بنفسج

تتّبع تاريخي: المرأة في مسار الفكر والسياسية الفلسطينية

الخميس 09 يونيو

انتشرت في نهاية خمسينيات وستينيات القرن الماضي الأيدولوجيات القومية واليسارية، وشهدت هذه الفترة تأسيس الأحزاب والتنظيمات والحركات؛ فتح والشعبية والديمقراطية وحزب الشعب، وأُعلن عن إنشاء منظمة التحرير الفلسطينية[ م. ت. ف] في عام 1964 الذي اتسم ميثاقها بروح قومية علمانية، عكست الواقع السياسي والأيديولوجي العربي والفلسطيني في ذلك الوقت.

شكّل الفكر اليساري عاملًا مهمًا في تطوير مشاركة المرأة في الأحزاب، وبدأت النساء بالانخراط في التنظيمات، وكان الاتحاد العام للمراة أحد أول قواعد [م. ت. ف] مع اتحاد العمال والطلاب، وكانت مشاركة المرأة النضالية كبيرة ونوعية، ومن أهمها: عمليات شادية أبو غزالة 1968، ودلال المغربي 1978، وعملية ليلى خالد خطف الطائرة الإسرائيلية، منعطفًا جديدًا في تاريخ النضال الفلسطيني. 

________________-09-56.png

في السبعينيات ظهرت تدريجيًا إرهاصات إسلامية بدأت بالعمل الدعوي، وإنشاء مؤسسات إغاثية، ومدارس إسلامية، ولجان زكاة، وجمعيات خيرية. ومع نهاية السبعينيات، تشكلت الكتل الطلابية التي استقطبت الطلاب ضمن برامج سياسية مقاومة للاحتلال، وأصبحت الجامعات معاقل للحركات الطلابية، وأصبح هناك جناح خاص بالطالبات أثّر على الجمهور النسوي الذي شكّل امتدادًا له وبدأ بترتيب نفسه.

تميزت فترة الانتفاضة الأولى بدور بارز للمشاركة الجماهرية للمرأة في النضال الوطني بمختلف أشكاله، وشكّلت الأطر النسوية (المجلس النسوي الأعلى) الذي ساهم في توحيد قوى وفصائل [م. ت. ف]، بعد أن حُظر الاتحاد العام للمرأة، وشهدت التسعينيات نشاطًا ملحوظًا للإسلاميات بعد اعتقال المئات من شباب وقيادات الحركة الإسلامية، وإبعاد أكثر من 400 قيادي وناشط؛ فنُظمت المظاهرات والمسيرات والاعتصامات، ودفعت المرأة استحاق المرحلة بكل تفاصيلها، وغدا تفاعلها مع العمل الوطني يتسع. 

| أوسلو: انقسام سياسي بأبعاد فكرية أيدلوجية

inbound3748065523587785209.jpg

 بعد توقيع أوسلو 1993، وما بدأ معه من مرحلة بناء شبه "الدولة" الذي برهن على أنه وهم، حيث استمر الاحتلال وفشلت السلطة الفلسطينية في تأسيس نفسها كدولة، وتفتت البنى السياسية لمنظمة التحرير وللأحزاب المكونة لها، واستبدل برنامج [م. ت. ف] ببرنامج أوسلو الذي انقسم عليه المجتمع الفلسطيني، وما تبع ذلك من قمع للعملية الديمقراطية، وفرض شروط التسوية، وأصبحت السلطة مكبلة بشروط واتفاقيات دولية وإقليمية، نتج عنها ضمور في القاعدة الاجتماعية لها، وقمع الحراكات الشعبية، تعرضت فيها النساء من الأحزاب المعارضة للسلطة لكثير من الاعتداءات.

أثّرت السلطة على الحركات النسائية، إذ أدت إلى إضعاف، أو حتى تفكيك للمنظمات الجماهرية لمصلحة إنشاء المنظمات غير الحكومية التي تكيفت مع متطلبات "المشاريع" التي تعطي أولوية للممولين، أو المانحين الدوليين، والمنظمات الدولية، بدلًا من المشاركين، مما جعلها منظمات تابعة. 


اقرأ أيضًا: الاستراتيجية الوطنية للمرأة الفلسطينية: تعديلات اقتضتها أوسلو


في الانتفاضة الثانية عام 2000، أُسست مجموعة من المراكز والمؤسسات والجمعيات النسائية ذات التوجه الإسلامي في أغلب محافظات الضفة التي أخذت، بداية، طابع الخدمة الاجتماعية في هيئة برامج تعليم مختلفة، واتسع عملها وتعددت نشاطاتها الوطنية المختلفة، وتطورت إلى برامج تثقيفية متنوعة بنت خلالها جمهورًا واسعًا، وقاعدة شعبية من مختلف الفئات العمرية، وبرزت كثيرات يطالبن بالعمل العسكري، فكانت الاستشهاديات مثل دارين أبو عيشة وريم رياشي، والأسيرات مثل أحلام التميمي وغيرها.  

________________-09-58.png

وكانت من نتائج أوسلو أيضًا أن أدت إلى هيمنة خطاب التنمية، وبناء الدولة، وتضاؤل خطاب التحرير، وأضعفت من ثقافة المقاومة، وأبرزت ثقافة الاستهلاك، وتشكلت وزارة شؤون المرأة في رام الله 2003 ضمن هذا الإطار الذي يهتم بمأسسة الاهتمام بقضايا المساواة في أجهزة السلطة متخذة من المواثيق الدولية نبراسًا لها، مما أدى إلى إضعاف علاقة الوزارة بالشرائح النسائية المتضررة من سياسات الاحتلال، أو من السياسات الأمنية للسلطة.

على أن الوزراة في الضفة استطاعت تحقيق بعض المكتسبات، سواء في ما يتعلق برفع سن الزواج مثلًا، مع وجود تخوف من المس بجوهر أحكام قانون الأحوال الشخصية خوفًا من ردود أفعال جماهرية، إذ أن منهج الاعتماد على المواثيق الدولية لتعديل أو إدخال إصلاحات على هذا القانون، لم يجدّ في تأسيس قاعدة شعبية حاضنة لهذا النهج.

________________-09-55.png

وبشكل عام أيضًا، فقد أُسس نظام الحكم السياسي الفلسطيني بعد أوسلو على انتهاك الحقوق والحريات، مما صعّب من إمكانية تحقيق النساء لحقوق مواطنتهن الكاملة.وشكّل تعاون السلطة في الضفة مع شروط الرباعية، ورفض فتح، وكل فصائل [م. ت. ف] المشاركة في حكومة وحدة وطنية مع حماس [2006]، خوفًا من الضغوط الدولية بعد رفض "إسرائيل" والقوى الكبرى، القبول بنتائج الانتخابات التشريعية، والتي أوصلت حماس للسلطة، ترسيخًا للشرخ بين إسلاميين وعلمانيين على أسس سياسية واضحة، بدأت تأخذ أبعادًا فكرية وأيدولوجية.

تشابكت العناصر السابقة في إضعاف نحت أرضية للعمل المشترك بين الحركة الإسلامية وغيرها من القوى السياسية، مما أدى إلى الانقسام الفلسطيني في 2007، والذي ساهمت النساء من كلا الطرفين بتعميقه؛ فلا تواصل ولا حوارات تفتح نقاش ماهية المواطنة للنساء، وأولوياتها في المرحلة الراهنة التي يسود فيها الاحتلال، ويمنع فعلًا من إحداث تغييرات عميقة ومستدامة تمس جوهر حياة النساء اليومية. 

مع الانقسام، سُحب الغطاء عن جميع المؤسسات الإسلامية، بما فيها الخاصة بالنساء، واستبدلت بهيئات وكوادر معينة من السلطة، واعتقل العشرات في سجون السلطة، وقمعت العديد من المظاهرات، وأصبح نشاط الإسلاميات محظورًا وملاحقًا من الأجهزة الأمنية. 

________________-09-08.png

ساهمت أوسلو في شرذمة النسيج الاجتماعي والوطني للمجتمع الفلسطيني، وعمقت الانقسام النسوي في البرامج والأهداف، حيث التركيز على أجندة بناء الدولة، وتمكين النساء بالاعتماد على المواثيق الدولية لم يسهم في بناء الأسس الديمقراطية، ولا في استمرارية النضال بسبب استمرارية الاحتلال، وضعف وتشرذم القوة السياسية للحركات النسوية التي لم تتمكن فيها المرأة حتى الآن من بلورة رؤية شاملة جامعة للكل النسائي الوطني، تمزج فيها بين نضالها الوطني والاجتماعي.

على أن التشابك بين الخطاب العلماني والإسلامي ساهم إيجابًا بالعودة إلى النصوص الدينية وقراءتها، بما يتلائم والتحديات التي تطرح على مستوى قضايا المرأة عموما ومشاركتها السياسية خصوصًا، وفتح الباب واسعًا للحاجة لتبني حوارات وطنية مجتمعية بين النساء، ومدّ جسور مشتركة بين مختلف التوجهات، وقبول التعددية الفكرية والسياسية والاجتماعية.

إضافة إلى الانفتاح على الآخر، مهما كانت هويته طالما أنه في سياق القيم الوطنية والمجتمعية، بما يساهم في توحيد أو نحت أرضية للعمل المشترك بين مختلف الاتجاهات النسوية، تحدد فيها استراتيجية واضحة، وترتب الأولويات، وتُصاغ البرامج على الأرض بما يتناسب وخطورة المرحلة التي تمر بها القضية الفلسطينية، ويعزز من المشاركة الفاعلة للمرأة الفلسطينية في صياغة المضامين السياسية والاجتماعية التي من شأنها التاثير على الحيز العام الفلسطيني.