بنفسج

لنا جميعا : لهذه الأسباب علينا أن ندّون خبراتنا وتجاربنا

الخميس 25 يونيو

"كانت الغصة ما تزال في حلقه، ولكنه أحس أنه إذا ما أجّل ذلك الذي سيقوله، فلن يكون بوسعه أن يلفظه مرة أخرى! "غسّان كنفاني"

تُقدّم لنا نصائح عديدة في مجال الكتابة، قد نأخذ بها وقد لا نأخذ، في الحقيقة، من الجيّد أن نكتب، أن نحاول دومًا تحريك أقلامنا، فهي بالنّهاية تعكسُ أفكارنا، وما نحن إلاّ مجموعة حيّة من الأفكار المتراكمة والخبرات المتجدّدة. نعم، من الجيّد أن نكتب بين الفينة والأخرى، لكن لا يجب أن نكتب في كلّ شيء هكذا دون فهم أو اختصاص، وأجد كافّة النّصائح التي تقدّم في هذا الشأن صائبة، غير أنّ أكثرها مهنيّة، تلك التي تنصح بأن نكتب في مجال اختصاصنا.

 لماذا؟ لأنّنا عندما نفعل ذلك، نتقن ونجوّد أفكارنا، ونحسن نطقها وتوثيقها وترتيبها، فتصل بثقة وتؤدّي غرضها أيضًا بكل وضوح، يتلّقّاها القارئ بسلاسة، ويدرك أنّها ليست مجرّد كلمات في الهواء، بل منطق فيه علم وحقيقة. ولا قيود على الكتّاب عندما نشترط عليهم الاستناد على التخّصص بل نستطيع أن نكتب في كل شيء عندما نتخصّص في كل شيء، أي أنّنا نستطيع أن نسترسل في فكرة عميقة من خلال توسيع قراءاتنا حولها وتجميع الكثير ممّا كُتب حولها، ثمّ بناء رأي خاص حولها أو تأييد آراء بحد ذاتها كتبت عن هذه الفكرة.

 | تفعيل الأقلام الأنثوية

من الجيّد أن نكتب، أن نحاول دومًا تحريك أقلامنا، فهي بالنّهاية تعكسُ أفكارنا، وما نحن إلاّ مجموعة حيّة من الأفكار المتراكمة والخبرات المتجدّدة. إنّنا نحن النّساء، بحاجة إلى توسيع نخبة الكاتبات، إلى تفعيل أقلامنا الأنثوية، فنحن نمتلك الكثير ممّا لم يكتب أو يتطرق إليه بعد...
 
لدينا تجارب كثيرة لم تنقل لأحد، لم تحكَ على الوضع العام،إنّنا بحاجة ماسّة إلى الأقلام النسويّة اللواتي يعتبرن الكتابة مهمّة من أجل التّغيير. كما علينا أن نعترف بقدرات بعضنا البعض، ونقدّر ذلك، ونشجّع بعضنا البعض.

إنّنا نحن النّساء، بحاجة إلى توسيع نخبة الكاتبات، إلى تفعيل أقلامنا الأنثوية، فنحن نمتلك الكثير ممّا لم يكتب أو يتطرق إليه بعد، لدينا تجارب كثيرة لم تنقل لأحد، لم تحكَ على الوضع العام، لم تناقش، لم تسرد. باختصار، علينا أن نعيد كتابة تاريخنا. قصصنا، خبراتنا، إنجازاتنا. جان سكوت وهي مؤرخة تاريخية طالبت باعتماد 3 مناهج واستراتيجيات لسبل إعادة كتابة التاريخ النسوي بحيث تشمل:

سرد حياة النساء العاديات الفردية “her story "من خلال المرور على حياة المرأة ضمن المحيط والبيئة والطبقة الاجتماعية والحدث التاريخي " social history " بالإضافة إلى تاريخ النّساء من منظور النوع الاجتماعي، أي في علاقتها مع الرّجل "gender history " وكذلك، إنّنا بحاجة ماسّة إلى هذه النّوعيات من الأقلام النسويّة؛ متفرّدة، مختصّة، وأياد سخيّة، يعتبرن الكتابة مهمّة من أجل التّغيير. نعم، تلك النّخبة من الكاتبات اللاّئي يتبرّعن بالأفكار المهمّة، فكيف لمن تملك العلم والفهم والاختصاص أن تبخل، أو أن تتجنّب نشر علمها، أو أن تخجل أو ألا تثق بنفسها. إنّها إذن تكون كالغصّة كما قال غسّان كنفاني: "أن تمتلك الكلمة الأهم ولا تنطقها، أنّه حينها كالإحساس بالموت بل أشدّ".

حين نصغر أمام أنفسنا، بمعنى آخر حين تكبر أمامنا الحقيقة بين الحروف التائهة، أبحث دومًا عن كاتب لا يصرخ ولا ينافس ولا يكرّر! أبحث عن تلك الكلمات البِكر، المعفّرة بغبار الحياة، للكلمات سؤددًا ومجدًا، كالأولياء الصالحين.

كما علينا أن نعترف بقدرات بعضنا البعض، ونقدّر ذلك، ونشجّع بعضنا البعض، فكم منّا لديه معارف وصديقات مميّزات، ولديهنّ إنجازات كتابية، مقالات، قصص، أدب، علم غير منشور، لا شك لدينا الكثير، وهذه فرصة لأن نُنادي على تلك الأسماء، ونأخذ بأيدي بعضنا البعض، ليس من أجل الأشخاص بل من أجل الفكرة، وليس من أجل التباهي والتشوّف بل من أجل إبراز السّمات التي تعبنا جميعًا من أجل تحصيلها، والقدرة!

نريد من على هذا المنبر تشجيع كل النّساء على الكتابة والتدرّب عليها بالاستعانة بالاختصاص. علينا أن نقول ما لدينا الآن.. فلن تمنحنا الحياة فرصة قولها مرّة أخرى. ومن المهم أيضًا أن نكتب بعيدًا عن الغرور والأنانيّة، لقد سمعتُ أحدهم يقول مرّة: "قبل بلوغ أشدّ العمر، كنّا نكتب للمتعة! كنّا نكتب في أيّ أمرٍ، يدفعنا الغرور أن نفعل، كطفل تعلّم قول حرفين، يبتسم بعد محاولات تعلّم الاستنطاق، ثمّ إن كبر قليلًا، تسمعه يغرّد في البيت ويبتسم كلّما صفّقت له أمّه! غير أن أقلامنا لا تعود أقلامنا حين نكبر، حين نكفّ عن التشوّف والتكبّر.

بمعنى آخر، حين نصغر أمام أنفسنا، بمعنى آخر حين تكبر أمامنا الحقيقة بين الحروف التائهة، أبحث دومًا عن كاتب لا يصرخ ولا ينافس ولا يكرّر! أبحث عن تلك الكلمات البِكر، المعفّرة بغبار الحياة، للكلمات سؤددًا ومجدًا، كالأولياء الصالحين، ومداد البعض باق. والأشدّ تجذرًا حرف متعب لم يعد يطيق المكوث تحت أديم مغلق. قد يبعث الله يومًا ما من يشقّ عنه التراب ليزهر.