بنفسج

ديزني والنسوية: الجدل حول المرأة في قصص الأطفال الخيالية

الإثنين 17 يناير

روزاليند.png

تعبر الباحثة روزاليند جيل عن انتشار واسع للنسوية في كل أنواع الخطابات الرسمية الموجهة للجمهور حول العالم، ولكن هل الخطاب النسوي الذي تسرب إلى الإعلام في مختلف أنحاء العالم هو خطاب ذو نسيج واحد أم أن هناك متغيرات حقيقية طرأت على هذا الخطاب؟ بالطبع تعرض الخطاب النسوي لتغييرات كبيرة في نسيجه الأساسي، مما جعله مختلفًا ومتباينًا حتى في أغراضه التي نشأ أساسًا في إثرها، وإحدى تمظهرات هذه التغيرات ظهور ما يُسمى بالنسوية الخادعة.

وهي ما سوف يتعرض له هذا المقال؛ إذ كيف ظهرت؟ وما أشكال هذا الظهور؟ وكيف للمتلقي الواعي تلمس هذا الظهور، وتتبعه، وبالتالي نقده، ومعرفة أسباب ظهوره، وكيف تم استخدامه ضد النسوية نفسها كحركة تحرر إنساني، إضافة إلى التعرض إلى تاريخ من مقولات النسوية المزيفة وتعامل ديزني معها، متناولًا لذلك التاريخ بالنقد والتحليل، والتتبع. النسوية الخادعة، ما هي، وما علاقة ديزني بها، وكيف تداخلتا بشكل جعل من "واحدة المشكلة" ومن الأخرى الحل؟ وكيف خلقت كل منهما سياقًا جديدًا يحرك المياه الراكدة التي كرستها التأويلات البطريركية للنسوية التي أدت لتحول النسوية من حركة إنسانية تحررية إلى حركة تبدو وكأنها كارهة للرجل ومتحيزة للمرأة؟

بادىء ذي بدء، وبشكل مبسط؛ فإن النسوية الخادعة؛ تسعى لتمحور المرأة حول ذاتها، وتصورها على أنها تسعى بشكل أناني مطلق للسيطرة على الرجل، وتنشر خطاب كراهية ضد الأسرة والرجل أيًا كان صفته. لذا فهي تنتزع قلب الخطاب البطريركي المسيطر بتأويلاته على المرأة والأسرة والمجتمع، والسينما، لعقود، وتضع بدلًا منه تأويلات تدعي كونها "نسوية" تصور المرأة على أنها هي من يجب أن يحظى بمكانة المسيطر صاحب اليد المطلقة، بدلًا من الرجل، خالقة بذلك مناخًا من الكراهية يضع على أحد جانبيه الخطاب البطريركي.

| النسوية المزيفة [ Faux feminism] وعلاقتها بديزني

FauxFeminism2.png
النسوية المزيفة وعلاقتها بديزني

في دراسة لنيل درجة الماجستير للباحثة مارلو هومينسكي، في جامعة وينيبيج في فانكوفر كندا، تحت عنوان "العالم السحري للبطريريكية: البحث في النسوية المزيفة في قصة الجمال النائم وماليفيسينت"؛ تؤكد الباحثة على أن النسوية تيار صاعد، أو هكذا تبدو، وقد تحولت إلى خطاب يتبناه مشاهير هوليوود، والذين هم بالتالي مشاهير ديزني، وهي النسوية التي تم تعريفها على بحسب الناشطة الأمريكية المخضرمة بيل هوكس في كتابها "النسوية للجميع"، على أنها "حركة تهدف لإنهاء التحيز والاستغلال واللاعدالة على أساس الجنس".

النسوية في مساحات أرحب؛ حركة تحررية إنسانية تهدف لتحرر الإنسان بشكل عام، وتركز على انتزاع حقوق النسوة اللاتي تم حرمانهن من بعض حقوقهن الأساسية بسبب سيطرة القوانين البطريركية على المجتمعات بشكل عام غربًا وشرقًا، ولأننا في مجتمعات أصبحت تتعرض يوميًا لتيارات جارفة من المعلومات، في قوالب السوشيال الميديا، المعتمدة تمامًا على الثقافة المرئية، فقد تم اختزال النسوية غربًا وشرقًا في أيدلوجية متطرفة، تهدف إلى حصار الرجل، وتُصنف بصفتها حركة "كارهة للرجال".

هذا الفهم المغلوط وجد صداه إلى مجتمعات هوليوود وديزني، بين أسماء كبرى في كليهما، حسبما أوردت مارلو "عند ميريل ستريب وسوزان سارندارو كايتي بيري، اللاتي بتن يرفضن النسوية على أساس سمعتها الإقصائية الأصولية، وهي الصورة التي ظهرت في المجتمعات الغربية، في صورة السيدة بانكس من فيلم ماري بابينز الذي تم إنتاجه في العام 1964، والتي بدت سيدة بيضاء مأخوذة للغاية بمشروعها الموسيقي، لدرجة أنها لم تنتبه إلى اختفاء أبنائها، أي أنه تم تصوريها على أنها امرأة تبحث عن ذاتها بعيدًا عن مسؤولياتها، وهو يجعل بحثها عن ذاتها مقابلًا لتخليها عن مسؤلياتها.

هوكس.png

تمظهر آخر للنسوية أسمهت فيه بشكل كبير إحدى محطات التلفزيون المحافظة في الولايات المتحدة، وهي فوكس نيوز، وناشيونال ريفيوز، وحتى مجلات تصف نفسها بالليبرالية مثل مجلة التايمز، تتناقل جميعها خطابًا مفاده أن النسوية قد ماتت، وأن دورها قد انتهى منذ السبيعينات، وأن أي محاولة لإحيائها لا لزوم لها كما تدعي سوزان فينكير، الكاتبة الأمريكية المعادية للنسوية.

مع مرور الوقت تتحول تلك التأويلات المعادية للنسوية، والتي يتم تضخيمها وتداولها، والعمل عليها، على أنها النسوية الحقيقية. على الجانب الآخر، ولأن النسوية في أصلها فكرة، فقد حُملت على أكتاف القوة الناعمة من خلال الثقافة المنقولة للأطفال، حسبما تشير الباحثة روزاليند جيل، فقد استطاعت الوصول إلى أن تصبح "ثقافة مطلوبة" من قبل بعض الآباء أنفسهم من خلال روايات الأطفال، والأفلام واللعب، التي تبرز الفتاة كبطلة، قوية، مختلفة، كما حدث في "Huger games" أو ألعاب الجوع، التي لعبت بطولتها إليزابيث بانكس، وغيرها مثل رواية "Divergen" التي كتبتها فيرونيكا روث، والتي تتناول فيها الفتيات بصفتهن بطلات رئيسات في روايات تحفل بديستوبيا البحث عن العدالة، والتصدي للظلم، وهي تمظهرات إيجابية، تضع المرأة على رأس الفاعل الأساسي لعملية التغيير للأفضل أو مقاومة الأشرار، مغيرة قليلًا صورة السوبرمان، أو الرجل الخارق القائم بأعمال التغيير وحده في العالم.

من هنا كانت ردود أفعال الآباء مشجعة للغاية على عمل مثل "فروزين" التي تركز على العلاقات العائلية، وتجعل منها جوهرَ أو محورَ الموضوع بدلًا من التفضيلات الكلاسيكية للرومانسية بين الجنسين التي سادت ديزني لفترات طويلة، وهو الفيلم الذي تم تصنيفه الأعلى أرباحًا على مر العصور السينمائية، بحسب ما أورده موقع السي بي سي نيوز الأمريكية الذي أكد سيطرة فروزن الجزء الثاني على شباك التذاكر منذ إطلاقه في تشرين الثاني/ نوفمبر 2019 وحتى عام 2020، بأرباح تصل إلى أكثر من مليار دولار، وهو ما لم يحدث في أي فيلم للأطفال على مستوى العالم.

| ديزني وخطابات البطريركية المتجددة

نسوية 2.jpg
فيلم رابونزل

هذه النجاحات أدخلت الرؤية النسوية التي تناولت هذه الشخصيات في سياقات أخرى، خلقت قاموسًا موازيًا للمعاني التي سعت إليها النسوية، ذلك لأن الشباب والأطفال يستقون ثقافتهم حول النسوية من الثقافة الشعبية بالأساس التي ادعت في كثير من سياقاتها وخطاباتها، سيطرة تمثيل الفتاة أو المرأة في قصص الأطفال، وهو ما أدى إلى تطور وتضخيم النسوية المزيفة التي سبق وأشرنا إليها على أنها التحيز ضد الرجل أو كراهيته، وهو أيضًا ما يمكن نفيه ببساطة من خلال نظرة أعمق وأكثر علمية لأعمال مثل فروزين وموانا وغيرها من أعمال ديزني، وهي النظرة التي تبنتها الباحثة كايتي إل جيبسون من جامعة كولورادو في كتابها عدم تسييس النسوية، حيث أكدت أن إعادة إنتاج سياقات وخطابات بعيدة عن النظرية النسوية كحركة حقوقة بالأساس أسهم في خلق نسوية موازية تحظى بتداول واسع في الثقافة الشعبية داخل المجتمعات البطريركية، التي تعمل على وصم النسوية بالكراهية.

كايتي.png

أما ديزني، فهي على الجانب الآخر لا تتحرك على المستوى البصري فقط، بل هي أيضًا إمبراطورية رأسمالية، نتنج لعب الأطفال، والبرامج اليومية، والأزياء الخاصة بأبطالها، و الكثير من البضائع الاستهلاكية، ومنذ إنتاجها الأول عام 1937 لفيلم "بياض الثلج و الأقزام السبعة"، فقد احتكرت الشركة إنتاج القصص الخيالية للأطفال، وعلى الرغم من كونها عملاق الترفيه العائلي، فقد احتاج محتواها الترفيهي دومًا إلى التدقيق بحسب أيضًا ما أشار له الناقد الأمريكي الكندي هنري جيروكس، حيث يقول في كتابه (الفأر الذي ضحك أخيرًا): "على الرغم من أفلام ديزني لا تروّج للعنف الذي أصبح مادة محورية بالنسبة للكثير من أشكال الثقافة الشعبية الأخرى، لكنها أيضًا تمرر رسائل ثقافية واجتماعية تحتاج إلى التدقيق".

| ديزني والأدوار الجندرية: كيف؟ ولماذا؟

نسوية 3.jpg
فيلم الأميرة والضفدع من إنتاج ديزني

كانت ديزني في الماضي العملاق الترفيهي العائلي الذي يعزز الأدوار الجندرية التقليدية والسياقات المقولبة للجنسين، وهي التي تحولت بشكل غير مباشر إلى رسائل توجه جمهورها من الأطفال وتعلمهم حول هوياتهم وتمظهراتها في المجتمع. منذ بدأت ديزني منذ عقد، أو أكثر بقليل، إنتاجها فيلم "الأميرة والضفدع" عام 2009، بدأت سردياتها تتبني صورة أكثر قوة للمرأة، صورة تكاد تكون معادية تمامًا لما قدمته عن صورة المرأة أو الفتاة في الماضي.

هنري.png

لطالما كانت الصورة التي تبنتها ديزني في الماضي للمرأة أو الفتاة، وخاصة في أفلام الأميرات، أن الأميرة فتاة تعيش في ظل مجتمع بطريركي متمحور حول الرجل، حيث وُضعت في إطار طبيعتها التي يجب أن تخدم الرجل البطل، أما الأميرات أنفسهن فكن يُقدمن من خلال جمالهن الخارجي وقدراتهن المنزلية، وبالتحول الذي حدث في سرديات ديزني منذ إنتاج فيلمها "الأميرة والضفدع"، حيث البطلة تيانا تعمل في عدة وظائف، وتتحدى الصعاب من أجل أن تحصل على مطعمها الخاص، وفي رابنزل تظهر الفتاة وهي تتحدى المرأة التي تدّعي أنها أمها، وتهرب من البرج الذي حبستها فيه لتطارد أحلامها في رؤية المصابيح الطائرة عشية عيد ميلادها، وفي موانا تظهر الفتاة ساعية بجهد عظيم للإبحار عبر المحيط لتنقذ جزيرتها.

| ملاحظات النقاد

نسوية 6.png
فيلم كرتون من إنتاج ديزني

يتحدث الباحثون مثل جينا ستيافنز وكايتي كابورتش أن رابنزل، وغيرها من أميرات ديزني، بالفعل، يظهرن منقذات حقيقيات، بالاعتماد على مهارتهن دون اللاتفات "للمرة الأولى" إلى جمالهن الخارجي، وعلى الرغم من الثناء الكبير الذي حظي به فيلم فروزن، فلا يزال بعض النقاد يرون أن أغنيتها "لتذهب" أو "let it go"، وخاصة في اللحظة التي تخلصت فيها من ملابسها المحافظة في سبيل تحرير قواها الخاصة، شكل من أشكال الرسائل السلبية عن جسد المرأة، مررته ديزني من وجهة نظر الباحثة ماجا رودلف، وهي الملاحظة التي أوردتها في كتابها "مفارقات ما بعد النسوية".

كما يرى بعض النقاد أيضًا أن فيلم موانا جدلي، ليس فقد من أجل ما أسماه الباحث روبين أرمسترونج ب "مصادرة الثقافة البولينيزية وتغريبها" في كتابه حول الموضوع (تغريب واستعمار ديزني لثقافة موانا)، ولكن أيضًا لإبرازه صراعها مع والدها كوسيلة لتحررها، بحيث بدت وكأنها يجب أن تدخل في صراع لتحجيم وتدجين هذه العلاقة من أجل تحررها، حيث بدت وكأنها تعاني من عقدة إلكترا[1].

الخلاصات المهمة في هذا الحوار، تنبع من أن بوصلة المتلقي المدقق يجب أن تكون هي سبيل رشاده الأول في المحتوى الذي يُقدم إلى أبنائه، وألا يكون هذا التدقيق بالرقابة الصارمة، بل الواعية التي تفترض نقل هذا الوعي المدقق إلى الطفل المتلقي من خلال مساعدته على طرح الأسئلة بدلًا من استقبال المحتوى على عواهنه، خاصة أننا لم نتحرك بعيدًا أبدًا في عالمنا العربي عن كوننا مدبلجين ومستهلكين لهذا المحتوى.


| المراجع

[1] عقدة إلكترا هي مصطلح أطلقه يونج عام 1913 لوصف النسخة الأنثوية من عقدة أوديب (Oedipus complex) التي أطلقها سيغموند فرويد، وهي مصطلح تحليلي نفسي يستخدم لوصف التعلق اللاوعي للفتاة بوالدها بين عمر 3 إلى 6 سنوات، والتنافس مع والدتها على مشاعر أبيها.