بنفسج

السنفورة نموذجًا: تتبع تاريخي لصورة الأنثي في الرسوم الكرتونية

السبت 07 اغسطس

عانت الأنثى لعقود، وما زالت، من التمثيل الخاطئ لها، أو المنقوص، في السينما والتليفزيون، وعلى رأسه الإنتاج الأمريكي من الرسوم المتحركة في أفلام وبرامج الأطفال. فالمرأة إما بطلة خارقة، بمواصفات جمال استثنائية (ملكة الثلج)، أو فتاة ضعيفة لا حيلة لها تنتظر الأمير الوسيم لينقذها من متاعب الحياة (سندريلا، الجميلة النائمة نموذجًا). على مدار عمر السينما الأمريكية كانت البشرة البيضاء هي المسيطرة، وظلت النماذج المختلفة نماذج استثنائية فردية، مثل فيلم مولان (نموذج المرأة الآسيوية).

في السنوات الأخيرة، ومع موجة جديدة للحركة النسوية، توجهت هوليوود بقوة لتمكين المرأة، ولأن هوليوود تحب مواكبة الموجات والتوجهات المعاصرة، فنجد أن مظاهر تمكين المرأة تبرز في أفلام الرسوم المتحركة؛ فظهرت أفلام بطولة كاملة لشخصيات أنثوية متنوعة، مثل فيلم موانا (نموذج المرأة اللاتينية) الذي تغامر فيه بشجاعة لإنقاذ قبيلتها بمفردها على الرغم من معارضة عائلتها خوفًا عليها من المخاطر. وبالرغم من وجود شخصية رجل قوية في الفيلم (الإله ماو) إلا أن موانا تمكّنت من إثبات بطلان نظرته عنها كأنثى ضعيفة لن تستطيع إنقاذ نفسها فضلًا عن إنقاذ قريتها.

أيضًا شاهدنا فيلم (زوتوبيا) الذي كانت بطلته شخصية أرنبة نجحت في دورها البطولي كشرطية في مهنة تعمل فيها أساسًا الحيوانات المفترسة. إضافة إلى أحدث إنتاج هوليوود من الرسوم المتحركة فيلم (رايا) وبطلته فتاة آسيوية سمراء، أنقذت العالم ووحدت القبائل بمساعدة التنين الأنثى (سيسو). تتفق هذه الشخصيات في أنها إنتاج حديث، شخصيات تُقدَم لأول مرة، فماذا إذن عن الشخصيات التي تم نسجها بالفعل قديمًا، وفقًا لمنظور القرن الماضي للمرأة، هل يمكن إعادة تقديم هذه الشخصيات بشكل مختلف؟! لنأخذ شخصية سنفورة نموذجًا.

| ميلاد سنفورة

في قرية السنافر -المقتصرة على مجموعة كاملة من السنافر الذكور ومعهم بابا سنفور- تحاول هذه السنفورة الأنثى ذات الشعر الأسود الشعث أن تثير المشكلات لتنفيذ مهمتها الأساسية التي من أجلها صنعها الشرير شرشبيل؛ وهي الإيقاع بالسنافر بين يديه. بسبب انعدام ذكائها تفشل سنفورة في تنفيذ مهمتها، وفي نفس الوقت، تضيق من كونها منبوذة من أهل القرية، وترغب في أن تشعر بالقبول والانتماء. تتوجه سنفورة إلى بابا سنفور وتفصح له عن كل شيء، وأنها من صناعة الشرير شرشبيل وأنها ليست سنفورة حقيقية، صنعها لتوقع بهم ليتمكن من الاستيلاء عليهم.

تصارح سنفورة بابا برغبتها في أن تصبح سنفورة حقيقية تنتسب إلى قرية السنافر. يساعدها بابا سنفور، ويقوم بتحويلها إلى سنفورة حقيقية، لتكون هي الأنثى الوحيدة في قرية السنافر، فتختلف الحكاية وتختلف نظرة السنافر لها. سنفورة الجديدة ذات شعر أشقر طويل مصفف بعناية، تردي فستانًا أنيقًا وقصيرًا وحذاءً عالي الكعب. هكذا تصبح سنفورة محط أنظار جميع السنافر، وتكون مقبولة كصديقة ورفيقه ومفكرة، وعضو فاعل في مجموعة السنافر.

افللم.jpg
فيلم مولان وفيلم موانا وفيلم رايا

بهذه الصورة الغربية الخالصة، نشأت شخصية سنفورة في الثمانينيات كأول إنتاج تلفزيوني لعمل الرسام البلجيكي (بييو) مبتكر شخصيات السنافر في الخمسينات. في هذه الآونة، كانت صورة المرأة المقبولة والمحبوبة التي يقدمها المجتمع الغربي هي المرأة الشقراء، حسنة المظهر، المثيرة، محط إعجاب واحترام الجميع. وللمفارقة، فإن تلك المواصفات على مغايرتها لطبيعة البيئة العربية والشرقية من حيث مظهر وميزات الأنثى، ولكنها استطاعت أن تساهم في تشكيل المفهوم العربي عن الأنثى الجميلة والمقبولة مجتمعيًا، والمتمثل في البشرة البيضاء والشعر الأشقر الناعم الطويل. مظهر سنفورة كان كفيلًا لقبول المجتمع لها، وللتعرف على شخصيتها، والاستماع إليها، والاعتراف لها بالحكمة والذكاء.

السنافير.png
السنافر

وعلى النقيض، كانت الدراما تصور الشر في البشرة السمراء والشعر الأجعد الكثيف كما ظهرت سنفورة في البداية. وبالرغم من أن سنفورة المعدلة التي طورها بابا سنفور هي شخصية شجاعة، ذكية ومقدامة، ولكن مع الأسف، بالرغم من شجاعتها وإقدامها فإنها توقع نفسها في المتاعب فتحتاج في النهاية لمن ينقذها من السنافر. فبغض النظر عن المظهر، نجد أن شخصية الأنثى التي رسّختها أفلام الرسوم المتحركة هي شخصية اعتمادية بالمقام الأول، حتى وإن كانت مطابقه للمواصفات الشكلية، وحتى وإن اتسمت ببعض الشجاعة، لا بد في النهاية أن تحتاج إلى تدخل الرجل لإنقاذها من المخاطر. وفي هذا المنظور الذي رسخ في أذهان الأطفال في المجتمعات الغربية والعربية على حد السواء، إجحاف بكل من شخصية المرأة والرجل الذين يتعايشون جنبًا إلى جنب في المجتمع في علاقة مشاركة واحتياج متبادلة وليست علاقة اعتمادية فقط.

| سنفورة والقرية المفقودة

 فيلم السنافر والقرية المفقودة (٢٠١٧)، قد جاء مواكبًا للموجة الثالثة من النسوية، والتي تهدف بشكل أساسي إلى التعبير عن شخصية الأنثى وخصائصها المتفردة أيًا كان مظهرها أو أصلها وعرقها، فسنفورة هي بطلة الفيلم والقرية المفقودة –للمفاجأة- هي قرية كاملة من السنفورات الإناث. بهذه الفرصة الجديدة، وهذا التطور الكبير في دور الأنثى بين السنافر، هل نجحت هوليوود في التغلب على الصورة النمطية للمرأة؟
 
بتفكير معاصر في الشخصية الأنثوية، تبحث سنفورة عن ذاتها بالأساس قبل أن تبحث عن القرية المفقودة، فجميع السنافر لهم أسماء تعبر عن شخصياتهم وما يجيدون فعله أو ما يميزهم. هناك سنفور مفكر، وسنفور فضولي، أكول ومازح وغاضب، أما هي فاسمها لا يدل إلى على أنها أنثى.
 
سنفورة هنا تريد أن تعرف نفسها وما يميزا، وهي نظرة تبدو مختلفة عن السياق الماضي لشخصيتها في الأجزاء السابقة. في رحلتها للبحث عن هويتها تبحث سنفورة عن القرية المفقودة لتحذرهم من قدوم شرشبيل، ولحسن حظها تكتشف مجموعة كاملة من جنسها، قرية كاملة من الإناث. فكيف تجسدت شخصيات السنفورات، وكيف استقبلن سنفورة؟

بخلاف السلسلة التليفزيونية عن السنافر، أنتجت هوليوود أفلام كاملة عن السنافر، هي السنافر ١،٢ (٢٠١١، ٢٠١٣). أما فيلم السنافر والقرية المفقودة (٢٠١٧)، فقد جاء مواكبًا للموجة الثالثة من النسوية، والتي تهدف بشكل أساسي إلى التعبير عن شخصية الأنثى وخصائصها المتفردة أيًا كان مظهرها أو أصلها وعرقها، فسنفورة هي بطلة الفيلم والقرية المفقودة –للمفاجأة- هي قرية كاملة من السنفورات الإناث. بهذه الفرصة الجديدة، وهذا التطور الكبير في دور الأنثى بين السنافر، هل نجحت هوليوود في التغلب على الصورة النمطية للمرأة؟

بتفكير معاصر في الشخصية الأنثوية، تبحث سنفورة عن ذاتها بالأساس قبل أن تبحث عن القرية المفقودة، فجميع السنافر لهم أسماء تعبر عن شخصياتهم وما يجيدون فعله أو ما يميزهم. هناك سنفور مفكر، وسنفور فضولي، أكول ومازح وغاضب، أما هي فاسمها لا يدل إلى على أنها أنثى. سنفورة هنا تريد أن تعرف نفسها وما يميزا، وهي نظرة تبدو مختلفة عن السياق الماضي لشخصيتها في الأجزاء السابقة. في رحلتها للبحث عن هويتها تبحث سنفورة عن القرية المفقودة لتحذرهم من قدوم شرشبيل، ولحسن حظها تكتشف مجموعة كاملة من جنسها، قرية كاملة من الإناث. فكيف تجسدت شخصيات السنفورات، وكيف استقبلن سنفورة؟

| السنفورات في مقابل السنافر

بالرغم من محاولة الفيلم في البداية تقديم نموذج جديد من الأنثى التي تسعى للبحث عن ذاتها بعيدًا عن مظهرها، نجد أن قرية السنفورات حطمت هذا الهدف، بشكل أو بآخر، في طريقة تقديم شخصيات الإناث. فنجد آن أسماء السنفورات لا تمت بصلة إلى شخصياتهن أو ذواتهن، فعلى عكس أسماء السنافر التي تعبر عن خصائصهم، تأتي أسماء السنفورات كأسماء أزهار وورود - السنفورة زهرة، السنفورة زنبقة. وعلى العكس أيضًا من السنافر الذين يقومون بأعمال ووظائف محددة في القرية تخص سير الحياة، فإن قرية الإناث تشتمل فقط على أنشطة ترفيهية ورعاية للجمال والبشرة كأنها مركز تجميلي بدون أي تمايز للشخصيات على انفرادها.

في قرية السنفورات، على الرغم من اختلاف أشكالهن، ولكنهن يشتركن في أنهم لطيفات، مرحات مبتهجات دائمًا تحيط بهن الألوان البراقة اللامعة، ويبدو عليهن الخجل وأحيانًا السذاجة. بالرغم من أن التعبير عن الأنثى في الموجه النسوية الثالثة يبتعد عن الأفكار الأولى للحركة من المساواة مع الرجل ويركّز على كونها أنثى بعيدًا عن مقارنتها بالرجل، إلا أن الفيلم، حتى في هذا السياق، لم يقدّم ما يميز شخصية الأنثى، ولكن لجأ إلى الصورة القديمة النمطية عن نعومتها ولطفها وحبها للجمال، وهي وإن كانت من خصائص الأنثى، ولكنها لا تبرز شخصيتها الذاتية الفاعلة في المجتمع والبيئة من حولها.

سنفوراات.jpg
أشكال السنفورات

تظهر السنفورات الحقيقية بشعر أزرق داكن يتناسب بشكل منطقي مع لون بشرتهن الزرقاء، كما يظهر حرص الفيلم على إظهار التنوع العرقي من خلال المظهر، فهناك السنفورات ذات الشعر المنسدل، والطويل، والقصير، والمجعد، ولكن ليس لأي منهن شعر أشقر مثل سنفورة، في تأكيد على كونها ليست سنفورة أصلية، وإنما هي صناعة مركبة من الشرير وبابا سنفور، وهو ما اعتبرته دائمًا نقطة ضعف، وهو ما ستقوم باستغلاله في النهاية، كما سنرى.

في محاولة يائسة لتقديم الاختلاف الداخلي بين إناث القرية، تظهر سنفورة واحدة مختلفة عن بقية الإناث، ولا تحمل اسمًا لزهرة أو نبته، ولكن اسمها عاصفة، وهي المسؤولة عن مراقبة حدود القرية وحمايتها من الأخطار. بالرغم من أن "عاصفة" الوحيدة التي لها صفة تعبّر عنها إلا أنه تم تقديم شخصيتها بأنها شخصية عنيفة، مرتابة، غير ودودة، عكس باقي السنفورات، فهي ليست مضيئة ومبتهجة، مما يعيدنا مرة أخرى إلى الصورة النمطية للأنثى، والتي حتى وإن خالفتها شخصيتها، فهي تحتاج إلى تبرير ذلك، وإيضاح أن صفاتها تلك لا تخرجها من إطار الصورة، فتعبر عنها صديقاتها بأنها (لطيفة ولكن بطريقتها الخاصة) فالأصل في السنفورة أن تكون لطيفة ورقيقة، على العكس من السنافر الذين منهم الفضولي والغاضب على سبيل المثال دون احتياج للتبرير.

شرشبيل1.jpg
شرشبيل والسنفورة

تثير (عاصفة) الشكوك حول سنفورة بعد معرفتها بأنها في الأصل صناعة الشرير شرشبيل وليست حقيقة من السنافر، بل أرسلها إليهم الشرير للإيقاع بهم في شراكه. في الماضي، وبين قرية من الذكور، كان مظهر سنفورة كفيلًا بحيازتها لثقة أفراد القرية، وهو ما ترسّخ قديمًا عن المجتمع الذكوري من تقييمه للأنثى عن طريق مظهرها بداية، في المقابل، وفي قرية من الإناث هذه المرة، لن يفلح مظهرها فقط في كسب الثقة، ولكن لا بد لها من فعل يكسبها الثقة.

قبل أن تتمكن سنفورة من الدفاع عن نفسها في أنها لا تعمل لصالح الشرير، يصل شرشبيل للقرية ويستولي على السنافر جميعها، فتتأكد شكوك القرية حول سنفورة. في النهاية، تكتشف سنفورة أن مكوناتها السحرية التي صنعها بها شرشبيل في البداية هي نقطة قوتها، والتي مكنتها للتغلب من سحره، حيث استطاعت مكوناتها السحرية أن تمتص قوته وتحوله لسلاح يقضي عليه، ولكن من أجل ذلك، ضحت بروحها في سبيل إنقاذ أصدقائها وإثبات إخلاصها لهم، فتعود إلى أصلها كقطعة من الطين الأزرق، حتى يتوحد جميع السنافر إناث وذكور في إعادتها للحياة من جديد.

| صورة المرأة في السينما

سنافير م.jpg
سنفورة

في الفيلم الأخير، نجد هناك رغبة واضحة في إحداث تباين بين الصورة النمطية للأنثي - والتي برزت في الأجزاء السابقة، وفي سلسلة السنافر التلفزيونية- وبين التوجه الحديث لتقديم الأنثى والذي يواكب الموجة الثالثة من النسوية، ولكنه بالرغم من وضوح هذا الهدف إلا أن الفيلم وقع مرات عدة في فخ التنميط القديم للأنثى.

فعلى الرغم من تقديمه لثلاث نماذج للأنثى: سنفورة التي تبحث عن ذاتها وتصل إلى قوتها الخاصة في النهاية، وسنفورات القرية اللاتي يعكسن الصورة النمطية للأنثى بلطفها ونعومتها كالأزهار، والسنفورة عاصفة التي لها شخصيتها الخاصة المختلفة، لكنه في هذه الأثناء حصر أغلبية الإناث في الصورة النمطية وقدم اختلاف شخصية "عاصفة" كوصمة في حقها كأنثى، وليس كخاصية تتميز بها شخصيتها، وهي في رأيي الفرصة التي أهدرها الفيلم في تعزيز شخصية الأنثى الطبيعية في نموذج مختلف عن سنفورة التي تدخل في صناعتها عوامل خارجية ذكورية بالأساس- خليط من صناعة الشرير وبابا سنفور.

في النهاية، فإن محاولات السينما، وتحديدًا سينما الأطفال، لتقديم نموذج مختلف عن المرأة، له دور حساس جدًا في صناعة الأفكار وتغييرها، فهي قادرة على تشكيل وعينا ونظرتنا تجاه أنفسنا أولًا، وتجاه الأشياء والبشر والحياة والعلاقات فيما بينهم. وعلى الرغم من هذه المحاولات الجادّة في السينما المحلية والعالمية، إلا أنها ما زالت تقع في فخ التنميط القديم للمرأة، أو فخ عدم الواقعية، فنجد المرأة في السينما إما رقيقة ناعمة أو بطلة خارقة.

لمزيد من الإيضاحات عبر منصة المحتوى، من هنا.


| المراجع

[1] Berger, Arthur Asa (2008). Seeing Is Believing: An Introduction to Visual Communication. 3rd ed. New York: McGraw Hill.

[2] Megan Leigh, Gender stereotyping in Smurfs: The Lost Village, Pop-verse, 2017

[3] http://pop-verse.com/2017/04/28/gender-stereotyping-in-smurfs-the-lost-village/

[4] https://smurfs.fandom.com/wiki/Smurfette

[5] https://www.syr-res.com/article/21441.html (الموجات النسوية الثلاث، ورابعة عصرنا; ماذا تغير؟)