بنفسج

الحركة النسائية الفلسطينية إبان الانتداب البريطاني

الثلاثاء 04 يناير

في مقدمة لا بد منها، تجدر الإشارة إلى أن الحركة النسوية تختلف عن النسائية، ولا نستطيع أن نطلق على كل نشاط/ حراك نسائي بأنه يندرج تحت الحركة النسوية؛ فالأخيرة حركة عالمية، انتظمت تحتها النساء في أماكن مختلفة من العالم، وجميعها تجمعت لذات السبب، وهو المطالبة بحقوق المرأة، والنضال في سبيل تحقيق المساواة. وتتعدد اتجاهات الحركة النسوية في العالم بحسب الظروف السياسية في كل مكان؛ فمطالبات واتجاهات الحركة النسوية التي برزت خلال الفترة الشيوعية ليست ذاتها التي برزت في ظلال اللليبرالية.

هناك من يقول أن هناك حركة نسوية عربية تبعت الحركات النسوية الغربية، ولكننا لا نستطيع القول أن هناك حركة نسوية عربية أو فلسطينية مستقلة بذاتها، ولها اتجاهاتها ومبادؤها ونشاطاتها ومنظّراتها. لا بد من التعريج إلى هذه النقطة لأن الكثير من الباحثات/ الباحثين وقعن/ وقعوا في لبس التوحيد بين مفهوم الحركة النسوية والحركة النسائية.

وفي الحالة الفلسطينية، تقول الكثير من الناشطات أنهن ينتمين للحركة النسوية العالمية؛ الغربية منها، أو التي ظهرت قبلها وبعدها، على تعدد تياراتها. ولكننا هنا، في هذه المقالة، نركز على دور المرأة التي اتخذته إبان الانتداب، بوصفه نشاطًا نسائيًا منتظمًا، وليس عشوائيًا، فالمؤتمرات التي شاركت فيها النساء الفلسطينيات كانت تُعقد بصورة منتظمة ومرتبة، ومجموعة النساء المشاركات كن قيادات وبارزات في المشهد الفلسطيني. وهنا، نستطيع أن نقول أن النشاط/ الحراك النسائي الفلسطيني كان ممنهجًا ومخططًا له، وجزء من حركة التحرير الفلسطينية في مراحلها كلها. 


اقرأ أيضًا: قبيل النكبة وبعدها: الشهابي تنظم الجهود النسائية


 

 شاركت المرأةُ الفلسطينيّة ميدان المقاومة والنضّال ضدّ المستعمِر، وحاربت السياسات الاستعماريّة منذ فترة الانتداب البريطانيّ حتى وقتنا الحاضر. من خلال مشاركتها في حمل السلاح والتدّرب عليه، وإسعاف المصابين، وجمع الأموال لدعم الحركة الوطنيّة والثوّار. كما برزت مشاركتها السياسية من خلال عقد المؤتمرات وتسيير المظاهرات الاحتجاجيّة ضدّ سياسات الاستعمار ومن ضمنها وعد بلفور.

وهنا، يسلّط المقال الضوء على دور المرأة والحراك النسائي في فترة الانتداب البريطاني، من خلال قراءة أرشيف الصحف الصادرة في تلك الفترة، ومطالعة أبرز عناوينها، واختيار عينّة عشوائيّة من الصحف التاليّة لهذا المقال وهي: الطبل، ومرآة الشرق، والجامعة العربيّة، والشعب، وفلسطين، والدفاع، في تلك الفترة، في محاولة لفهم الأبعاد السياسية للحراك النسوي في الفترة الانتدابية على فلسطين.

 

| الصحف: الحراك النسوي يتجه للعمل السياسي

رشيف.jpg
المرأة الفلسطينية في عهد الانتداب البريطاني

بعد أن كانت الجمعياتُ النسائيّة تهتم بالعمل الخيريّ والقضايا الاجتماعية، تحوّلت الرؤيةّ نحو العمل السياسيّ المجتمعيّ، وبالأخص خلال فترة الانتداب البريطانيّ، حتى وإن لم يكن بالشكّل المنّظم والمؤَسس في البداية. نطالع في جريدة "الطبل"[1] عن هبّة السيّدات في دعم الحركة الوطنيّة عن طريق تطبيق مشروع القرشين؛ الهادف لجمع الأموال دعمًا للحركة الوطنيّة في محاربة الانتداب البريطاني. تزايدت أنشطة الحراك النسائي في أواخر العشرينات، وبدأت مظاهر المأسسة تبدو بشكل أكبر، إذ أُسست «جمعية السيدات العربيات» في القدس عام 1928، وسُجلت كأول جمعية ينص دستورها رسميًا على حق المرأة في تعاطي الشؤون السياسية، وأقامت لاحقًا فروعًا لها في مناطق مختلفة.

كانت ثورة البراق نقطة مهمة في مسارِ الحركة النسائية الفلسطينية، فبدأ التدشين الرسمي للحركة النسائية عندما عُقد المؤتمر النسائي الأول في منزل طرب عبد الهادي في مدينة القدس يوم 26 أكتوبر/تشرين الأول 1929، وهذا ما يطلعنا عليه أرشيف الصحف، فاحتفلت عناوين الصحف بانتخاب لجنة من النساء ذهبت لمقابلة المندوب الساميّ، وسميت منذ ذلك الحين بـ«اللجنة التنفيذية للسيدات العربيات». كما أفردت صحيفة مرآة الشرق صفحتها الأولى للمؤتمر النسائيّ الوطنيّ. فجاء على النحو التالي: "مؤتمر السيدات وطنية السيدات الملتهبة نساء فلسطين وثبن إلى الأمام فليس هناك قوة تقف في سبيلهن".[2]

في تفاصيل الخبر: "للمرة الأولى في تاريخ فلسطين، يُعقد مؤتمر السيدات، وللمرة الأولى ترفع المرأة الفلسطينية صوتها عاليًا للاحتجاج على الظلم وعلى الاستبداد وعلى وعد بلفور الجائر. فتجلت في هذا المؤتمر أرقى العواطف البشرية وأنبل النفوس وأسمى المبادئ. بدأ المؤتمر الساعة العاشرة صباحًا في بيت عوني بك عبد الهادي بعد أن اكتمل عدد الوفود من أكثر مدن فلسطين، أما المدن التي لم تتمكن من إيفاد وفودها، فقد أرسلت عدّة برقيات تؤيد فيها المؤتمر وتفوّض لجنة القدس الإدارية أن تنوب عنها، وقد انتخب المؤتمر رئيستين؛ هما عقيلة عطوفة موسى كاظم باشا الحسيني، وصاحبة الفضل والعفاف الست محفوظة النابلسي. كان أول ما بدأ المؤتمر به أعماله أن وقفت السيدات صامتات مدة 3 دقائق على أرواح الشهداء، فتجلى في هذا الموقف الرهبة والسكون والحزن الصامت وكان المنظر مؤثرًا للغاية.

مرأة الشرق.png
جريدة مرآة الشرق تكتب عن المؤتمر النسائي الأول

ألقت السيدة ساذج نصار خطابًا بالنيابة عن وفد حيفا، يتضمن الأعمال التي تستطيع أن تقوم بها السيدات في سبيل قضية البلاد، ووصفت في خطابها حالة فلسطين الحاضرة وعلاجها. ومن رام الله مدام بديعة سلامة، رئيسة جمعية نهضة نساء رام الله.

تلتها عقيلة عوني بك عبد الهادي التي قدمت عريضة الاحتجاجات باللغة العربية، وهي المطالبة بوقف الهجرة اليهودية إلى فلسطين…". ومن أبرز مقررات المؤتمر النسائي: مهمة المرأة العربية في فلسطين القيام بنهضة نسائية وطنية عربية أسوة بالأقطار الأخرى، وأنّ هذا المؤتمر هو أساس للحركة النسائية في فلسطين، ويقرر المؤتمر إلغاء وعد بلفور والانتداب البريطاني، وغيرها من المطالب التي صاغتها المرأة الفلسطينية في تلك الفترة.

اقرأ أيضًاكليتان لتأهيل المعلمات في فلسطين

من العناوين الأخرى نقرأ: المؤتمر النسائي الفلسطيني الأول: السيدات العربيات يحملن مقررات المؤتمر للمندوب... خمسمائة سيدة يقمن بمظاهرة كبرى في الشوارع احتجاجا على سياسة الحكومة الجائرة التي سببت الاضطرابات [3]. خصصت الصحف صفحاتها الأولى لتغطية المؤتمر النسائي، والملاحظ من خلال متابعة أرشيف الجرائد في تلك الفترة، تخصيص مساحة كبيرة لهذا المؤتمر، وهذا يدلّ على الأهمية الكبيرة والحدث النوعي الذي كان في تلك الفترة، وعلى تأسيسه لمرحلة جديدة في النضال تكون المرأة فيه شريكة وصاحبة قرارات. 

المؤتمر النسائي الأول.jpg
المؤتمر النسائي الفلسطيني الأول للسيدات العربيات

في خطابهن للمندوب السامي: "رأت السيدات العربيات بلادهنّ تجاه سياسة صهيونية جائرة أدت إلى الاضطرابات الخطيرة التي كان من ضحاياها الرجال والنساء معًا، وقد أصبح الخطر في المستقبل لا يتهدد الرجال فقط، بل يتناول النساء أيضًا بخلاف الأقطار الأخرى التي لا يوجد فيها خطر القتل الأعلى للرجال في ميادين القتال فقط".

إذًا، شكّل المؤتمر أول إطار سياسي نقابي جامع للحركة النسائية الفلسطينية. تبنّت الحركة فيه المطالب الوطنيّة التي طرحتها قيادة الحركة الوطنية: إلغاء وعد بلفور، وقف الهجرة اليهودية إلى فلسطين وإنشاء حكومة وطنية من أجل الاستقلال. وعملت النساء، وبخاصة في المدن، ضمن أطرهنّ الأبرز - الجمعيات - بالتوازي والتنسيق مع الحركة الوطنية. وتميزت قيادات هذه الجمعيات بكونها نشأت على أيدي نشيطات الحركة وغالبيتهن زوجات وبنات قادة الحركة الوطنية، من النساء المتعلمات المثقفات، وأيضا نساء الموظفين في حكومة الانتداب.[4]

| صوت زهرة الأقحوان العربيّة يعلو بالصحف

inbound8381030817178415089.jpg
مهيبة خورشيد وساذج نصار  وطرب عبد الهادي

شهدت فترة الانتداب أيضًا، أطرًا نسائيّة في المدن حملت السلاح وقاومت الاحتلال، أبرزها: فرقة «زهرة الأقحوان العربيّة» التي أقيمت في يافا بتأسيس الأختين: ناريمان ومهيبة خورشيد، اللتين حملتا السلاح ودرّبتا الرجال والنساء على مهاجمة مستوطنات يهودية في المنطقة خلال العام 1948، إضافةً إلى إسناد المجهود الحربي في المدينة من خلال تأسيس فرقة إسعاف [5]. وتجهيز وتقديم الألبسة والأطعمة لمجاهدي الحامية في جبهات المدينة المختلفة.. ووفقا لشهادة مهيبة خورشيد، فإن تحول الجمعية إلى النشاط العسكري بدأ بمبادرة منها ومن شقيقتها ناريمان، إثر مشاهدتها لسقوط طفل برصاص قناص من بات يام[6].

ومن أبرز مشاركات "جمعية زهرة الأقحوان" في هذا النشاط خطبة ممثلة الجمعية، ناريمان خورشيد في تظاهرة يافا النسائية الاحتجاجية على قرار التقسيم، والتي أكدت فيها ضرورة مساهمة النساء في المعركة، ولمّحت عن توجهاتها المستقبليّة، فقالت مخاطبة المتظاهرات: "ساعدن رجالكن واشددنّ عزائمهم، فأنتنَّ بذلك إنمّا تعدن للأذهان نضال المرأة العربية في سالف أزمانها. فأين منّا هند المنتقمة، والخنساء المضحيّة، والسيدة عائشة رضي الله عنها المشجعة المواسية.. وبهذه المناسبة الآن أنتهز الفرصة لألفت نظر مواطناتي، راجيةً سرعة العمل وترتيب أعمالهن لتكن كل سيدة على علم تام بما يجب عليها عمله..".[7]

تناولت الصحف مقالات للحديث عن الفرقة ونشاطاتها ومن هذه العناوين : "فرقة اتحاد زهرة الاقحوان للجهاد المشترك"[8].
"يافا- جاءنا من اللجنة القوميّة ما يلي: ألف اتحاد "زهرة الأقحوان" فرقة للجهاد بجانب الرجل مؤلفة من اثنتي عشرة فتاة. وقد انتدب الاتحاد وفدًا برئاسة الآنسة ناريمان خورشيد فذهب إلى عمّان وقابل جلالة الملك ولجنة الدفاع عن فلسطين.

ثمّ ذهب إلى دمشق، فقابل الهيئة العربية العليا واللجنة العسكرية متحدثّا عن يافا وبطولتها وجهادها وخصوصا جهاد المرأة والفتاة في مختلف نواحي الإسعاف والنضال...وقد لقي هذا الوفد كل ترحيب وتشجيع  من المسؤولين في القطرين الشقيقين. وقابلته الصحافة السورية والأردنية أجمل مقابلة، وأثنت عليه ثناء عاطرًا. ولا شكّ أن أمة تجاهد المرأة فيها بجانب الرجل لن تموت ولها النصر".

الصحف2.png
فرقة زهرة الأقحوان في يافا

نطالع العنوان التالي الذي يتشيد بفرقة زهرة الأقحوان: بنت يافا في الميدان فرقة زهرة الاقحوان تعيد مجد بنت الأزور [9].

في تفاصيل الخبر: في محلة الجبالية بيافا آنستان من عائلتين كريمتين، تابعتان لفرقة "زهرة الأقحوان العربية" تتميزان عن غيرهما من آنساتنا العاملات بأنهما تحملات بين ضلوعهما قلبين قويين لا تهاب الواحدة منهما الموت، وقد تركتا منزليهما إلى ميدان النضال في جبهة الجبالية فتراهما في جميع المعارك تحملان سلاحهما وتسيران جنبا إلى جنب مع المناضلين في الحركات الهجومية بعد أن رفضتا العمل في خطوط الدفاع الخلفية؛ مما يذكر أنّهما ألقتا - في هجوم أمس الأول- أول قنبلتين على استحكامات المجرمين اليهود، واشتركتا في نسف تلك الحصون المجرمة، هذا بالإضافة إلى أعمال الإسعاف التي تقومان بها مع زميلاتهما.

الانتداب البرطاني.jpg
الانتداب البريطاني على فلسطين

نلاحظ أنّ بعض الصحف لم تذكر أسماء النساء بشكلٍ صريح، ربمّا بسبب الخوف عليهم لأسباب سياسية وأمنيّة، أو حتى بسبب العادات الاجتماعية في تلك الفترة، والتي تلزم إحالة اسم السيدة لأبيها أو زوجها، مما سبب غيابًا لأسمائهن الكاملة وشكل عائقًا أمام معرفتهن، والتعرف إليهن، والاستفاضة في بحث موضوع النساء المناضلات في مراحل مختلفة. ومما ندلل عليه بالمثال، هو فرقة زهرة الأقحوان، ففي الوقت الذي تتوضح فيه أهميّة هذه الفرقة التي اتخذت أنشطة نضاليّة ضد الانتداب البريطاني والعصابات الصهيونيّة، وساهمت في الدفاع عن مدينة يافا وبقيّة المدن الفلسطينية، لم نستطع التوصل إلى ترجمة لأسماء عضوات الفرقة، والتعرف إلى مسيرتهم خلال وجودهن فيها وما تلاها من مرحلة. 

وربما، نستطيع أن نقول في خاتمة هذا المقال، أن وعي النساء كان موجودًا، بدورهن ومشاركتهن، من خلال العمليات العسكرية، أو وجودهن في الطواقم الطبية، وفرق أخرى خلال الحرب، ومشاركتهن في المؤتمرات المحلية والعربية. وهذا الوعي بُني واستمر وتطور في حرب 1948، وكذلك في حرب 1967، وما تلاها من أحداث في مراحل الحركة الوطنية الفلسطينية. 


| االمراجع

[1] الطبل، 26 حزيران/ يونيو 1922، ص 2.

[2] مرآة الشرق، 28 تشرين أول/ أكتوبر 1922، ص1.

[3] الجامعة العربية، 28 تشرين الأول/ أكتوبر 1929، ص 1.

[4] جنان عبده، الفلسطينيات وتاريخ العمل السياسي، السفير العربي، الرابط: http://palestine.assafir.com/Article.aspx?ArticleID=2596

[5] بلال شلش، "يافا.. دم على حجر ٌ حامية يافا وفعلها العسكريّ"، الدوحة: (المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات،2019)، 206.

[6] المصدر السابق.

[7] الشعب، 5 كانون الأول / ديسمبر 1947، ص 2.

[8] الدفاع، 7 نيسان/ أبريل 1948، ص 2.

[9] فلسطين، 4 شباط / فبراير 1948، ص 2. ⁨⁨