بنفسج

عبودية العصر الجديد: من التالي لحمدة الخياطة؟

السبت 20 نوفمبر

حمدة الخياطة - رحمها الله - امرأة العاملة في أحد المشاغل في الأردن الواقعة في منطقة الأزرق، وافتها المنية بعد تعرضها للتوبيخ والإهانة من رؤسائها في العمل، حيث اتهم ذوي الراحلة، المدعى عليهم، وعددهم سبعة، بالإيذاء النفسي والمعنوي والإكراه المفضي إلى القتل حسب أحكام المواد 326 و330 و76 من قانون العقوبات الأردني. نفى تقرير الطب الشرعي سبب الوفاة نجومه عن تعرض العاملة لضغط أو توتر نفسي شديد، بالرغم من ما يثبته الطب النفسي في جميع أنحاء العالم بأن التعرض المستمر للتوتر والضغط يزيد من الشعور بالإجهاد الذي يؤثر بدوره على مستوى هرمونات الانفعال الكورتزول والأدرينالين، وبالتالي يزيد من فرص الإصابة بأمراض الدم والدماغ، وجود عامل الوراثة لا ينفي السبب الأساسي وهو القهر والإهانة.

كثير من النساء العاملات في المجتمع الأردني تتعرض لأساليب قهرية واستفزازية تجبر على تحمل ذلك لعدم قدرتها على الوقوف في المحاكم ورفع دعاوي ضد أصحاب العمل، إذ ستجد نفسها عالقة بين المحاميين والقضاة والشهود الذين قد لا يأتون أبدًا، وقد يشهدون شهادات زور بحسب مصالحهم الشخصية.

بأي حق يتجرأ صاحب العمل على إهانة وقهر موظفيه، والمرأة الحلقة الأضعف، فلو كان رجلًا لرد الإهانة، ولربما وصل الأمر إلى الضرب والعنف والشكوى للجهات الأمنية، لكن المرأة ستكتفي بدموعها وقهرها بصمت. كثير من النساء العاملات في المجتمع الأردني تتعرض لأساليب قهرية واستفزازية تجبر على تحمل ذلك لعدم قدرتها على الوقوف في المحاكم ورفع دعاوي ضد أصحاب العمل، إذ ستجد نفسها عالقة بين المحاميين والقضاة والشهود الذين قد لا يأتون أبدًا، وقد يشهدون شهادات زور بحسب مصالحهم الشخصية.

فحتى تستطيع المرأة تحصيل حقها قانونيًا أو شخصيًا لا بد من وجود رجل يساندها ويطالب بحقها، كما أن الجانب النفسي والمعنوي لا يعترف بوجوده أصلًا، فلو أن امرأة اشتكت في أروقة المحاكم العمالية عن تعرضها لإيذاء لفظي وتعنيف نفسي في عملها ماذا سيكون رد القاضي عليها؟ (ا.م) تعمل في مدرسة خاصة، اشترط عليها صاحب العمل التوقيع على عقد عمل براتب ثلاثمئة دينار، وفي الواقع تأخذ مئة وخمسين، واضطرت للقبول من أجل الحصول على الخبرة ورفع مصروفها الشخصي عن كاهل عائلتها.

(س.أ) موظفة في شركة رفضت مديرتها إعطاءها إجازة أمومة بعد ولادتها أكثر من أسبوعين، وهددتها بالطرد إذا طالبت بإجازتها القانونية.

(م.ه) تعمل في صيدلية وتتعرض للإيذاء اللفظي والإهانة خلال العمل، ولكنها لا تستطيع تركه لحاجتها للراتب الذي لا تأخذه إلا بعد معاناة وبالتقسيط. (س.أ) موظفة في شركة رفضت مديرتها إعطاءها إجازة أمومة بعد ولادتها أكثر من أسبوعين، وهددتها بالطرد إذا طالبت بإجازتها القانونية. وغير هذه الحالات كثير، ولا أحد يشتكي حرصًا على الراتب وتدني وفرة فرص العمل. إضافة إلى الحقوق العمالية المهضومة في كثير من مؤسسات القطاع الخاص عدم إعطاء الجانب النفسي والمعنوي حقه في القانون الأردني يزيد معاناة الموظفين، والمرأة بالتحديد، لطبيعتها الأنثوية.

 أعود للسؤال الذي طرحته سابقًا، لو أن امرأة عاملة تعرضت لإيذاء لفظي من قبل صاحب العمل واشتكت إلى القاضي، لن يكون بالأمر السهل، يتطلب منها إثبات ذلك بإحضار ورقة خطية من المدعى عليه مكتوبًا الكلام المسيء فيها، وإذا سجلت اتصالًا أو صورت فللمشتكى عليه حق الرد بانتهاك خصوصيته والدفاع عن نفسه بحلفان اليمين، ومن هي المرأة التي تقحم نفسها في مثل هذه القضايا؟ ونحن نعرف كم تأخذ من الوقت والمال وقد لا تُنصف المرأة، بل تُتهم بأشياء ليست فيها ومنها، والنصيحة المتعارف عليها هي الصمت أو ترك مصدر رزقها.

وإلى أن يتغير شيء في هذا المجتمع الذكوري في وقت ما، والرأسمالي كذلك، نعول على وعي المرأة بأن عملها ليس على حساب كرامتها وصحتها وعائلتها، وظيفة المرأة لا تعني تخلي الرجال من الأزواج والآباء والأخوة عن مسؤولياتهم اتجاهها.  في إحدى محاضرات حقوق المرأة في المجتمع الأردني، أخذت إحدى النساء تتحدث عن تجربتها الشخصية قائلة: تحملت زوجي مدة عشرين عامًا وأنا أعمل خارج البيت، وداخله لأجل أبنائي، لم يكن يسأل أخي عني ولا يعرف أخباري.

تكمل: "عندما كبر الأولاد انفصلت عن زوجي، فصار يتصل بي أخي ليسألني أين كنت؟ ومتى خرجت؟ ومع من؟ فقطعت علاقتي به لأنني الآن لست بحاجة إليه، كنت دائمًا الرجل والمرأة واعتدت ذلك رغم تعبي وإنهاكي، أعلم تمامًا أنه يتصل ويسأل، ليس خوفًا علي وإنما خشية على منظره وسمعته أمام الناس، فلا تدعي أن المرأة العربية إذا تخلت عن الرجل لأنها تقلد الغرب، لا بل لأن الرجل تخلى عن دوره في القوامة أولًا."

إلى متى سيبقى تحكم رؤوس الأموال في الموظفين وكأنهم عبيد! لماذا لا نتعلم مما حدث في أوروبا عقب الثورة الصناعية الأولى ما بين القرن الخامس عشر والتاسع عشر تقريبًا، حيث استقطبت المصانع الرأسمالية في البداية الرجال وعرضتهم لأبشع أنواع الاستغلال الوظيفي فظهرت الثورات العمالية مطالبة بحقوق العمال، لجأت المصانع وقتها إلى النساء كونهن أقل أجرًا وتمردًا، تعرضت المرأة الأوروبية في ذلك العهد للإهانة والاستعباد حتى ظهرت القوانين التي تحفظ حقوق المرأة وتنصفها، لكن بعد عبورها جسورًا من الضحايا، فلنتدارك المصائب قبل وقوعها فكم من حمدة الخياطة -رحمها الله - يعانين بصمت ويقتل فيهن ألف روح وروح كل يوم.