بنفسج

الاستراتيجية الوطنية للمرأة الفلسطينية: تعديلات اقتضتها أوسلو

الأربعاء 07 أكتوبر

| الوثائق الأولى: الشّعارات والمرحلة

بعد عام من تأسيس منظمة التّحرير الفلسطينة 1964، انبثق الاتّحاد العام للمرأة الفلسطينية كممثّل للنّساء الفلسطينيات في الدّاخل والشّتات. حدث ذلك بعد انعقاد المؤتمر النّسوي الأول في القدس والذي هدف إلى تعبئة وتنظيم الطّاقات النسّائية لخدمة القضيّة الفلسطينية، والإسهام الفعّال في معركة التّحرير. واعتم
د في وثيقته الأولى على برنامج منظّمة التحّرير ببديهيّاته الثاّبتة والحقوق غير القابلة للتصرّف، وأهمها: عودة اللّاجئين، وحق تقرير المصير، وبناء دولة عاصمتها القدس.

ثمّ صحِب عمليّة توسّع دائرة العمل النّسائي للاتّحاد محلياً وإقليمياً ودولياً اعتماد شعارات مختلفة حسب كل مرحلة، فكانت الشّعارات الأولى للمؤتمرات الأربع التي عقدت في القدس وبيروت وتونس (توجّه المرأة نحو توحيد الجهود من أجل تحرير الوطن).

تأثرت الشّعارات باختلاف الأوضاع الاقليمية والدّولية، فأصبح الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية عضواً في الاتحاد النّسائي العربي، وفي لجنة المرأة العربية التابعة لجامعة الدّول العربيّة، ثم نال عضويّة الاتحّاد النّسائي الدّيمقراطي العالمي عام 1968. وشارك بالمؤتمرات الدّولية للمرأة في المكسيك (1975) ثمّ كوبنهاجن (1980) ثمّ نيروبي (1985) ثمّ بجّين (1995) الذي جاء بعد توقيع اتفاقيّة أوسلو (1993).

16 (3).png
ملخص "1" 

اختلفت الشّعارات كثيراً بعد أوسلو، وكذلك الاستراتيجيات وخطط العمل، فتمّت إعادة هيكلة الاتّحاد العام، وصياغة الاستراتيجية الوطنية للمرأة الفلسطينية عام 1997. وعقدت من أجل هذا الهدف ورش عمل تحت إشراف وزارات السّلطة الوطنية والمنظّمات غير الحكومية؛ تتمركز حول النّقاط المحوريّة لمؤتمر بجين ( 1995). ( الموسوعة الفلسطينية ).

| مرجعيّات الاستراتيجية الوطنيّة للمرأة الفلسطينية

زليخة 1.jpg
السيدة زليخة الشهابي: عضو الاتحاد العام للمرأة العربية، وإحدى مؤسسات الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية

من أهم المرجعيات الأدبية للاستراتيجية الوطنية للمرأة الفلسطينية كانت: برنامج منظّمة التحرير، وثيقة إعلان الاستقلال، وثائق المجلس المركزي 1988 الذي ينص على المساواة بين الجنسين في الحقوق والواجبات، وثائق حقوق المرأة المعلنة من قبل الاتحاد بعد عقد مؤتمراته، اتّفاقية إلغاء جميع أشكال التّمييز ضد المرأة ( سيداو )، مذكّرة مطالب المرأة الصّادر عن الاتحاد العام 1997، مخرجات ورش العمل مع المنظمات غير الحكومية ومؤتمر وزراء العرب 1996؛ الذي حدّد أولويات المرأة العربية والمرأة الفلسطينية حسب نتائج مؤتمر بجين، الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والإعلان الدّولي لحقوق الطّفل. [الاستراتيجية الوطنية للمرأة الفلسطينية 1997).

| خطاب بناء الدّولة: التحوّل من التحّرير إلى التّنمية

وزارة شؤون المرأة.jpg
يوضح الشعار الذي اتخذته وزارة شؤون المرأة، أهدافها الاستراتيجية المتمثلة في الجمع بين النضال الاجتماعي والسياسي

تأسسّت وزارة شئون المرأة سنة 2003-2004، ونشأت على أدبيّات دمج ( النّوع الاجتماعي ) في سلطة بلا دولة وبلا استقرار كامل وبلا سيادة حقيقية على الأرض. سببّ استمرار الاحتلال أزمة مفاهيم بين( التحّرير) و (دمج النّوع الاجتماعي)، وأدّى التحاق القيادات النّسوية التّاريخية للحركة الوطنّية بجهاز السّلطة ما بعد أوسلو إلى تبنّي خطاب (بناء الدّولة)، وركّزت الخطابات النّسوية لاحقاً على (قضايا المساواة) و (الإصلاح القانوني) و(العنف ضد المرأة)، وشكّل هذا التوجّه تناقضاً مع استمرار هيمنة الاحتلال على كافّة مفاصل الحياة للشّعب الفلسطيني.

تراجعت على إثر هذه الظّروف خطابات وثقافة التيّار الوطني والتيّار العلماني الديمقراطي الذي أصبح محكوماً بخطاب اللّيبرالية الجديدة المعولم عن (حقوق الإنسان) و(الحكم الصّالح) و(مساواة المرأة). وعكست الاستراتيجيات المعتمدة في وزارة شؤون المرأة تباعد الاهتمام بقضايا تحرير المرأة مع استفحال خطاب منظّمات التّمويل الدّولية. ( جاد، 2014)

| التّعديلات على وثيقة الاستراتيجية الوطنية

17 (2).png
ملخص رقم 2

في 2004 تغيّرت رؤية ورسالة الاستراتيجية الوطنية للمرأة الفلسطينية ليتم التّركيز على "بناء وتنمية الوطن الدّيمقراطي" و"ترسيخ مجتمع مدني فاعل تحكمه القيم الوطنية والحضارية والإنسانية". ( وزارة شئون المرأة. 2004).

أنجزت وزارة شؤون المرأة خلال الفترات السّابقة العديد من الاستراتيجيّات التي عكست أولويّات متغيّرة من فترة إلى أخرى. في عام 2005 وضعت خطة لمدة سنتين ركّزت على: تعليم وتدريب النّساء في المجال المهني والتقني، ودعم وصول المرأة إلى مراكز صنع القرار، ورفع الفقر عن معيلات الأسر.

وتم تركيز هذه المحاور على مهام (التّنمية والبناء). نجح المحور الثّاني في رفع نسبة مشاركة النّساء في الوظائف الحكومية لكنّه كان نجاحاً جزئياً. بعد 2006، اختلفت الوقائع تماماً بعد فوز الإطار الإسلامي، وحوصرت الوزارات من بينها وزارة المرأة من قبل الرّباعيةّ الدّولية لأسباب سياسيّة محضة ولاعتبارها أنّ الإسلاميّات (غير واعيات نسوياً).

زادت الفجوة بين الأطر النّسوية بعد 2006، خاصّة أنّ النّساء في الإطار الإسلامي لم يساهمن في بلورة رؤية سابقة واضحة للتّعامل مع قضايا الجندر أو مع خطاب الحركة النّسوية بشكل عام. وعلى الرّغم من شكوك ومخاوف الحركة النّسوية العلمانية واليسارية من قيام النّساء في الإطار الأسلامي من نسف كافّة جهود ووثائق وزارة شئون المرأة إلا أنّ ذلك لم يحدث البتّة، فقد قامت الوزارة في عهد الحركة الإسلامية باستكمال العمل على محاور استراتيجية 2004 مع إضافة الجزء العملي إلى جانب السّياساتي للوزارة، والاهتمام برعاية النّساء معيلات الأسر من ذوي الأسرى والشّهداء.

18 (3).png
ملخص رقم "3" 

بعد الانقسام عام 2007، تم إعداد استراتيجية جديدة لوزارة المرأة تستمر ثلاث سنوات أخرى لغاية 2011، تركّز على محور أساسي وهو محاربة العنف ضد المرأة خاصّة العنف الأسري، مع إهمال وتجاهل عنف الاحتلال، على الرّغم من وجود إمكانيّة للاستفادة من قرار 1325؛ الذي يتيح استخدام آليّات القانون الدّولي لتقديم شكاوى فلسطينيات معنّفات ضدّ الاحتلال، وخاصّة في محكمة الجنايات.

في عام 2011، تم وضع تعديلات جديدة مرّة أخرى، لكن هذه المرّة حاولت الوزارة دمج بعض المحاور الوطنيّة مع المحاور السّابقة. على سبيل المثال: الاهتمام بملف النّساء المقدسيّات وتمكينهنّ على المحافظة على حق الإقامة والتنقّل والمواطنة في القدس. وكان إدخال محور دعم الأسيرات بمثابة نقلة نوعيّة في خطة عمل الوزارة لكن هذا المحور واجه تحديّات تتعلّق بصعوبة التّنفيذ من ناحية الخطة الزمنيّة المحدودة، إلى جانب عدم وجود موازنة مالية كافية مقارنة مع حصص التّمويل التي خصصّت لمحور محاربة العنف.

تأثرّت الاستراتيجية الوطنية للمرأة الفلسطينية بالحالة السيّاسية العامّة بعد الانقسام، وبقيت تابعة لتوجهات السلطة الوطنية في الضّفة، ولم تناقش أو تحاول رأب الصّدع على المستوى النّسوي بين الضّفة وغزّة. وبقي التّركيز منصبّاً على الأجندة الاجتماعية. ( مصدر سابق. 2014)

| الخطّة الاستراتيجية لمناهضة العنف الاجتماعي

19 (2).png
ملخص رقم "4" 

تأسسّت اللّجنة الوطنيّة لمناهضة العنف ضد النّساء بقرار وزاري عام 2008م، وكان الإعداد لها ضمن الهدف الثّالث من برنامج الألفيّة الإنمائيّة للأمم المتّحدة القائم على أساس المساواة على أساس النّوع الاجتماعي وتمكين المرأة. ساهمت في وضع الخطّة الاستراتيجية لمناهضة العنف ضدّ النّساء للأعوام 2011-2019.

وتعتبر هذه الخطّة عبر قطاعيّة تداخلية مع القطاعات الحكومية المختلفة، وتشترك في تنفيذها مؤسسّات حكومية، وغير حكومية، وأهلية وخاصّة؛ تهدف إلى الحد من العنف القائم على أساس النّوع الاجتماعي على ثلاث مستويات: وقائية، حماية، وتفعيل قانوني. وساهمت بعض السّياقات في تهيئة الأجواء العامّة لتبني الاستراتيجية أهمها الشّراكة الواسعة، تبنّي الرّئاسة لاتفاقيّة (سيدوا) وقرار 1325 القائم على حماية النّساء في مناطق النّزاع، واعتماد موازنة حسّاسة للنّوع الاجتماعي. وتطلّبت هذه الاستراتيجية إعادة لتعريف العنف ثمّ تعميمه.

| الإشكاليات المرتبطة بأدبيات الخطة وبياناتها

يمكن أن نلخص أهم الإشكاليات التي تتعلق بالبيانات المرتبطة بحالات العنف: عدم توفّر البيانات بكمّية كافية، الأبحاث الكمّية والكيفية غير المعمّمة، والتي لا تتجاوز 20 دراسة محليّة، وتركّز على العنف الأسري فقط وعلى المرأة المتزوّجة، كما تفتقر لمنهجيّة منتظمة في التّعامل مع البيانات، وهي متضاربة أحياناً حسب صدورها من مؤسسّات مختلفة. كما كان الإطار العام لتفسير العنف مستمدّا من العادات والتّقاليد حسب ما جاء ذكره في الاستراتيجية. أمّا مصادر البيانات الأساسية للاستراتيجية فجاءت من القطاع الرّسمي، ومجموعات النّقاش.

| التحدّيات المعيقة للتّنفيذ 

ربيحة.jpg
وزيرة شؤون المرأة السابقة ربيحة ذياب، والمشرفة على صياغة الخطة الاستراتيجية لمناهضة العنف 

تواجه الاستراتيجية الأخيرة إشكاليات تنفيذ تتعلّق بالسّياق السيّاسي والثّقافي والاجتماعي والثّقافي: فممارسات الاحتلال مستمرّة ومتعمّقة، وجلّ التّعويل في المساندة من أجل تحقيق الأهداف معلّق على البعد الدّولي (مؤسّسات ومنظّمات حقوق إنسان) أكثر من الآليّات الوطنيّة. كما تعدّ قلّة الدّراسات والإحصاءات التي توضّح نسبة العنف الجنسي الممارس من قبل الاحتلال عائقاً مهماً. بالإضافة إلى عدم وجود إحصاءات وطنيّة لقياس مدى تأثير العنف على الموازنة العامّة للسّلطة. (الخطة الاستراتيجية لمناهضة العنف ضد النّساء 2011-2019).

وفي ظل التحولات المتسارعة على السّاحة السيّاسيّة المحليّة والإقليمية والدّولية، خاصّة بعد الفوضى التي لحقت (ثورات الرّبيع العربي) وبقاء حالة الانقسام بين الفصائل الفلسطينية، وتوتر الأوضاع في كافّة أجزاء الوطن خاصّة في القدس وغزّة، وانعدام الأفق السّياسي بسبب اختلاف الأولويات المرحلية؛ ستبقى كافّة الاستراتيجيّات محدودة التّنفيذ وغير قابلة للإنجاز، ومع وجود محاولات لتوطين الخطة الأخيرة إلاّ أنّها بقيت في إطار علاجي غير وقائي تركّز على الآثار والتّبعات دون التّعامل مع الأسباب ودون تبنّي حلول واقعية تعيد الثّقة بين كافّة الأطر النّسوية، وستبقى مجرّد خطط عاجزة في ظل وضع معقّد وعالق إلى ما لا نهاية. ( دارين صيّاد ، تقييم نص وثيقة الخطة الاسترتيجية لمناهضة العنف ضد النّساء 2011-2019).


| المراجع والمصادر

[1] الموسوعة الفلسطينية : https://www.palestinapedia.net

[2] A National Strategy for the Advancement of Palestinian Women, 14/6/199

[3] جاد، إصلاح . " الحركة النسوية الفلسطينية بعد أوسلو: حصادٌ مرّ في تمكين الذات وفي تحرير الوطن ". صوت فلسطين . 2014

[4] وزارة شئون المرأة ، 2004

[5] صيّاد، دارين . " تقييم الخطّة الاستراتيجية لمناهضة العنف ضد النّساء للأعوام 2011-2019 " . 2012


| تعريفات 

| سيدو: اتفاقية القضاء على جميع أشكال العنف ضد المرأة أو كما تعرف ب(CEDAW) هي معاهدة دولية اعتُمِدَت بواسطة اللجنة العامة للأمم المتحدة عام 1979. ونَصفها على أنها وثيقة الحقوق الدولية للنساء. تم التصديق على هذه المعاهدة في 3 سبتمبر من عام 1981 ووقع عليها أكثر من 189 دولة من بينهم أكثر من خمسين دولة وافقوا تحت إطار بعض التحفظات والاعتراضات، من ضمنهم 38 دولة قد رفضت تطبيق البند رقم 38 من الاتفاقية، والذى يتعلق بسبل تسوية الخلافات المتعلقة بفهم الاتفاقية. وأوضحت أستراليا في تحفُظها أن هناك بعض القيود بسبب نظامها الدستوري. كلا من الولايات المتحدة وبالاو وقعتا على الاتفاقية ولكن لم يفعلانها. ولم يوقع على الاتفاقية كل من الكرسي الرسولي وإيران والصومال والسودان وتونغا.

| مؤتمر بجين 1995: وثيقة تدعو الحكومات لتنفيذ البرامج المتفق عليها للنهوض بالمرأة، وبذل الجهود لإقرار المساواة في جميع السياسات والبرامج، بما ينسجم ومقررات الأمم المتحدة، كما حثت على توسيع نطاق مشاركة المرأة بشكل يراعي الفوارق بين الجنسين في السياسات والبرامج. وطلبت من المجتمع الدولي تنفيذ برامج تضمن فرصا متساوية للمرأة في الحصول على التعليم والتدريب، ودعم الجهود الوطنية المبذولة من أجل النهوض بالمرأة في البلدان النامية، وبخاصة في أفريقيا وفي البلدان الأقل نموا.

| النوع الاجتماعي أو الجندر أو الجنوسة : Gender هو مجموع الصفات المتعلقة والمميزة ما بين الذكورة والأنوثة. اعتمادًا على السياق يمكن أن تشمل هذه الصفات الجنس البيولوجي (أي حالة كون الإنسان ذكرا أو أنثى أو ثنائي الجنس والأخير هو اختلاف قد يعقد تعيين الجنس). إن البنى الاجتماعية المعتمدة على الجنس (بما فيها من أدوار جندرية وأدوار اجتماعية أخرى)، أو الهوية الجندرية. في غالب الحالات يُرى أن المرأة هي النوع الاجتماعي الذي يحتاج إلى تعديل دوره الاجتماعي.