بنفسج

زينب بنت جحش: زوج النبي وأم المؤمنين

الأربعاء 05 يناير

ما أجملها من بُشرى حينما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جالسًا يتحدث مع عائشة إلى أن أخذته غشية فسري عنه وهو يتبسم ويقول:" مَنْ يَذْهَبُ إِلَى زَيْنَبَ يُبَشِّرُهَا أَنَّ اللَّهَ قَدْ زَوَّجَنِيهَا مِنَ السماء"، وتلا-عليه الصلاة والسلام- قوله تعالى: ﴿ وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ ۖ فَلَمَّا قَضَىٰ زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا ۚ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا﴾ (الأحزاب:37). الأمر الذي جعل سلمى خادمة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تخرج مسرعة إلى حيث المكان الذي توجد فيه زينب بنت جحش حتى تُخبرها ببشراه -عليه الصلاة والسلام-.

في هذا الموقف لا أعلم كيف استطاعت أن تحملها قدميها، وكيف نطقت بالحروف وجمعتها عبر الكلمات؛ لتخبرها بالبشرى، فالحدث جلل والأمر عظيم جدًا. الآن قد وصلت سلمى إلى مكان زينب، في تلك اللحظة قد علمت بهذه البشرى التي من الصعب أن أحمل في هذه الكلمات حجم المشاعر والفرحة الغامرة التي شعرت بها أم المؤمنين زينب - رضي الله عنها- حينما علمت بزواجها من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، والأمر يزداد إجلالًا وتشريفًا حينما يكون هذا الزواج المبارك قد أعلنه الله تعالى من السماء بواسطة روح القدس جبريل -عليه السلام- في قوله-عزوجل-: ﴿زَوَّجْنَاكَهَا﴾.

وهنالك من الروايات التي تنقل الحادثة بأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- هو من أخبرها بذلك حينما قدم إليها، وبذلك يكون المشهد أكثر عظمة ورغبة في نفسي بأن أعلم كيف كان شعور قلبك في تلك اللحظات يا زينب التي أخبرك بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأنه زوجك، وأن االله تعالى هو وليك وبشهادة من جبريل -عليه السلام-!

في هذا الموقف، لم تجد من سبيل الحمد والشكر لله -عز وجل- إلا أن تزين جبهتها تشريفًا بالسجود لله تعالى، فهذا حال المرأة الصالحة التي تتوج نعم الله تعالى عليها بسجود الشكر. وهنالك من الروايات التي تنقل الحادثة بأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- هو من أخبرها بذلك حينما قدم إليها، وبذلك يكون المشهد أكثر عظمة ورغبة في نفسي بأن أعلم كيف كان شعور قلبك في تلك اللحظات يا زينب التي أخبرك بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأنه زوجك، وأن الله تعالى هو وليك وبشهادة من جبريل -عليه السلام-!

بالتأكيد، من الصعب هذه الكلمات أن تصف دقات القلب التي تسارعت فرحًا ونشوة في صدر زينب، فالأمر عظيم لن توافيها حقها فأي تشرف هذا، وأي تكريم لك. ومهما اختلفت الروايات في كيفية إخبار زينب يبقى الحدث هو الشاهد الذي ثبت بالقرآن والسنة ونزلت به آية في كتاب الله-تعالى- لا تزال تُتلى إلى يوم القيامة. وكل شيء أصبح لك جميلًا يا أم المؤمنين، حتى اسمك كان له نصيب من التشريف كذلك، بأن -صلى الله عليه وسلم- هو من أسماك به حينما سألك عن اسمك فكانت إجابتك: "برة"، فسماك زينب.

وهي بنت جحش بن رياب بن يعمر بن صبرة بن مرة بن كبير بن غنم بن دودان بن أسد بن خزيمة، وأمها أميمة بنت عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي، وبذلك يلحقها قرابة الرسول -صلى الله عليه وسلم- بأنها ابنة عمته. وهذا الزواج العظيم الذي زوجها الله -سبحانه وتعالى- جعلها تتفاخر ولها الحق بذلك، فالأمر عظيم، حينما قالت يومًا لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي وَاللَّهِ مَا أَنَا كَأَحَدٍ مِنْ نِسَائِكَ لَيْسَتِ امْرَأَةٌ مِنْ نِسَائِكَ إِلا زَوَّجَهَا أَبُوهَا أَوْ أَخُوهَا وَأَهْلُهَا غَيْرِي زَوَّجَنِيكَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ".

وهذا يجعلها تتفاخر كذلك أمام زوجات النبي-صلى الله عله سلم-: "إنِّي وَاللَّهِ مَا أَنَا كَأَحَدٍ مِنْ نِسَاءِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِنَّهُنَّ زَوَّجَهُنَّ بِالْمُهُورِ وَزَوَّجَهُنَّ الأَوْلِيَاءُ وَزَوَّجَنِي اللَّهُ رَسُولَهُ وَأَنْزَلَ فِي الْكِتَابِ يَقْرَأُ بِهِ الْمُسْلِمُونَ لا يُبَدَّلُ وَلا يُغَيَّرُ: ﴿وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ﴾ (الأحزاب:37). وإن هذا الحدث الجليل قد توج بحكم شرعي أبطل من خلاله التبني، حيث كانت زينب قبل زواجها من الرسول-عليه الصلاة والسلام- زوجة زيد بن حارثة وكان قد تبناه قبل الإسلام، وكان ينادى باسم زيد بن محمد.

ومن حكم هذا الزواج أراد الله-تعالى- أن يبين حكمًا عظيمًا بعدم التبني، فبعد زواجه -عليه الصلاة والسلام- من زينب أخذ المنافقون يقولون: "حرم مُحَمَّد نساء الولد، وقد تزوج امرأة ابنه"، فجاء في قوله تعالى: ﴿ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ ۚ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ...﴾ (الأحزاب:5)، وقوله (عزوجل): ﴿مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَٰكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ...﴾ (الأحزاب:40)، تأكيد على حرمة التبني، وبعد هذه الآيات لم يعد ينادي زيد بن محمد، إنما زيد بن الحارثة-رضي الله عنه-.

وهذا الحدث أيضًا جعل فكري يتأمل بقوله -تعالى-:﴿ وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ ٱللَّهُ كُلًّا مِّن سَعَتِهِۦ ۚ وَكَانَ ٱللَّهُ وَٰسِعًا حَكِيمًا﴾ (النساء:130) بأن الطلاق ليس نهاية الحياة؛ إنما يكون بداية لحياة جديدة لكن بشرط أن تتقي الله -عزوجل-، وأكد ذلك وعده -سبحانه وتعالى- في سورة الطلاق لمن يتقيه حتمًا سيكون له الفرج والمخرج والرزق، حيث جاء ذلك في قوله-تعالى-:﴿ مَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا﴾.

وجاء في وصفها في حسن دينها وأخلاقها قول أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-:" زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ تُسَامِينِي فِي الْمَنْزِلَةِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَمَا رَأَيْتُ امْرَأَةً قَطُّ خَيْرًا فِي الدِّينِ مِنْ زَيْنَبَ وَأَتْقَى للَّه، وَأَصْدَقَ حَدِيثًا، وَأَوْصَلَ لِلرَّحِمِ، وَأَعْظَمَ صَدَقَةً".

وهذا تحقق في المشهد العظيم بزواج زينب من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأن طلاقها من زيد -رضي الله عنه- لم يكن نهاية الأمر لها؛ بل بداية لحياة أفضل وأكثر تشريفًا وفضلًا حينما رزقها الله -تعالى- بخير رجال العالمين. وكانت من صفات هذه الزوجة الصالحة حُب إعطاء الصدقة، فكانت يدها أكثرهن طولًا حيث قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم- لنسائه-أمهات المؤمنين رضي الله عنهن جميعًا-:" أَسْرَعُكُنَّ لُحُوقًا بِي أَطْوَلُكُنَّ يَدًا"، فكانت -رضي الله عنها- أكثرهن طولًا، فكانت تعمل بيدها وتتصدق بما تجنيه من مال.

وجاء في وصفها في حسن دينها وأخلاقها قول أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-:" زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ تُسَامِينِي فِي الْمَنْزِلَةِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَمَا رَأَيْتُ امْرَأَةً قَطُّ خَيْرًا فِي الدِّينِ مِنْ زَيْنَبَ وَأَتْقَى للَّه، وَأَصْدَقَ حَدِيثًا، وَأَوْصَلَ لِلرَّحِمِ، وَأَعْظَمَ صَدَقَةً". فهنيئًا لك يا أم المؤمنين حينما ذكرك الرسول-صلى الله عليه وسلم- لعمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: "إِنَّ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ أَوَّاهَةٌ" فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا الأَوَّاهُ؟ قَالَ:"الْخَاشِعُ الْمُتَضَرِّعُ، وَإِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ". ورحم الله تعالى قارئًا دعا لي ولوالدي بالعفو والمغفرة ﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ (يوسف:21).