بنفسج

في ذكرى مولده: لماذا أنت ممتنٌ لرسول الله؟

الأربعاء 27 سبتمبر

هذه الأيام ليست كغيرها؛ ثمّة أنوارٌ محمدية تملأُ الدنيا بهجةً وبشائرًا وربيعًا، وثمّةٌ شوقٌ جارفٌ لا يسكن أبدًا لحبيبٍ لم نره، لكنّنا نعرفه، تصفه أمّ معبد فتقول: "رجلٌ ظاهر الوضاءة، حسن الخلق، مليح الوجه". ونعدّ نحنُ الليالي ليلةً بعد ليلةٍ للقاء هذا الرجل، هناك الكثيرُ من الكلامِ المخبوء الذي يُنسجُ على مهلٍ، وصبر في مكامن الصدور حتى ينقض بقوة بين يديه، حينما نراهُ في الدار الآخرة. حبيبُنا نبيّ الحيارى، والمنسيّين، والمتعبين. لم يكن جليبيب جميل الوجه، ولم يكن غنيًّا، كلّ نصيبه من هذه الدنيا حبّ النبي له، ويا له من نصيب! تنتهي المعركةُ، وتخفّ وطأة الحرب، ويعودُ الصحابةُ إلى أهاليهم، ولكنّ النبيّ يفقدُ جليبيًبا. وحينما يجده الصحابة بين القتلى، يرسلُ إليه نظرات حانيةٍ ويقول: "هذا منّي وأنا منه، هذا منّي وأنا منه".

ولم ينتبه أحدٌ إلى وجه جابر بن عبد الله الممتلئ همًّا، وحسرةً بعد غزوة أحد. فقد جابرٌ والده الذي ترك وراءه عيالًا، وديّنًا، فكان يفكّر في السبيلِ إلى تسديد تلك الديون، والعناية بالعيال. لكنّ النبيّ الرحيمَ انتبه له، وجبر بخاطره قائلًا: "يا جابر، ما لي أراكَ منكسرًا؟". وهل من كسرٍ أكثر من أن يفقد النبيّ عمّه حمزة، ويشهد حزن صحابته، ويخسر المعركة؟ فكيف نسي نفسه إذن، ومضى ليطيّب خاطر صاحبه؟ ولم يشعر أحدٌ بحذيفةَ الذي كان يرتجف من البرد، بعد الرجوع من مهمّة أوكلها إليه النبي -صلى الله عليه وسلم- في غزوة الخندق، ولكنّ النبيّ شعر بالبرد الذي اخترق أوصاله "فبينما هو يصلّي، فتح النبي عباءته، وأدخلني معه في عباءته، فشعرتُ بالدفء"، ودفئنا نحنُ، لحنان النبيّ، وطيبته.

لماذا أنتَ ممتنٌ لرسول الله؟ يخبرنا بذلك كلّ الذين سألناهم، نريدُ أن نعرف أجزاءً من سيرة النبيّ بمنظورهم، وندرك الأثر الذي تركه الحبيبُ في نفوسهم. الكلّ اتّفقَ على رغبةٍ ملحّة في أن يكون هذا الإنسانُ بيننا اليوم، الكلُّ يريد أن يشمّ رائحة النبيّ، وأن يسمعه النبيّ ويدعو له، ويحلّ مشاكله. "لأنّه كان ينبوع محبة"، "لأنّه تحمّل جروح الطائف من أجلنا"، "لأنّه كان ينصتُ للناس"، 'لأنه كان يداعب الأطفال"، "لأنه كان حكيما"، "لأنّه كان يعلنُ حبّه لزوجته"، "لأنه الذي أتى بالنور إلى هذا العالم"، "لأنه الذي علمنا أن في السجدة راحة" تلك بعضٌ من زوايا الامتنان، ومنها كذلك:

| ربيع سعادات: وسترى معنى أثر الحبيب!

 
"ممتن؟ أعتقد أن الأمر يستحق تسميةً أكبر من معنى الامتنان". هكذا كان الردّ الأول للمخرج ربيع سعادات عندما طرحنا عليه السؤال، مصحوبًا بانطباعٍ فيه شيءٌ من استغراب؛ فالنبيّ هو صاحب الفضل بعد الله على الخلائق، وصاحب الأثر العظيم الممتدّ إلى يومنا هذا كما يرى ربيع.
 
 والموجود إلى الآن بيننا "موجودٌ بيننا، ولكن ليس بالمعنى الفيزيائي الملموس، كيف لا؟ وهو يردّ السلام على كل من صلّى عليه، وكيف لا؟ وهو من قال "من رآني في المنام فقد رآني حقا، فإنّ الشيطان لا يتمثل بي".
 

"ممتن؟ أعتقد أن الأمر يستحق تسميةً أكبر من معنى الامتنان". هكذا كان الردّ الأول للمخرج ربيع سعادات عندما طرحنا عليه السؤال، مصحوبًا بانطباعٍ فيه شيءٌ من استغراب؛ فالنبيّ هو صاحب الفضل بعد الله على الخلائق، وصاحب الأثر العظيم الممتدّ إلى يومنا هذا كما يرى ربيع، والموجود إلى الآن بيننا "موجودٌ بيننا، ولكن ليس بالمعنى الفيزيائي الملموس، كيف لا؟ وهو يردّ السلام على كل من صلّى عليه، وكيف لا؟ وهو من قال "من رآني في المنام فقد رآني حقا، فإنّ الشيطان لا يتمثل بي".

ربيع ممتنٌّ للنبي الحبيب، لأنّه كذلك السبيل إلى رؤية الله تعالى يوم القيامة، فهو الذي يفكر في أمته قبل نفسه، فينادي باسمها ليشفع لها، في الوقت الذي ينادي به كلٌّ بنفسه وباسمه، وهو ممتنٌّ له لشعور الطمأنينة الذي يوّرثه في خاطره في لحظاتِ الضعف، والخوف والضياع "يغمرني إحساس أن لدي سندًا قويًّا أستطيع الهروب إليه كلما خفتُ أو ضعتُ مثلًا".


اقرأ أيضًا: في ذكرى مولده: كيف استوصى النبي خيرًا بالنساء؟


أمّا الوسيلةُ إلى القرب من أثر المصطفى الحبيب، فهي بالصلاة المكرّرة المستمرّة عليه. يقول ربيع: "لو أردتَ الإحساس فعلًا بأثره، صلّ عليه وزد وكرّر الورد في كل أحوالك، بمرضك، بفرحك، بخوفك، بضياعك، بنجاحك، بحيرتك، بفوزك… وسترى معنى أثر الحبيب عليك".

| خيرة مطاي: ممتنةٌ لشعور الاطمئنان

تعترف خيرة قبل البدء في نسج كلماتِ الامتنان لبنفسج بالدموع التي تغالبها، وتحاول مقاومتها، لكن عبثًا؛ إذ ليس من الهيّن أن يفلح المرء في التعبير عن حجم الامتنان لرجلٍ كمحمّد! "وهذه المشاعر الفيّاضة التي تراودني كلّما مرّ اسمه لا تسكن إلا بذكر سيدنا، ومحاولة اقتفاء أثره العظيم ونهجه الشريف".

ثمّ تبدأ رويدًا رويدًا في استحضار النعم التي تعكس امتنانها لرسول الله، بدءًا من الشرف الذي يجعلها فردًا من أمّته، تحبه، وتشتاق إليه، وتسمع عنه، وصولًا إلى شعورها بالاطمئنان عند القراءة عنه "ممتنة لشعور الاطمئنان الذي ينتابني حين أقرأ عنه وحين أعرفه أكثر، هذا الرجل العظيم الذي عاش من الآلام الكثير من حزنٍ ويتم وعوز وهجر وخذلان، ولكن ما عرفت الأمة أطيب من قلبه ولا أرق من روحه".

تعترف خيرة قبل البدء في نسج كلماتِ الامتنان لبنفسج بالدموع التي تغالبها، وتحاول مقاومتها، لكن عبثًا؛ إذ ليس من الهيّن أن يفلح المرء في التعبير عن حجم الامتنان لرجلٍ كمحمّد! "وهذه المشاعر الفيّاضة التي تراودني كلّما مرّ اسمه لا تسكن إلا بذكر سيدنا، ومحاولة اقتفاء أثره العظيم ونهجه الشريف".

ثمّ تبدأ رويدًا رويدًا في استحضار النعم التي تعكس امتنانها لرسول الله، بدءًا من الشرف الذي يجعلها فردًا من أمّته، تحبه، وتشتاق إليه، وتسمع عنه، وصولًا إلى شعورها بالاطمئنان عند القراءة عنه "ممتنة لشعور الاطمئنان الذي ينتابني حين أقرأ عنه وحين أعرفه أكثر، هذا الرجل العظيم الذي عاش من الآلام الكثير من حزنٍ ويتم وعوز وهجر وخذلان، ولكن ما عرفت الأمة أطيب من قلبه ولا أرق من روحه". وهو الذي عاش حياته يطيّب خواطر الناس، صغيرهم وكبيرهم كما تقول خيرة، وهو الذي لم يدّخر جهدًا في التوصية بالنساء وبالإحسان إليهنّ وبحسن معاشرتهنّ "ممتنةٌ لأنّك سميتنا المؤنسات الغاليات، ممتنّة لأنّك أكرمتنا ووصيت أمتك بنا نحنُ القوارير".

| منال حماد: علمني سيدي معنى الرضا

"في صغري، لم أعط كلّ اهتمامي لسيرة رسول الله، ظننتُ بأني علمتُ كثيرًا عن حياته - صلى الله عليه وسلم- ولكن لما اهتممت أكثر بذلك، تغيرت حياتي في أدق تفاصيلها". تعبر منال عن شوقها وحبها للنبي الحبيب، وتعدّد الشمائل الفضيلة التي امتاز بها دون غيره من تواضع، وعطف، وكرم وجبر للضعيف، ونصرة للعدل، وصبر "رحم الله أخي موسى، قد أوذي بأكثر من ذلك، فصبر"، وتشرح لنا كيف أنّ مواقف النبي وسيرته أصبحت منهاجًا لحياتها، منذ اللحظة الأولى التي بدأت فيها الاهتمام بمواقفها وتفاصيلها.

"إذا ضجرت أو ضاقت بي روحي تذكرت معاناة الرسول مع قومه (تكذيبه، شتمه، جرحه، محاولة اغتياله)، علمني سيدي رسول الله معنى الرضى، والصبر على النقمة، والحمد على النعمة، جعلني أرى مشاكلي أصغر وأصغر مقارنةً بما مرّ به"؛ في موت حبيبته، وفقد ابنه، ورؤيته لحمزة شهيدًا، صريعًا. كما لا تخفي منال امتنانها للأدعية النبوية التي لطالما آنستها، وجبرت كسرها وقوّت من عزيمتها، وتوردُ هذا الدعاء كمثال: "لبيك وسعديك، والخير كله بيديك، والشرّ ليس إليك، أنا بك وإليك، تباركتَ وتعاليت".

| نهى بنلعريبي: قدوتي الأبدية، في عالم غارق في المادية

تشعر نهى بالامتنان للنبيّ الحبيب، لأنّه كما قالت "قدوتي الأبدية، في عالمٍ غارق في المادية، والمنكرات والظلم" ولأنّه على رأيها ترك لنا كلّ شيءٍ تامًّا متمّمًا واضحًا قبل أن يرحل، فلا يشعرُ المرء بضبابٍ أو ضياعٍ إلّا اقتفى خطاه ليهتدي، "علمنا كيف نعيشُ بالقيم، مزج لنا الدين بالواقع والحياة، وتركنا على المحجة البيضاء، نجتهد عمرًا كاملًا ألا نزيغ عنها".

فالتعاليم التي جاء بها النبيّ هي المعيار البيّن الذي يفصل الصوابَ عن الخطأ، والذي يخلق رقابةً ذاتيةَ داخلنا كما ترى نهى "نذنب فنستحي من أنفسنا، ويسرّ الواحد منا في داخله لومًا وعتابًا -ماذا لو رآني رسول الله على هذه الحال؟  فيكون ذلك سبيلًا للتوبة، ومراجعة النفس، واقتفاء أثره في المواضع كلها. فهو، كما تقول نهى المنارة، حين الطاعة، وحين المعصية.

تشعر نهى بالامتنان للنبيّ الحبيب، لأنّه كما قالت "قدوتي الأبدية، في عالمٍ غارق في المادية، والمنكرات والظلم" ولأنّه على رأيها ترك لنا كلّ شيءٍ تامًّا متمّمًا واضحًا قبل أن يرحل، فلا يشعرُ المرء بضبابٍ أو ضياعٍ إلّا اقتفى خطاه ليهتدي، "علمنا كيف نعيشُ بالقيم، مزج لنا الدين بالواقع والحياة، وتركنا على المحجة البيضاء، نجتهد عمرًا كاملًا ألا نزيغ عنها".

فالتعاليم التي جاء بها النبيّ هي المعيار البيّن الذي يفصل الصوابَ عن الخطأ، والذي يخلق رقابةً ذاتيةَ داخلنا كما ترى نهى "نذنب فنستحي من أنفسنا، ويسرّ الواحد منا في داخله لومًا وعتابًا -ماذا لو رآني رسول الله على هذه الحال؟" فيكون ذلك سبيلًا للتوبة، ومراجعة النفس، واقتفاء أثره في المواضع كلها. فهو، كما تقول نهى المنارة، حين الطاعة، وحين المعصية.

| قيس العايب: لم يكن له ظل، بل كان نورًا
 
 
حينما سألت الطبيب الأديب قيس عن سبب امتنانه لرسول الله، كنت أتوقع منه نصًّا طويلًا مفصّلًا، هو القاصّ الذي يحب الاستفاضة والكتابة، لكنّه فضّل أن يأتي بالمعنى، بدل المبنى، وأرسل لي كلماتٍ مختصرةٍ فيها كل القصد، والامتنان.
 
 فقال: "هل في الدنيا عفوٌ كعفو: اذهبوا فأنتم الطلقاء؟ مواساةٌ كمواساة: أبا عمير، ماذا فعل النغير؟ كلماتٌ، كـ: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده اتجاهك؟
 
وصايا كوصية: رفقًا بالقوارير؟ طبطبةٌ للخاطر كـ: لا تخف إن الله معنا؟ حفظًا للعهد، كـ: إني رزقتُ حبها؟ لم يكن له ظل، بل كان نورًا، فاللهم صلّ عليه وسلم تسليما".

حينما سألت الطبيب الأديب قيس عن سبب امتنانه لرسول الله، كنت أتوقع منه نصًّا طويلًا مفصّلًا، هو القاصّ الذي يحب الاستفاضة والكتابة، لكنّه فضّل أن يأتي بالمعنى، بدل المبنى، وأرسل لي كلماتٍ مختصرةٍ فيها كل القصد، والامتنان، فقال: "هل في الدنيا عفوٌ كعفو: اذهبوا فأنتم الطلقاء؟ مواساةٌ كمواساة: أبا عمير، ماذا فعل النغير؟ كلماتٌ، كـ: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده اتجاهك؟ وصايا كوصية: رفقًا بالقوارير؟ طبطبةٌ للخاطر كـ: لا تخف إن الله معنا؟ حفظًا للعهد، كـ: إني رزقتُ حبها؟ لم يكن له ظل، بل كان نورًا، فاللهم صلّ عليه وسلم تسليما".

| شيماء لكحل: سؤال ثقيل!

"سألتني الصديقة ريحان عمّا يختلج في نفسي من عرفان اتجاه هذه الشخصية الفريدة حتمًا، فأول ما تبادر إلى ذهني وانفتح له صدري، حكمته البالغة في إدارة المواقف إضافة إلى حكمته التي لمست كل جوانب حياته الغنية عن الذِكر"، تشرح شيماء سبب امتنانه لحكمته بشكل أخصّ قائلةً بأنّها مصدر الإلهام عندما لا تتضح الرؤية، وتختلط الأمور، فحكمته وثقل عقله كما ترى كانا هديةً للبشرية جمعاء.

"ممتنةٌ كذلك لوصايته خيرًا بالنساء، كيف لا؟ والكوارث لا زالت تحدث في حقهنّ إلى اليوم"؛ فشيماء تعتقد بأنّ وصيّته هي انعكاس لنبله - صلى الله عليه وسلم - وتأكيد لمكانة المرأة في الحياة والمجتمع. ثمّ تستدركُ احتمالًا تخيليًّا، وتعبّر عن استنكاره قائلةً: "سؤالك عن سبب امتناني لرسول الله جعلتني أفكر في احتمال آخر؛ كيف كانت ستصبح البشرية اليوم لولا ووجوده ومروره وتركه الأثر؟ سؤالٌ ثقيل".

"سألتني الصديقة ريحان عمّا يختلج في نفسي من عرفان اتجاه هذه الشخصية الفريدة حتمًا، فأول ما تبادر إلى ذهني وانفتح له صدري، حكمته البالغة في إدارة المواقف إضافة إلى حكمته التي لمست كل جوانب حياته الغنية عن الذِكر"، تشرح شيماء سبب امتنانه لحكمته بشكل أخصّ قائلةً بأنّها مصدر الإلهام عندما لا تتضح الرؤية، وتختلط الأمور، فحكمته وثقل عقله كما ترى كانا هديةً للبشرية جمعاء.

"ممتنةٌ كذلك لوصايته خيرًا بالنساء، كيف لا؟ والكوارث لا زالت تحدث في حقهنّ إلى اليوم"؛ فشيماء تعتقد بأنّ وصيّته هي انعكاس لنبله - صلى الله عليه وسلم - وتأكيد لمكانة المرأة في الحياة والمجتمع. ثمّ تستدركُ احتمالًا تخيليًّا، وتعبّر عن استنكاره قائلةً: "سؤالك عن سبب امتناني لرسول الله جعلتني أفكر في احتمال آخر؛ كيف كانت ستصبح البشرية اليوم لولا ووجوده ومروره وتركه الأثر؟ سؤالٌ ثقيل".

لماذا أنت ممتنٌ لرسول الله؟ جعلني هذا السؤال أدرك أنّنا نمتنّ للنبي ونشتاقُ له، لأنّه قريبٌ من كل واحدٍ منّا، في جميع مواقف حياته. نحنُ نرى ذواتنا في حياة النبيّ، ونتمنى لو كان معنا ليلملم شعثها، ويطبطب عليها كما كان يفعل مع أصحابه، أما الآن وقد كان من الأمر ما لا بدّ فيه: "فإن نلت يا ريح الصبا يومًا إلى أرض الحرم / بلّغ سلامي روضةً فيها النبي المحترم".