأمل… وإن ما قدرنا نوصلكم جسديًا، فدعاؤنا ودعمنا لا ينقطع".
نهاية، أود القول، أنا اليوم أصبحت سفيرة مرضى السرطان ومسؤولة ملف مرضى السرطان في المجلس الأعلى الشبابي، وسفيرة في مؤسسة مريم لمرضىً السرطان في رام الله، وسفيرة في مؤسسة حرير في الأردن. لأكون صوتًا للمرضى من أبناء شعبي.