السبت 23 ديسمبر
كنت ممن يعدون الأيام في غزة، من التالي؟
متى يأتي دورنا؟
أتت اللحظة، وميضٌ مضيئٌ قويٌ...تبعه صوت انفجار مهول لم أسمع إلا أجزاء منه، غارت بنا الأرض وماجت، وفقدت وعيي...
وأنا كنت أسأل دومًا هل يموت المقصوف خوفًأ؟ أم ألمًا؟ هل تتهتك أجزاؤه الداخلية؟ أم يتحول إلى أشلاء مباشرة؟ هل يشعر بالخوف؟
استعدت وعي قليلًا، شعرت بدوار شديد وكأنه حلم، وإذا بي أمسك بقضيب من الحديد، أتشبث به كي لا أنزلق تحت الركام
وأول ما خطر لي هو الاطمئنان على عائلتي، قالوا لي حينها إنهم بخير...
حُملت إلى المستشفى لأكتشف أن لدي كسر في العمود الفقري، وأن قدمي اليمين مكسورة الشمال فيها بعض الرضوض الجراح، وأن عائلتي استشهدت، أمي وإخوتي، وزوجة أخي وأولادهما...وأصهار أخي الذين لجأوا إلي بيته بعد نزوحهم.
حينها فقط وضعت يدي على بطني، تذكرت أني حامل، حامل في شهري الخامس...
يا إلهي... عشر سنوات انتظرت فيها حملي، هأنا حامل اليوم وأنسى ذلك...
يا إلهي احم هذا الجنين... اجعله أنسي وحارسي
طلبتُ منهم وداع أهلي، فرفضوا، تقبيل يد أمي على الأقل، فقالوا لي:" ما بنقدر، لأنهم أغلبهم أشلاء"، لم أودع إلا ابنة أخي الصغيرة جدًا، ولكنني لم أستطع حملها، نظرًا لظرفي الصحي.
حاولت استجماع قواي ...لكنني لم أستطع الحركة، كسر في قدمي وعمودي الفقري..
أنا اليوم حامل، وأحتاج لعمل عملية تثبيت الكسر، ولا أستطيع إجراء هذه العملية في غزة، أتمنى أن تتهيأ لي الظروف للسفر والعلاج، قبل أن يكبر جنني ويزيد الثقل على ظهري، مما قد يؤدي إلى تفاقم حالتي الصحية، أما وأنني فقد فقدتُ أمي الحنونة، أهلي وأخواتي، فأراني بعضًا صابرةً محتسبة، وأخرى أشعر أنّ النار تشتعل في صدري وأرتعب كلما فكرت بانتهاء الحرب، فكيف لي أن أعيش بدونهم!