بنفسج

حينما وجدت كنزي المفقود

الإثنين 22 يونيو

منذ أشهر لم تعرف أصابعي سكونًا قاتلًا كهذا من قبل، فقدت قدرتي على الكتابة وشعورها وتفاصيلها العبقة. نسيت ملامحها وتأملاتها وصباحاتها الندية ومساءاتها المستديرة على هيئة قمر أوحاه الله إليَّ؛ ليهبني شعور الكتابة ولذته. حاولت بكل ما أوتيت من معرفة ومساعدة إلكترونية سرد كل الوصفات التي تسد حالة جوع الكتابة وتستنطقها. قرأت عشرات منها، سمعت أكثر، وطبّقت ضعفها، وكلها باءت بفشل ذريع!

جررت حزني أميالًا لعلي أجد تعويذة لنور الفرج، وملاذًا من وحشة جفاف قلمي الذي بات معلقًا على جدران ذاكرتي إلى أن صرنا على هامش السكون صديقين. حاولت مرة أخرى أن أرصف طريقًا مختلفًا بحماس طفل يستكشف طقس شارعه الأول، غير أنه كان وحيدًا خاليًا يدسّ في جيوبه دهاليز الضباب، ويكتنف في أوردتها قلقًا محشوًا بطول الانتظار.

 وإذ بمحاولاتي تنفد، والحزن يطغى بقلبي المعبئ بوفرة الشعور، غير أن حماس الكتابة كان خرِسًا نائمًا في قبو، ما كان العثور عليه واضحًا إلى أن بلّل الله قلبي بسقيا أمير. رزق الله الأول من لدن الحب المرصّع بسحر الروح، وبشرى إلهامها المنتظر، وضوئها المستفيق من وهج القدر. 

سقى الله به روحي غيثًا منهمرًا. تشقق جدار صمتي وشعرت برغبة في الكلام عن الحياة بعد أن بقي حرفي مدفونًا في شريان العمر؛ وهو يعانق حُلمي بجمل آمنة، رصينة، متزنة، واثقة الخطى.

علبة مفاجئة أغسطس ولفافتها الشهيّة وصوتها اليقظ المغموس في خد الندى. عرفت معه لقمة قلبي وعقلي وصندوقي الدفين الآمن، تحسست وعي الحرف وقوة احتضانه وعمقه وثورته، تصفحت حرارته ومعجزته الدفينة القادرة على الخروج من عنق الزجاجة عبر بوابة نور رحبشعرت بقوة دفع مثالية جاءت من فضل الله ورحمته، التي لطالما سألته إياها طويلًا؛ أن يكون رجلي، بطلي المختلف وصديقي في الحلم والقلم والعمل.

سقى الله به روحي غيثًا منهمرًا. تشقق جدار صمتي وشعرت برغبة في الكلام عن الحياة بعد أن بقي حرفي مدفونًا في شريان العمر؛ وهو يعانق حُلمي بجمل آمنة، رصينة، متزنة، واثقة الخطى. طعم حلاوتها حسن ظنٍ بالله، وقوة إصرار على مواصلة نور الكتابة وقنديلها؛ لعيش حياة تخالف المألوف، وتمنح تأشيرة عودة للكتابة، وانطلاقا جديدا بحماس وشغف مختلفين أصبح عمرهما يومين!

ما أود قوله هنا، عين الشاهد، أننا لا ندرك أي حضور يحمل الشيفرة السرية التي تفتح الأبواب وتغير الأوقات في مفكرة الليل والنهار، وتزعزع الروتين في حركات المد والجزر.

صباحي بعد شهور من عمر اللقاء الأول بشريك الحياة والحلم، منحني باسم هذا الحب الوليد، أول قبلة من ندى الكتابة؛ لأشعر أن نفسًا جديدًا من أنفاس الصباحات النديّة تتسرب إلى رئتي فتورثني سكرًا عذب المذاق، طيب الأثر، قوي الحضور عبق الذاكرة.

ما أود قوله هنا، عين الشاهد، أننا لا ندرك أي حضور يحمل الشيفرة السرية التي تفتح الأبواب وتغير الأوقات في مفكرة الليل والنهار، وتزعزع الروتين في حركات المد والجزر، ثم تعقد رباطة جأش الحرف، تشحنه بالطريقة المثلى التي أهداه الله نورها، وتعقد زمام المبادرة على أن يظل الحرف مسخرًا لخدمة القضايا المجتمعية والتنموية والفكرية.

وسط تعبئة دافئة كل كلماتها خصبة، ولمساتها محاولات طفل على كرسيه الأول، وعيناه ثورة فرنسية صغرى. ستصحو السماء من غيبوبة الليل وتلقي عليك بمعطف الرضا، وتقشع غيمة الخوف التي نمت على صدرك مثل الحشائش البرية. ستهاجرك عجلات الغم التي ملأت ثقوب قلبك ومسامات وجهك، سيعود الشتاء بكل ما أِوتي من دفء وحب وربيع مزهرٍ آخاذ.

ستكشطين سطح الصمت الذي لطالما تدثرت به وسط طرقات حائرة، وخريف أوراق صفراء، ورياح عاتية ذابلة سقطت على محبرتك، فأردتها في غيبوبة دامت سنة إلا ربيعًا. فقط آمني بنفسك، واستثمري حلمك في سبيل سعادتك وشغفك المستعر من فن الوعي الذي كتبه ويلفيرد بيترسون: "السعادة تأتي من وضع كل عاطفتك وقلبك في عملك، وعمل ذلك بفرح وحماس"، إن السعادة لا تأتي من عمل ما نحبه ونرضاه، بل من حب ما علينا عمله".

السر الغالب للسعادة وكنزها الدفين المختلف لدى كل منا هو بحثك الدائم على صوت الحقيقة ونور الوصول لحلم على شفا حرف أن يتحقق.