بنفسج

سيداو في فلسطين: سيادة شريعة مَن على مَن؟

السبت 13 يونيو

تواجه المرأة الفلسطينية تمييزا قانونيا واجتماعيا على مستوى الممارسات الرسمية وغير الرسمية قبل مجيء السلطة الوطنية الفلسطينية في 1994، وبعد بناء وتشكل مؤسسات وأجهزة الدولة الفلسطينية الرسمية، وتداخل عوامل مختلفة في تكريس هذا التمييز.

ويعتبر الاحتلال الإسرائيلي عاملاً مهماً وأساسياً في إنتاج الاضطهاد للنساء وللرجال بشكل عام؛ فالسياق الفلسطيني بالأساس هو سياق معقد لارتباطه بثقافة الهيمنة والإخضاع التي يفرضها هذا الاحتلال، حيث يتفاعل وينشط ويؤثر بشكل يومي تراكمي متسارع على حياة الأفراد الذكور والإناث، بل ويدخل أحياناً في دقائق وتفاصيل حياتهم؛ قراراتهم وخياراتهم الاقتصادية والاجتماعية.

كما ويدخل الاحتلال في الحسابات الفردية والجماعية في الغالب، ويصبح لا فرار منه إلا بالتحرر؛ فهو المحاصِر، وهو الذي يسمح أو يمنع التحرك والوصول، وهو المتحّكم بالاقتصاد وأموال الضرائب، وهو المتدخّل بالشّأن السياسي والوطني، بل هو المسيطر عليه.

ولأنه العامل الأكبر في تعطيل بناء الدولة، تبقى الأولويات الوطنية ومهمة التحرير هي التي يجب أن تكون الشغل الشاغل للأفراد والجماعات، ومجرد بقاء الاحتلال يعنى عدم وجود سيادة جوهرية للدولة وللقانون، ولذلك تبقى حقوق النّاس رهينة هذه الظروف. وقد يضطرّ الأفراد للجوء إلى التكيّف مع هذا الواقع المرير والقبول بالبديل المتوفر حتى لو كان غير مثالي، أو الاستناد على تكتيكات فردية تخترق ثغرات هذا النظام، وتبتكر هوامش للتحرك داخله وحوله تسمح بالتحرر من حدوده، دون التحرر منه هو نفسه بالضرورة.

 | الهياكل الاجتماعية التقليدية

 
هناك دور قوي للهياكل الاجتماعية التقليدية التي لها حاكميّة على الأفراد، وتتشكّل على أساسها هويّاتهم، وتعيد إنتاج أدوارهم، مثل: التقاليد والأعراف والعشائرية والتي تتميّز بالظّلم ولا علاقة لها بعدالة الشّريعة الإسلاميّة.
 
مما جعل مسألة التغيير وتحدي التقليد أمراً بالغ الصعوبة وبعيد المدى ويتطلب جهوداً جماعية ومشاركة واسعة من قبل شرائح مختلفة من المجتمع.

إضافة لما تقدّم، هناك دور قوي للهياكل الاجتماعية التقليدية التي لها حاكميّة على الأفراد، وتتشكّل على أساسها هويّاتهم، وتعيد إنتاج أدوارهم، مثل: التقاليد والأعراف والعشائرية والتي تتميّز بالظّلم ولا علاقة لها بعدالة الشّريعة الإسلاميّة، مما جعل مسألة التغيير وتحدي التقليد أمراً بالغ الصعوبة وبعيد المدى، ويتطلب جهوداً جماعية ومشاركة واسعة من قبل شرائح مختلفة من المجتمع، خاصة النساء.

ومن المهم الوقوف على طبيعة هذه الهياكل الاجتماعية التقليدية وعلاقتها بمؤسسات الدولة القضائية الرسمية التي تشمل القضاءين النظامي والشرعي؛ اللذين لا يعملان بمعزل عن ثقافة العرف والقضاء غير النظامي. وأن ممارسات هذه المؤسسات الرسمية وغير الرسمية قد تختلط وتتداخل في حل النزاعات والصراعات في المجتمع الفلسطيني. وهو خليط يدل على الجمع بين المؤسسات الحديثة (أجهزة الدولة القضائية والأمنية الرسمية مثل: المحاكم والشرطة) وبين المنظمات الفصائلية ولجان الإصلاح كوسائط بين الأطراف المتنازعة، وتتدخل فيها كذلك مؤسسة الافتاء الشرعي، إلى جانب المؤسسات التقليدية المتمثلة بالقضاء غير النظامي المعروف بالقضاء العشائري.

ويفترض أن يقوم القضاة بممارسة أدوارهم وفق آليات منصوص عليها قانوناً؛ بحيث يلزمون أنفسهم بها كأساس لا يمكن تجاوزه. كما تحتكم الممارسات القضائية حسب قانون المحاكم القضائية الى مجموعة مبادئ قانونية ومرجعيات تساهم في دفع القضاة نحو تحريّ الأحكام الأكثر عدلاً؛ فتضبط اجتهاداتهم، خاصة في المسائل التي لم تأت بها النصوص القانونية.

وتكون هذه الوثائق والمرجعيات أساساً مهماً حينما يلجأ القضاة إلى استخدام سلطاتهم التقديرية الممنوحة لهم في هذا الإطار، مع العلم أن صلاحيات هذه السلطة التقديرية غير مطلقة، فهي وإن كانت تعطي القضاة فضاء أوسع من النصوص إلا أنه مفترض وحسب القانون أن لا يساء استخدامها.[1]

 | عندما تخلع الدّولة عباءة العلمانية وتتدخّل في الشأن الديني

موضوع المساواة بين الرجال والنساء في الشريعة الاسلامية قائم على نصوص قرآنية صريحة تساوي بين الرجال والنساء بدءاً من تقرير الكرامة الإنسانية إلى تقرير المسؤولية الجنائية على أن هناك فوارق محدودة قررها الشارع في وضوح وجلاء.
 
 لكن يظل الأصل هو العدل والمساواة والفوارق تأتي تحت إطار الاستثناء من هذا الأًصل.

إنّ الدستور الفلسطيني الصادر عام 2002 ينفي عن نفسه التمييز أو الانحياز، ويصرّح عن ذلك في مادة رقم (9) حيث يعتبر أن الفلسطينيين أمام القانون سواء، لا تمييز بينهم بسبب العرق، أو الجنس، أو اللون، أو الدين، أو الرأي السياسي، أو الإعاقة. كذلك فإن موضوع المساواة بين الرجال والنساء في الشريعة الاسلامية قائم على نصوص قرآنية صريحة تساوي بين الرجال والنساء بدءاً من تقرير الكرامة الإنسانية إلى تقرير المسؤولية الجنائية على أن هناك فوارق محدودة قررها الشارع في وضوح وجلاء، لكن يظل الأصل هو العدل والمساواة والفوارق تأتي تحت إطار الاستثناء من هذا الأًصل.

ويعدّ قانون العقوبات (15) من اختصاص المحاكم النظامية، في المقابل أحيل قانون الأحوال الشخصية (16) إلى اختصاص المحاكم الشرعية دون غيره تبعاً لتبريرات مختلفة من قبل الدولة؛ كعدم تدخّلها بالشأن الخاص، حيث اعتبرت العديد من الدول العلمانية الحديثة القضايا الأسرية والأحوال الشخصية شأناً خاصاً لا تتدخل فيه، والتزاماً بمبادئ النظرية العلمانية في فصلها للدين عن السياسة.

في حين أنّها قد تتدخّل فيه وبشكل مباشر حينما تشعر بضرورة ذلك لتحقيق الغايات التي تبنى عليها سياسات الدولة العامة، وهذا من المفارقات مثل: السياسات السكانية، وتحديد النّسل، ولاعتبارات اقتصادية أيضاً. وعليه لا يمكن أن تنطبق مبادئ العلمانية المعيارية أو الجوهرية مع شكل الدولة التي يراد تشكيلها في فلسطين كما هو الحال في دول الإقليم العربي بالضرورة.[2]

 | قانون الأحوال الشخصية

سيدوا2.jpg

أمّا قانون الأحوال الشخصية الفلسطيني وهو قانون غير موّحد؛ في الضفة يتم العمل بــ قانون رقم (61) لسنة 1976، في حين يطبّق في قطاع غزة قانون حقوق العائلة بالأمر رقم (303) لعام 1954 الذي صدر عن الحاكم العام للقطاع، وهو القانون المطبق حتى هذا اليوم، ويعالج مسائل الأحوال الشخصية مستندا على قانون الأحوال الشخصية العثماني لسنة 1919م والذي لم يتم إلغاؤه بل استمر العمل به حتى اليوم، فهو قانون أعم وأشمل من قانون حقوق العائلة.

وبعد قيامها عام 1994، أبقت السلطة الوطنية الفلسطينية على جميع القوانين التي كانت مطبقة قبل العام 1967 من خلال إصدار مرسوم رئاسي رقم (1) لسنة 1994 الذي نص على أن يستمر العمل بالقوانين والأوامر التي كانت سارية المفعول قبل 5 حزيران 1967 في الأراضي المحتلة إلى حين يتم توحيدها. وبعد انتخابات عام 1996 وانتخاب المجلس التشريعي الفلسطيني ومباشرته مهامه في مجالي التشريع والرقابة، أصبحت الفرصة سانحة أكثر نحو توحيد قانون الأحوال الشخصية. وتعالت الأصوات المنادية بضرورة وضع قانون أحوال شخصية موحّد.

بقي مشروع قانون الأحوال الشخصية غير مبتوت فيه من قبل المجلس التشريعي، وهذا يدل على أنه لا زال شأناً جدلياً بامتياز، وتعكس النزاعات  حوله اختلافات وتباينات التيارات الفكرية والسياسية على الساحة الفلسطينية، كالخلاف بين التيارات العلمانية والدينية.

كما تزايدت مطالبات المؤسسات النسوية ومراكز حقوق الانسان بضرورة تعديل قوانين الأحوال الشخصية المعمول بها الى جانب أهمية اعتبار المعايير الدولية واتفاقيات حقوق الإنسان، وبشكل خاص اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة الصادرة في ديسمبر 1979.

في البدايات، تم تشكيل لجنتين في الضفة الغربية وفي قطاع غزة، تم تكليفهما من قبل الرئيس الراحل ياسر عرفات بإعداد مشروع قانون أحوال شخصية، وقد انتهت اللجنتان من إعداد مشروعين للأحوال الشخصية، ومن ثم تم تشكيل لجنة رئاسية لدراستهما والخروج بمشروع واحد يعرض على المجلس التشريعي [3].

ولغاية الآن، بقي مشروع قانون الأحوال الشخصية غير مبتوت فيه من قبل المجلس التشريعي، وهذا يدل على أنه لا زال شأناً جدلياً بامتياز، وتعكس النزاعات  حوله اختلافات وتباينات التيارات الفكرية والسياسية على الساحة الفلسطينية، كالخلاف بين التيارات العلمانية والدينية، فهذا الطرف يريد أن يستأثر بصلاحيات تعديل القانون وفق المرجعيات الدولية، ويلغي الشريعة الاسلامية، وذاك الطرف يريد أن يجعل الشريعة الاسلامية مرجعاً أساسيّاً للقانون، وهناك مطالبات بجعل الشريعة الإسلامية المصدر الوحيد لقانون الأسرة أو تطويع الشّريعة للاتّفاقّات الدّولية وليس العكس!

 | التحوّل عقب أوسلو

بعد توقيع اتّفاقيّة أوسلو اختلفت الشعارات كثيراً، وكذلك الاستراتيجيات وخطط العمل، فتمت إعادة هيكلة الاتحاد العام، وصياغة الاستراتيجية الوطنية للمرأة الفلسطينية عام 1997.

وخلال فترة بناء السّلطة أخدت الحركات النسويّة العلمانية واليسارية على عاتقها الإصلاح القانوني خاصّة فيما يتعلّق بتحسين وضع المرأة الفلسطينية، وبعد أن كانت المطالب تصبّ في الشّأن الوطني الدّاخلي تحديداً قضايا التحرّر الوطني، وبناء دولة عاصمتها القدس، تغيّرت المطالبات.

 فبعد توقيع اتّفاقيّة أوسلو اختلفت الشعارات كثيراً، وكذلك الاستراتيجيات وخطط العمل، فتمت إعادة هيكلة الاتحاد العام، وصياغة الاستراتيجية الوطنية للمرأة الفلسطينية عام 1997. وعقدت من أجل هذا الهدف ورش عمل تحت إشراف وزارات السلطة الوطنية والمنظمات غير الحكومية تتمركز حول النقاط المحورية لمؤتمر بجين (1995). (4) (الموسوعة الفلسطينية).

وبالتّالي، بدأت عمليّة الدّمج بين الوطني والدّولي في هذه المرحلة، تمّ تبنّي برنامج منظمة التحرير، ووثيقة إعلان الاستقلال، ووثائق المجلس المركزي 1988 الذي ينص على المساواة بين الجنسين في الحقوق والواجبات، ووثائق حقوق المرأة المعلنة من قبل الاتحاد، وبعض الاتفاقيّات الدوّلية، وأشهرها اتفاقية إلغاء جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو).

 | سيداو: المطالب الجوهرية

سيداو: "اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة"، وقد صدرت عن الجمعية العامة للأمم المتحدة 1979م، وتحتوي على (30) مادة.
 
ترتكز اتفاقية سيداو على مبدأ المساواة المطلقة والتماثل التام بين المرأة والرجل في التشريع، وفي المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وفي التعليم والعمل والحقوق القانونية، وكافة الأنشطة.

سيداو (CEDAW) : بين مواءمتها للقوانين الوطنية، وبين تطويع القوانين الوطنية لها، ما هي المطالب الجوهرية؟  تسمى "اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة"، وقد صدرت عن الجمعية العامة للأمم المتحدة 1979م، وتحتوي على (30) مادة. ترتكز اتفاقية سيداو على مبدأ المساواة المطلقة والتماثل التام بين المرأة والرجل في التشريع، وفي المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وفي التعليم والعمل والحقوق القانونية، وكافة الأنشطة.

وقد انضمت معظم الدول العربية والإسلامية لاتفاقية سيداو، وتحفَّظ معظمُها على بعض بنودها. وانضمت فلسطين لاتفاقية سيداو كما انضمت إلى بروتوكولها الاختياري دون تحفظات عام 2014 بمصادقة الرّئيس، وفي ظل غياب المجلس التّشريعي. وقد رفضت بعض الدول الانضمام للاتفاقية مثل: أمريكا وإيران والسّودان.

تعد مادّة (2) الأكثر جدلاً وتدخلاً بقوانين الدّول المحليّة وشرائعهم الدّينيّة والثّقافية، وذلك لمطالبتها بإبطال كافّة الأحكام الدّينية التي تميّز بين الرّجل والمرأة. كذلك يعتبر مفهوم "المساواة المطلقة" من بين أكثر المفاهيم التي تتعارض مع الشّريعة الإسلامية بحيث تستند الأخيرة لمفهوم العدالة والتّكامل، وترفض رفضاً مطلقاً مبدأ المساواة المطلقة لقصورها في فهم الطّبيعة البشريّة الخَلقيّة الفطريّة.

ويعرف مجتمعنا الفلسطيني باعتباره مجتمعاً مسلماً بالضّرورة، ولا يقبل أن يستبدل شريعته بشرائع أخرى سواء دينية أو غير دينيّة تتعارض معها، ويبدو أن جمهرة النّسويّات القائمات على ترويج سيداو لا يفهمن هذه الإشكاليّة، ولا يعتبرنها اختراقاً كبيراً للعقد الاجتماعي الشّرعي الفلسطيني.

كذلك تدخّلت الاتّفاقية بالتّشريعات الأسرية والأحوال الشّخصيّة وفق مادة (16) حيث طالبت الاتفاقية الدولَ أن تتخذ جميع التدابير المناسبة للقضاء على التمييز ضد المرأة في كافة الأمور المتعلقة بالزواج والعلاقات العائلية، وبوجهٍ خاصٍ أن تضمن على أساس المساواة بين الرجل والمرأة في عقد الزواج ونفس الحقوق والمسؤوليات أثناء الزواج وعند فسخه، ونفس الحقوق والمسؤوليات فيما يتعلق بالولاية والقوامة والوصاية على الأطفال، وطالبت بإبطال تعدد الزّوجات، وإبطال زواج المسلمة من غير المسلم، وتعدّت ذلك لتطالب بإلغاء العدّة بعد الطّلاق أو وفاة الزّوج، ومنع الولاية في الزّواج، وإلغاء القوامة. بنود سيداو[5].

وعليه، شنّت اتّفاقيّة سيداو بهذه المطالبات الحرب والعداء بسبب تعارض بعض بنودها مع ديانة وشريعة المجتمعات الإسلامية. ويعرف مجتمعنا الفلسطيني باعتباره مجتمعاً مسلماً بالضّرورة، ولا يقبل أن يستبدل شريعته بشرائع أخرى سواء دينية أو غير دينيّة تتعارض معها، ويبدو أن جمهرة النّسويّات القائمات على ترويج سيداو لا يفهمن هذه الإشكاليّة، ولا يعتبرنها اختراقاً كبيراً للعقد الاجتماعي الشّرعي الفلسطيني.

 | الخطاب النسوي

سيداو3.jpg

وفي ظلّ تعارض هذه البنود صراحة مع الشّريعة الإسلامّية، تستند المؤسّسات النسّوية في دعايتها وترويجها للاّتفاقيّة على الجزء الوطني والسّياسي؛ خاصّة في مسألة محاربة العنف الذي تواجهه المرأة الفلسطينية من قِبل الاحتلال. وذلك من خلال إتاحة التوّقيع على الاتّفاقيّة بعد الاعتراف بدولة فلسطين دولياً، والدّفاع عن قضايا المرأة في هذا الجانب، وإمكانية الاستفادة من قرار 1325؛ الذي يسمح باستخدام آليات القانون الدولي لتقديم شكاوى فلسطينيات معنّفات ضد الاحتلال، وخاصة في محكمة الجنايات. فهل سيداو هي المنفذ الوحيد للدّولة للدّفاع عن المرأة الفلسطينيّة في قضايا العنف من الاحتلال ومناطق النّزاع أمام المحاكم الدوليّة؟

في معظم ورشات العمل والمؤتمرات التي تعقدها الجمعيات النسّوية الفلسطينية بالشّراكة مع وزارة شؤون المرأة؛ لا يتم ذكر المسائل الجدليّة على السّاحة العامّة، بل يظل التّركيز منصبّاً في الدّعاية والإعلام والخطابات العامّةً على الشّأن الوطني، كما جاءت به أوراق المؤتمر الدّولي للمراة الذي عقد في جامعة بيرزيت على مدار يومين 27-28 مارس 2018 تحت رعاية وزارة شؤون المرأة. وكان عنوان المؤتمر:  "النوع الاجتماعي في فلسطين مقاربة العمل والسّياسات"؛ حيث  كان مختلفاً عن سابقاته من المؤتمرات، والذي نادى بخطاب يعكس مراجعات كبيرة للسياسات والخطط، وأظهر اختلافاً عميقاً تجدر الإشادة به.

ولنقل صراحة أنّ أهم مطالب وزارة شؤون المرأة الحاليّة والسابّقة، وغالبيّة مؤسسّات المرأة مصبوبة فقط على استبدال الشّريعة الإسلامية، وأن تحل محلّها اتفّاقيّة سيداو، ودون أيّة تحفّظات.

فبعد 15 سنة من التعديلات المستمرة على الوثائق والمرجعيّات، والتي كانت مجرّد نقل أولويات محددة لا أكثر، تتراوح ما بين التّمكين السياسي والاقتصادي، تمّ تحوّل تام نحو موضوع العنف بعد 2008. سابقاً كانت الشّعارات تدور حول التّدويل والسّعي إلى تطبيق الاتفاقية عبر المشاريع الممّولة دون الالتفات إلى الأولويات الوطنيّة وطبيعة المرحلة السياسية.

وقد جاء المؤتمر بخطاب مغاير تماماً؛ ليرفع شعارات توطين المفاهيم وإيجاد أطر معرفيّة محليّة، ومراعاة الخصوصيّة ورفض التّبعيّة، والحديث مطولاً عن الاستعمار والفكر النيوليبرالي وأدواته، ونقد النّظام والاحتلال، وأهميّة الحفاظ على تماسك الأسرة الفلسطينية، وأهميّة الفعل الجمعي وتعزيز التّضامن الشّعبي، والمقاومة بكافّة أشكالها، وفتح أبواب الحوار الوطني، والانتهاء عن المقارنات التي تؤجج الصّراع؛ فلا ثمّة اتّجاها تقّدميا وآخر متخلّفا، بل الحقيقة أنّ هناك واقعا مختلفا، كما قالت د. إصلاح جاد [6]. فأين كل هذه الشّعارات الآن خاصّة بعد فتح ملف سيداو؟

بالرّغم من أنّ هذا الشّان ليس شأناً مختلفاً عليه حتّى مع الإسلامّيات، لكنّه لا يمثّل الحقيقة، ولا يقتصر على مطالب النسّوية الفلسطينية من اتّفاقيّة سيداو. ولنقل صراحة أنّ أهم مطالب وزارة شؤون المرأة الحاليّة والسابّقة، وغالبيّة مؤسسّات المرأة مصبوبة فقط على استبدال الشّريعة الإسلامية، وأن تحل محلّها اتفّاقيّة سيداو، ودون أيّة تحفّظات.

 | سيداو بعد المصادقة: بين الواقع والتحفظات

ذكرت السّيدة منى الخليلي أمين سر الاتحاد العام للمرأة الفلسطينيّة بأنّ اتّفاقية سيداو جاءت نتيجة نضالات المرأة الغربيّة، وأنّها تتناول حقوق المرأة عامّة في كل العالم.
 
وأضافت أنّ مصادقة الرّئيس أبو مازن عليها عام 2014 جاءت كمحصّلة نضالات المرأة الفلسطينية من خلال الشّراكة التّامة في التحرّر الوطني وأيضاً  التحرّر الاجتماعي. 
 
وعليه قام الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية فور المصادقة بتشكيل ائتلاف نسوي وأهلي؛ مهمّته النّظر في كيفيّة تطبيق الدوّلة للاتّفاقيّة.

بتاريخ 2 يناير 2019 تم عقد ورشة عمل حول سيداو تحت عنوان: "سيداو بين الواقع والتحفظّات". وفيها ذكرت السّيدة منى الخليلي أمين سر الاتحاد العام للمرأة الفلسطينيّة بأنّ اتّفاقية سيداو جاءت نتيجة نضالات المرأة الغربيّة، وأنّها تتناول حقوق المرأة عامّة في كل العالم. وأضافت أنّ مصادقة الرّئيس أبو مازن عليها عام 2014 جاءت كمحصّلة نضالات المرأة الفلسطينية من خلال الشّراكة التّامة في التحرّر الوطني وأيضاً  التحرّر الاجتماعي.

وعليه قام الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية فور المصادقة بتشكيل ائتلاف نسوي وأهلي؛ مهمّته النّظر في كيفيّة تطبيق الدوّلة للاتّفاقيّة، واجتمعت على إثر هذه المبادرة 44 مؤسسّة حقوقيّة ونسوية في كل من الضّفة وغزّة، لم تذكر أسماءهنّ، وتم استبعاد النّساء في الحركة الإسلاميّة تماماً. وكانت أول خطوات عمل الاتفاق بوضع خطة لها أربعة محاور منها: رفع الوعي بهذه الاتفاقيّة وأسمته المحور الوطني، وتقصد القيام بحملة من أجل الترويج لسيداو، وهذا ما يحدث على السّاحة الفلسطينيّة مؤخّراً، ولكن لماذا أسمت هذا المحور بالوطني؟  

ثانياً: محور الشراكة مع الحكومة في آلية تنفيذها، وذكرت فقط قضيّة المرأة اللاجئة وفقاً لمادة (30) و(31) و(35). وبيّنت أنّ الائتلاف قام بوضع تقرير الظّل الذي يرصد وضع المرأة الفلسطينية استناداً لمواد سيداو، وتم عرضه بمؤتمر جنيف 2018 على لجنة سيداو. وانتقدت كافّة التوجّهات التي لحقت بالمصادقة على الاتّفاقيّة من قبل بعض الجهات القانونيّة الفلسطينيّة بإعادة النّظر في الاتفاقيّة من أجل وضع التحفظّات عليها بعد المصادقة، واعتبرتها من أكبر التحديّات التي تعيق تنفيذ الاتّفاقيّة.

https://www.facebook.com/PalestineTv/videos/640634649699721/

وتشير إلى أنّه تم التواصل مع الرّئاسة والحكومة حول مخاطر التراجع عن الاتفاقيّة من قبل الائتلاف، على الرّغم من أنّ بند 12 في الاتّفاقيّة يتيح سحبها وإعادة تقديمها مع التحفّظات، لكنّها اعتبرته تقليلاً من شأن "الدّولة".

وقالت إنّ التّعارض مع الشّريعة الإسلامية سيتم تباحثه مع الاتّحاد والائتلاف لاحقاً. (5) فهذا اعتراف من السّيدة منى بوجود تعارض مع الشّريعة الاسلامية، لكن تم تجاهل هذه القضيّة وتجاوزها عبر المصادقة دون وجود التّشريعي، ودون الإيحاء باسم الجهة التي سيتم التّباحث معها بشأن التّعارض مع الشّريعة على حدّ قولها. مع تأكيدها على أنّ الهدف من هذه التباحثات جعل الشّريعة الإسلامية والقوانين الدّاخليّة موائمة لسيداو، وليس العكس!

وقد بيّنت المحكمة الدستورية أن هناك تمييزاً بين الاتفاقيات التعاقدية والاتّفاقيّات الشّارعة التي تضيف قوانين على قوانين الدولة الدّاخليّة؛ وعليه تشكّل المصادقة على سيداو تبعات قانونية داخلية ووطنية يجب إعادة صياغتها.

سناء السرغلي أستاذة القانون الدستوري في جامعة النجاح أيضاً ذكرت أنّ هناك فرقاً كبيراً بين التوقيع والتصديق والتنفيذ، وبيّنت أنّ القانون الأساسي الفلسطيني لم يذكر أي شيء حول هذا الأمر، ولذلك يوجد غموض حول العملية برمتّها.

وذكرت أنّه في عام 2015 وقعت الرئاسة على 55 اتفاقية بعد الاعتراف بالدولة، وكانت سيداو من بينها وهذا سبب المصادقة، وهي تمثل حاجة سياسية لإثبات القدرة على الحضور كدولة أكثر منها استجابة لمطالب الاتّحاد والجمعيّات النسّوية. وفي استعراضها لمسوّغات توقيع الرّئيس أبو مازن عليها دون العودة للتّشريعي؛ بأنّه قانوناً يوجد أسلوبين للانضمام للاتفاقيات الدولية، أوّلاً: توحيد عملية التشريعات والإجماع عليها لتصبح جزءا من القانون الوطني.

ثانياً: الأسلوب الثّنائي والذي تنضم به الدّولة للاتّفاقيّة ثم تعرضها للتشريع ومحاولة مواءمتها مع القوانين الدّاخليّة، لكن لا يوجد في القانون الأساسي الفلسطيني شيء مكتوب يزيل هذا الغموض. حتّى في تفسير المادة رقم (10) المحكمة الدستورية لم تذكر من هو المؤهل على المصادقة؟ وقد بيّنت المحكمة الدستورية أن هناك تمييزاً بين الاتفاقيات التعاقدية والاتّفاقيّات الشّارعة التي تضيف قوانين على قوانين الدولة الدّاخليّة؛ وعليه تشكّل المصادقة على سيداو تبعات قانونية داخلية ووطنية يجب إعادة صياغتها.[7]

 | سيداو والدّستور والشّريعة، لمن السيّادة؟

سيداو حسب المحكمة الدّستوريّة تعدّ في مرتبة أقل من القانون الأساسي والدستور، وأعلى من القوانين الداخلية. فكيف يمكن المصادقة دون تحفظات؟ المحكمة الدستورية أرجعت الأمر للشريعة والثقافة الفلسطينية، وهذا معناه أنه لا سمّو للاتفاقيات الدولية على القوانين الداخلية. والجدير بالذّكر أنّ المرحلة الحاليّة تشهد تطوّرات سياسيّة معقّدة وصعبة جداً خاصّة في ظل بقاء الانقسام الوطني، وتصاعد إجراءات الاحتلال ضد أبناء الوطن جميعهم دون تمييز!

فهل هذا هو الوقت مناسب لإعادة الاختلافات القديمة على السّطح؟ وإلى أين تتّجه بوصلة الجمعيّات النّسوية المطالبة بسيداو والتي غاب عنها دراسة السّياق المجتمعي والسّياسي الواقعي؟


| المصادر والمراجع 

[1] صيّاد. دارين، " دور ثقافة العرف الاجتماعي على الممارسات القضائيّة وأثره على حقوق المرأة الفلسطينية "، من متطلّبات رسالة الماجستير في المرأة والتّنمية والنّوع الاجتماعي، معهد دراسات المرأة ، جامعة بيرزيت، فلسطين، 2013

[2] المصدر نفسه، 2013

[3] المركز الفلسطيني لحقوق الأنسان. 2003

[4] الموسوعة الفلسطينية.

[5] بنود اتّفاقيّة سيداو. 1979

[6] " مؤتمر النوع الاجتماعي في فلسطين مقاربة العمل والسّياسات". جامعة بيرزيت ووزارة شؤون المرأة. آذار 2018

[7] " ورشة عمل: سيداو بين الواقع والتّحفظات"، تلفزيون فلسطين، 2018 https://www.facebook.com/PalestineTv/videos/640634649699721/